حكاياتنا الخفية
أعدّ نفسي من أشد المنادين بأهمية عناق الأبناء لتفعيل جهاز المناعة لديهم؛ إذ إن له دورًا كبيرًا في رفع روحهم المعنوية وجبر خواطرهم.
عندما تفشت الجائحة في دولة الإمارات العربية المتحدة وأقرت السلطات الرسمية "برنامج التعقيم الوطني" ووجَّهت بالتزام الناس منازلَهم وبعدم تبادل الزيارات، كانت والدتي خارج الدولة منذ شهر. وعندما عادت في اليوم السابق لقرار إغلاق المطارات، التزمَت الحجر المنزلي، فاكتفيتُ -وفق ما اقتضته الضرورة- بالتحدث إليها عبر الهـاتف، ولم أتمكـن إطـلاقا مـن "زيـارتها" عـلى مَـرّ الشـهور اللاحقة إلا في فـترات متقطعة ومن خلال زجاج النافذة الخارجية، ملوحةً إليها بيديَّ من بعيد. وكم كان الأمر قاسيًا على قلبي! قسوة توزعت بين نظراتها الطافحة بالعتاب لأنّي لم أقترب منها -وأنا التي اعتدت مشاكستها وتقبيلها والمكوث في حُضنها- وحاجتي الملحّة إلى هذا الإجراء الاحترازي في وجود الجائحة.
أعدّ نفسي من أشد المنادين بأهمية عناق الأبناء لتفعيل جهاز المناعة لديهم؛ إذ إن له دورًا كبيرًا في رفع روحهم المعنوية وجبر خواطرهم. وكانت علاقتي بكل أطفال العائلة قائمة على ذلك، متخذةً "الحضن الكبير" شعارًا كلما التقيتهم؛ فأبث من خلاله حبي لهم، ويغمروني هم كذلك بحبهم لي. عندما ابتلينا بهذه الجائحة، لم أدرك مطلقا تداعياتها علَي؛ فقد انشغلت بالطريقة التي سأدير بها العمل وبكيفية تدبّري أمور الحياة الاعتيادية. اعتقدت أني بخير ما دامت الأمور تحت السيطرة، غير أني اليوم -وبعد مرور هذه الشهور- تأكدت أن لي جسمًا خارج السيطرة. صحيح أني كنت أعلم تماما أهمية عناق الوالدين والأطفال ودور "الجمعة العائلية" في الاستقرار العاطفي، غير أني لم أختبر تأثير غياب هذه الممارسات في حالتي الصحية -لا سيما مناعتي وقلبي وجهازي العصبي- إلا بعد شهور.
يتناول العدد الخاص الذي بين أيديكم موضوع جائحة "كوفيد19-" وتداعياتها الصحية والاقتصادية والاجتماعية من زوايا مختلفة؛ غير أن الجزء المعني بتأثيراته في نفوسنا يبقى خاصًّا جدا، وله وجوه عديدة بعدد سكان الأرض. فلكلٍّ منا حكايته مع "كورونا"؛ وما نظرات هذين الزوجين (في الصورة) إلى بعضهما بعضًا إلا حكاية من حكاياتنا تلك.. الخفية.