طموحٌ عملاقٌ إلى طاقـة لا تنضب

داخل قاعة التجميع التي يبلغ ارتفاعها 60 مترًا، والواقعة في بلدة "سان بول ليه دورانس" الفرنسية، تُعلَّق قطعة من مفاعل "إيتر"، وهو اختصارٌ لعبارة "المفاعل النووي الحراري التجريبي الدولي". هذا المشروع الجريء والطموح، الذي يشارك في إنجازه عمال من 90 دولة حول العالم منذ العقود الأربعة الماضية، يسعى إلى تسخير تقنية الاندماج النووي لحل أزمة الطاقة العالمية.

طموحٌ عملاقٌ إلى طاقـة لا تنضب

لتنظيم درجات الحرارة أثناء عملية الاندماج، سيُعاد تدوير الماء المبرَّد عبر مجموعة أنابيب يبلغ قطر كلٍّ منها زُهاء 1.5 متر، موزعة حول منشأة "إيتر".

طموحٌ عملاقٌ إلى طاقـة لا تنضب

يفحص فنيُّ تركيب الأنابيب، "زيلكو سلونسكي"، درعًا حرارية تُعد من بين مكونات رئيسة متعددة في وحدات جهاز "توكاماك" التي كانت تستلزم علميات إصلاح أو إعادة تركيب خلال السنوات الأخيرة. وخلال هذه الفترة، واجه مشروع "إيتر" انتقادات متزايدة بسبب ارتفاع تكاليفه ووقوع أخطاء إنشائية جسيمة. وقد عدّ بعض الفيزيائيين المتوجين بجائزة نوبل أن الهدف الذي يسعى إليه المشروع مستحيل التحقق.

طموحٌ عملاقٌ إلى طاقـة لا تنضب

مديرة الإنشاءات، "كلير لوغيي"، هي واحدة من بين أكثر من 2000 شخص يعملون في موقع مشروع "إيتر" الذي يمتد على مساحة 42 هكتارًا وسط الريف الفرنسي، وعلى بعد نحو 50 كيلومترًا من البحر المتوسط. يضم المشروع عمالًا يتوزعون على تخصصات متنوعة، بدءًا من الفيزيائيين وانتهاءً بفنيين في تشغيل الآلات. وقد أمضى بعضهم عقودًا من الزمن في العمل على هذه المبادرة.

طموحٌ عملاقٌ إلى طاقـة لا تنضب

في أبريل الماضي، وبعد سنوات من التأخيرات وخيبات الأمل، حقق مشروع "إيتر" إنجازًا مذهلًا؛ إذ نجح العاملون في رفع وتثبيت أول وحدة من أصل تسع وحدات ضخمة تُشكّل وعاء التفريغ اللازم لبناء جهاز "توكاماك". كل قطعة مترابطة من هذه الوحدات تزن نحو 1350 طنًا، وتتطلب مجموعة أدوات مُصنَّعة خصيصًا لضمان تثبيتها ومحاذاتها على نحو صحيح.

طموحٌ عملاقٌ إلى طاقـة لا تنضب

في عام 2006، قُدرت تكلفة مشروع "إيتر" بستة مليارات دولار؛ ومنذ ذلك الحين، ارتفعت التكلفة لتصل إلى نحو 65 مليار دولار. ويعزى هذا الارتفاع، جزئيًا، إلى التأخيرات ونقص الكفاءة والأخطاء التي وقعت أثناء تنفيذ المشروع. ويظهر في الصورة، خبير الدروع الحرارية، "كيفن بهادانيا"، واقفًا إلى جانب لوح من وحدة وعاء التفريغ. مؤخرًا، كان من الضروري استبدال جزء من هذا اللوح لضمان تشغيل جهاز توكاماك.

طموحٌ عملاقٌ إلى طاقـة لا تنضب

يقف عامل البناء، "تشانغ يوي"، على مقربة من منصات تحمل مواد بناء ضخمة ستُرفَع بواسطة رافعات علوية إلى حفرة توكاماك. سيُدمَج كثير من هذه القطع لاحقًا لتشكل أجهزة أكبر حجمًا. ويبلغ حجم هذا الجهاز حدًا من الضخامة يجعل الأشخاص يبدون ضئيلين مقارنة بالأدوات والسقالات المحيطة بهم.

طموحٌ عملاقٌ إلى طاقـة لا تنضب

طالب المدير الجديد لمشروع "إيتر"، المهندس الإيطالي "بييترو باراباسكي"، بمستوى أعلى من الشفافية والمساءلة، فضلًا عن إزالة وإعادة تركيب جزء من وحدة وعاء التفريغ (أعلى اليسار). ورغم أن هذا الأمر أدى إلى تأخير المشروع، إلا أنه استطاع تعزيز ثقة أكبر بين قادة الدول الأعضاء المشاركين في المشروع. ومن المتوقع، الآن، أن يبدأ أول اندماج نووي لمشروع "إيتر" في عام 2039.

طموحٌ عملاقٌ إلى طاقـة لا تنضب

تُعد خلايا التبريد في المنشأة عنصرًا مهمًا في حدوث الاندماج النووي، إذ يجب تسخين الهيدروجين إلى درجة حرارة عالية جدًا لا تقل عن 150 مليون درجة مئوية.

طموحٌ عملاقٌ إلى طاقـة لا تنضب

يحدث الاندماج النووي في الشمس عندما يتعرض الهيدروجين لضغط وحرارة شديدين للغاية، مما يؤدي إلى تفكك الذرات وإعادة اندماجها لتشكيل عناصر أثقل. وفي مشروع "إيتر"، يخطط العلماء لاحتواء تفاعل مماثل داخل جهاز "توكاماك"، وهو حُجرة ضخمة محكمة الإغلاق ومفرغة من الهواء، سيتم تثبيتها داخل حفرة توكاماك (كما في الصورة).

طموحٌ عملاقٌ إلى طاقـة لا تنضب

سيُضخ الماء، بعد ذلك، إلى واحدة من عشر خلايا تبريد ذات أنابيب مفتوحة، حيث يُدفع الهواء بقوة فوق حوض تبريد بغرض بدأ عملية التبريد من جديد.

طموحٌ عملاقٌ إلى طاقـة لا تنضب

ينعكس ضوء أشعة الشمس على الكسوة العاكسة المثبتة على السطح الخارجي لمبنى مفاعل "إيتر" المُتحكَّم في درجة حرارته.

طموحٌ عملاقٌ إلى طاقـة لا تنضب

يدور حول العالم سباق لتسخير طاقة تكاد لا تنضب، مَصدرها الاندماج النووي. ففي بلدة صغيرة جنوب فرنسا، يقترب مشروع علمي عملاق ذو أبعاد استثنائية من تلبية حاجاتنا العالمية من الطاقة إلى الأبد، عبر إنشاء نجم على كوكب الأرض.

قلم: مايكل فينكل

عدسة: باولو فيرزوني

1 نوفمبر 2025 - تابع لعدد نوفمبر 2025

لطالما أسرني البحر؛ فهناك سحرٌ خاص في مدّ أمواجه وجَزرها، وفي تدرجات  لونيه الأزرق والأخضر التي تتغير على مدار اليوم. للبحر قدرة عجيبة على تهدئتي وشحذ طاقتي وإشباع فضولي، ومنحي إحساسًا بالمعنى والغاية. في طفولتي،  كنت مولعة بالصخور وبكيفية عمل الظواهر الطبيعية، وأنتظر بفارغ الصبر قضاء  الوقت في استكشاف الصحاري والشواطئ مع عائلتي. 

قادني ذلك الشغف بالطبيعة إلى دراستها أكاديميًا؛ فتُوِّج هذا المسار بحصولي على الماجستير في إدارة البيئات الساحلية من "جامعة ديوك" بالولايات المتحدة. ولدى عودتي،  عملتُ في عام 2005 لدى "هيئة البيئة–أبو ظبي" وتحديدًا في قسم التنوع الأحيائي البحري. أتاح لي هذا العمل التعمقَ في مجال حفظ البيئة البحرية؛ وقررت التدرّب على الغوص الاحترافي كي أكون مُؤهلة  لاستكشاف بواطن البحر والنظر في كائناته من كثب. بعدها، تسلحتُ بمعرفتي العلمية وروح المغامرة  لدي، فانطلقتُ إلى استكشاف جزر أبوظبي النائية وتلك المطلة على السواحل،  وأصبحت عضوًا أساسيًا في الفريق الميداني لدى الهيئة المكلّف باستطلاع  الشعاب المرجانية ومروج الأعشاب البحرية والسلاحف البحرية والأطوم (أبقار  البحر).

في عام 2012 انضممت إلى "جمعية البيئة العُمانية"، وهي المنظمة غير الربحية الوحيدة في عُمان المكرّسة لحماية الأنواع المهددة بالانقراض، بدءًا من النسور وأشجار اللبان وصولًا إلى السلاحف البحرية والحيتان. أتاح لي العمل الميداني لدى الجمعية إدراك حقيقة أن تداعيات تغيّر المناخ ماثلة أمامنا اليوم وليست مشكلة تخص المستقبل البعيد كما يظن بعض الناس؛ بل إنها تتفاقم في غفلة منهم وتتزايد وتيرتها. فقد ظلت سلطنة عُمان -مثالًا لا حصرًا- تشهد ارتفاعًا في عدد الأعاصير والعواصف وشدتها؛ وكانت البداية مع إعصار "جونو" في عام 2007، مرورًا بأعاصير "فيت" و"أشوبا"  و"مكونو"، ثم "شاهين" في عام 2021.

في عام 2017 مرّت الجمعية بمرحلة  انتقالية، فوّض خلالها مجلس الإدارة مزيدًا من الصلاحيات للموظفين، وأصبحتُ أول موظفة تشغل منصب المديرة التنفيذية. ومن خلال هذا الموقع ركّزت جهودي على تطوير برامج لنشر الوعي البيئي وتعزيز الابتكار في المدارس، والدعوة لحماية البيئة عبر مبادرات مجتمعية، فضلًا عن تسهيل البحوث العلمية  التي تدعم العمل البيئي.

وتشمل البرامج الرائدة التي دأبتُ على قيادتها، الإشراف على البحوث بشأن حيتان بحر العرب الحدباء، والذي تُعد  مهددة بالانقراض وهي كذلك الأكثر عزلة في العالم، إذ يُقدَّر عددها بأقل من  مئة حوت. ويواجه هذا المخلوق الضخم تهديدات طبيعية وأخرى بشرية مثل حركة  الملاحة، والضوضاء، والوقوع في شباك الصيد. كما أننا ننفذ برنامجًا  لصون سلاحف الريماني في شمال غرب المحيط الهندي، والتي شهدت انخفاضًا بنسبة 80 بالمئة في أعداد الإناث بمواقع التعشيش على مرّ 20 عامًا. ولهذا ركّزنا جهودنا في "جزيرة مصيرة" للحد من الت

إنقاذ قصص حبيــسة  فـي الجـليد

إنقاذ قصص حبيــسة فـي الجـليد

هل يمكن استرجاع المعلومات التاريخية الحبيسة في الصفائح الجليدية القطبية قبل أن تذوب بالكامل؟

مستقبل الذاكرة

مستقبل الذاكرة

أصلية وحيوية، مع بعض الخلل الطفيف: إنها ذاكرة الإنسان وأحد أكبر ألغاز العقل المبهمة. لماذا نتذكر ما نتذكر وننسى ما نحاول جاهدين الاحتفاظ به؟ وهل يمكننا تحسين أداء ذاكرتنا؟ فما الذي أتى بي إلى هنا؟

مـن الرمل إلـى الصخـر

مـن الرمل إلـى الصخـر

مصورٌ فرنسي الأم، ياباني الأب، إماراتي الهوى يَجول بعدسته في ربوع الصحراء الرحبة ليلتقط ما تَغفل عيون الآخرين عن التقاطه.. على كل شموخه وهيبته.