4 ديسمبر 2013
25 أكتوبر 2013
بقلم: بول سالوبيك
وادي المرتجة، المملكة العربية السعودية، على خط العرض: 24 د. 38 د. 36 ث. شمالاً، وخط الطول: 37 د. 35 د. 26 ث. شرقاً
"وكانوا يشربونها كل ليلة اثنين وجمعة يضعونها في ماجور كبير من الفخار الأحمر ويغترف منها النقيب بسكرجة صغيرة ويسقيهم الأيمن فالأيمن مع ذكرهم المعتاد عليها، وهو غالباً " لا إله إلا الله الملك الحق المبين".
العلاَّمة ابن عبد الغفار، كاتب عربي من القرن السادس عشر.
وجدت نفسي أمشي على طول وادٍ لمسافة 19 كيلومتراً تقريباً وأنا أجر جملاً بحبل. وذلك تحت شمسٍ حارقة خطّت شقاً في رأسي وجعلتني أشعر وكأنني أدور في مكاني بعكس اتجاه عقارب الساعة... وكأنني انغرس كالبرغي في الرمال المنصهرة.
تتراءى أمام عيني خِيَام بيضاء منصوبة أسفل هضبةٍ محاطة بأرضٍ جرّدتها عوامل التعرية، كما أرى نساءً يجرين للاختباء فيها. إنهن من نساء البدو، ويمثّلن هنّ وعائلاتهن قوماً محافظين ما زالوا يقاومون بعناد حياة المدن المتّسمة باليسر والرخاء. وهنالك في الهضبة التي تعلونا يكمن بعض الذئاب بين الصخور الملتهبة، وهي كذلك تُعد آخر ما تبقّى من نوعها.
هذا ما سيخلد في ذاكرتك:
ليس الفضاء الرحب هو الذي سيخلد في ذاكرتك، ولا الحرارة الشديدة، ولا ذُرى الجبال الحادّة والتي حُفّت لتصبح كنُسَخٍ جرداء من جبل "ماترهورن" الشهير... جبال كالأنياب... وعلاماتٍ كان يهتدي بها الحجّاج قديماً إلى مكّة المكرّمة... لا... كل هذا قد ينمحي من الذاكرة. لكن ما سيخلد فيها هو الفناجين الخزفية البيضاء الصغيرة التي تجلس في راحات الرجال -أولئك الرجال اللطفاء اليقظين- الذين زادت الجُسأة (الجلد المتصلّب) من غلظة أيديهم. وكذلك ذاك القرص من الشراب الساخن في تلك الفناجين. إنه مستخلص اخترعه الصوفيّون العرب قبل سبعة قرون. أما لونه فهو أخضر فاتح كاللون النادر للجليد البحري. إنها سلاسة القهوة وسط محيطٍ من القساوة والخشونة... عجباً كيف تبثّ النشاط فيك من جديد لتعيد عقد أربطة حذائك، وكيف تمسك بيدك وتقودك مرة أخرى إلى العراء، إلى قلب الصحراء...