:عدسة عدسة: كوري ريتشاردز
1 سبتمبر 2015
تعصف بي الرياح بعنف، فأشدد قبضتي على فأس التسلق التي غرستها للتّو بكل قوتي، في سبيل البقاء متشبثاً بالجبل. أدفع برأسي إلى الأمام في مواجهة سيل الرذاذ الثلجي، فأستعيد رباطة جأشي. أنظر إلى أسفل حذائي المجهز لتسلق الجبال، فأرى هوة سحيقة عمقها 1500 متر، بدت لي وكأني أنظر من باب طائرة مفتوح على ارتفاع شاهق.
يربطني برفيقيّ حبل، فيما لا يربط ثلاثتنا بالجبل شيء؛ أي زلة كفيلة بأن ترسلنا جميعاً إلى حتفنا المحتوم في القاع.
ما أن خفت وطأة الرياح، حتى غرست عصا من الألومنيوم في الأرض المغطاة بالثلوج وشبكت الحبل بها. لم تكن تلك العصا لتنقذني لو أنني سقطت، ولكنها شحنتني بدفعة نفسية مكنتني من المضي قدماً. استعدتُ تركيزي، وأنا أتحرك بأسلوب مدروس ما بين غرس أدوات التسلق في الجليد وتحريك قدماي اللتان تنتعلان حذاءً مجهزاً لهذا الغرض. ثم قمت بتثبيت خطاف معدني في شق صخري، وتأكدت من سلامة الحبل الذي يربطني برفيقيّ، "كوري ريتشاردز" و"رنان أوزترك"، عبر الصدع.
ما أن وصل إليّ حتى صاح كوري بأعلى صوته، ليتغلب على صرير الرياح من حولنا: "أحسنت القيادة يا رفيقي!". تسلق طريقه صاعداً، لناحية اليسار، وهو يبحث عن مسار عبر الثلوج والصخور الغرانيتية. وعندما وصل رنان إلي، لم تكن هناك مساحة كافية لكلينا في الحيّد الذي كنت أقف فيه، فاجتازني بسرعة إلى مكان آخر، بينما كان كوري يخطو بحذر على حافة رفيعة فوقنا، قبل أن يتوارى عن الأنظار.
لبثت في مكاني أنا ورنان، نحاول اتقاء الرياح الشديدة. كنا ندب بأقدامنا ونصفق بقفازاتنا حتى نبعث ولو بصيصاً من الدفء في عروقنا. لم تكن المسافة بيننا تسمح بأن نتبادل الحديث. قبع كلا منا في مكانه وحسب، فوق جرف تغطيه الثلوج على ارتفاع يقارب الخمسة الآف متر. مضت نصف ساعة، شعرنا بعدها بأننا نتجمد. وعقب مرور ساعة فقدنا الإحساس بأصابع الأيدي والأقدام. صاح رنان بصوت اجتاز بالكاد لحيته المتجمدة: "لم أعد أستطيع التحمل. لا أشعر بقدمي. علي أن أعاود التحرك".