:عدسة ستيف وينتر
1 ديسمبر 2017
أحضر متدربو المعلم "خوان فلوريس" جوازَ مروري إلى عالم أرواح اليُغور في كأس قربان بلاستيكية صغيرة. كانت الكأس تحوي "الدواء"، وهو شراب بني اللون استُخلص من أوراق نبتتَي "تشاكرونا" و"أياخواسكا" بعد غليهما على مدى يومين اثنين، قبل تصفيته وتقطيره في قنينات ماء قديمة. في مستهل الطقس العلاجي، بارك المعلم الشراب بنفثات من "ماباتشو" (تبغ الأمازون البري) ثم طفق يملأ الكأس ويسكب جرعات صغيرة لكل فرد من الجمع.
جلسنا ننتظر على حصائر وبطانيات، حيث وُضعت دِلاء بلاستيكية للقيء، تحت سقف سرادق فسيح في الهواء الطلق يسمى "مالوكا".
كنـا 28 فـردا، من الولايات المتحدة وكنــدا وإسبـانـيا وفـرنسا والأرجنتين والبيرو. جئنا جميعا بحثا عن شيء في هذه الرقعة النائية من الشطر البيروفي للأمازون على ضفاف نهر صغير غريب وحارق يدعى "النهر الفائر". جاء بعضنا طلباً للعلاج من أمراض خطيرة، وآخرون سعياً للهداية، فيما ودَّ آخرون ببساطة إلقاء نظرة إلى عالم آخر: أغرب ركن ممّا يسميه "ألان رابنويتز" -رئيس منظمة "بانثيرا" المعنية بحماية السنوريات- "معبر اليغور الثقافي". يضم هذا المجال المواطن الطبيعية وسبل الهجرة التي تحاول هذه المنظمة حمايتها، ضماناً لحياة حوالى 100 ألف يغور وحفاظاً على تشكيلتها الوراثية.
تطايرت خفافيش صغيرة على العوارض الخشبية في مسارات متعرجة، فيما بدّدَ مصباحان متدليان ظلمةَ الغابة. وُزّعَت كؤوس الدواء في صمت، على إيقاع هدير مياه النهر حيث تمايلت أطياف البخار في دوامات هواء الليل المنعش. لمّا أتاني المتدربون بالدواء، جثوتُ على ركبتي؛ ربما كانت تلك عادة كاثوليكية قديمة؛ أو ربما حذوت حذو الجماعة. مد إلي أحدُهم الكأسَ، فيما وقف آخر جانبا وفي يده كوب ماء. ترددت كمن يعتزم القفز من جرف وقد جال بخاطري ما كان قد أخبرني به المعالج الشهير "دون خوسيه كامبوس" في مدينة "بوكالبا" الساحلية في البيرو قُبيل أيام.
إذ قال: "أنت لا تتناول أياخواسكا. إنه يتناولك".
أملتُ الكأس ثم شربتُ.
ولقد جئت للقاء المعلم خوان في المركز العلاجي "مايانتوياكو" الذي أنشأه عام 1994، طلباً لتعلم المزيد عن اليغور؛ لا سيما تلك المظاهر التي لا يمكن رصدها بالكاميرات الآلية المخفية. يتربع اليغور -أو الجاكوار- (المسمّى علمياً: Panthera onca) على قائمة المفترسات في شمال أميركا وجنوبها. له فخامة ملكية ولكنه شرس في الآن نفسه؛ ولا يجاريه حيوان في التخفي في الأنهار والأدغال وفوق الأشجار. تلمع عيناه في الظلام بفضل خلايا البساط في شبكية عينيه التي تتيح له الرؤية ليلا. يتميز عن باقي السنوريات الكبرى بأقوى عضة مقارنة بحجمه، كما يتفرّد باستهداف جمجمة الفريسة بدلا من عنقها، وغالبا ما يخرق دماغها ويرديها قتيلة في الحال. أما زمجرته الحادة فتوحي بقوة الحياة نفسها.
على أن اليغور عاش آلاف السنين حياة مزدوجة؛ إذ كان له حضور رمزي يطغى على فنون الثقافات ما قبل الكولومبية وآثارها عبر جل نطاق وجوده الجغرافي عبر التاريخ، والذي يمتد من جنوب غرب الولايات المتحدة إلى الأرجنتين. فلقد عدّته شعوب الأولميك والمايا والأزتيك والإنكا إلهاً؛ فزيّنت بنقوشه معابدها وعروشها ومقابض الأواني والملاعق المصنوعة من عظام حيوان اللاما.