:عدسة سيريل جازبيك
1 ديسمبر 2017
في قرية زراعية كينية تُدعى "المهندس" (نسبة إلى لقب شخص إنجليزي كان يدير ورشة ميكانيك هناك)، وبينما كان صبي نحيل الجسم قصير النظر يمشي بمحاذاة محل الطباعة الوحيد، إذ وقع بصره على شيء لم يسبق أن رآه من قبل: الحاسوب.
راح هذا الصبي -المسمّى "بيتر كاريوكي"- يشاهد صاحب المحل وهو ينقر بخشونة على لوحة المفاتيح؛ ثم اقترب أكثر فرأى صفحات تلو صفحات تنقذف من جوف طابعة. وقف إلى جانب هذه الآلة ذات الطنين، محدقاً بافتتان في الكلمات والأرقام التي تُنقل -بطريقة ما- من الحاسوب. عندها اكتشف كاريوكي -المشرف على مرحلة المراهقة آنذاك- أن مصيره قد أصبح واضح المعالم.
كان ذلك في أحد أيام عام 2004. وقد بدأ والداه -وهما مزارعا كفاف في حقل للملفوف والبطاطا- يشعران بالقلق من أن بيتر بات يقضي وقتاً طويلاً في محل الطباعة ذاك. لم تكن الإنترنت متاحة لأحد في قرية "المهندس"، بل حتى الكهرباء كانت لدى عدد قليل منهم فقط. أما مفهوم الطفرة التقنية فكان بعيداً جدا عن عوالم القرية، وكذلك كانت قصص أشخاص غربيين يخترعون أجهزة أو برمجيات فيكسبون مالاً كثيراً وهم بعد في الثلاثينات من العمر. وعلى الرغم من كل ذلك، فإن بيتر افتتن بعوالم الحاسوب. ولقد أهّله تفوقه في المرحلة الابتدائية للالتحاق بمدرسة "ماسينو" المرموقة (والتي درس فيها والد باراك أوباما)، حيث أعطاه أحد مُدرّسيه مفاتيح مختبر تكنولوجيا المعلومات، فصار بوسعه الاشتغال طوال الليل على البرمجيات الحاسوبية.
وفي عام 2010 سافر هذا الشاب المولع بالحاسوب -البالغ من العمر حينها 18 عاما- إلى مدينة كيغالي، عاصمة رواندا، حيث حصل على وظيفة مصمم نظام تذاكر آلي للحافلات. وعلى الرغم من أن كيغالي كانت من بين أكثر مدن إفريقيا تنظيماً وأقلها انتشاراً للجريمة، فإن نظام مواصلاتها كان متخلفاً جدا عن كثير من دول القارة.
وفي عام 2010 سافر هذا الشاب المولع بالحاسوب -البالغ من العمر حينها 18 عاما- إلى مدينة كيغالي، عاصمة رواندا، حيث حصل على وظيفة مصمم نظام تذاكر آلي للحافلات. وعلى الرغم من أن كيغالي كانت من بين أكثر مدن إفريقيا تنظيماً وأقلها انتشاراً للجريمة، فإن نظام مواصلاتها كان متخلفاً جدا عن كثير من دول القارة.
ولما كانت تلك الحافلات (مجرد شاحنات صغيرة، في الواقع) غير جديرة بالثقة ومكتظة وبطيئة الحركة، اعتمد جل الركاب على سائقي دراجات الأجرة النارية، المعروفين بتهورهم. وفي الواقع فإن أرقام الحوادث المرورية التي تُسجَّل عبر إفريقيا جنوب الصحراء باتت تنافس الإيدز والملاريا من حيث العوامل الأكثر تسببا للوفاة؛ وتشير إحصاءات الشرطة -التي اطلع عليها كاريوكي- إلى أن 80 بالمئة من حوادث الطرق في كيغالي تشمل الدراجات النارية. أثارت هذه الحقائق اهتمام كاريوكي وزميله في الغرفة، "باريت ناش"، وهو شاب كندي يضع نظارات حمراء ذات حجم كبير. وقد دأب الشابان، بعد إيقاف تشغيل حاسوبيهما المحمولين ليلاً، على الذهاب إلى حانة في الهواء الطلق، مروراً عبر شارع يزدحم بالمركبات وسط كيغالي، حيث يفكران باستمرار في إيجاد إجابة لهذا السؤال الأساسي: كيف السبيل إلى تزويد كيغالي بخدمة دراجات أجرة نارية شبيهة بخدمة "أوبر" (Uber)، تكون فعالة وآمنة وبأسعار معقولة؟