11 نوفمبر 2017
بي بي سي عربي
لم تكن بعثات رئيسة كثيرة لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا" لتغادر كوكب الأرض من الأساس لولا السيدات اللاتي يعملن في الحياكة لدى الوكالة. وبدءا من الملابس التي ارتداها رواد الفضاء في رحلة "أبولو"، وصولا إلى عربة "مارس روفر" الجوالة التي هبطت على سطح المريخ، لعبت النساء من وراء الكواليس دورا مهما في خياطة مكونات رحلات الفضاء الحيوية. وكان من بينهن "ليان فام" التي تعمل في متجر الدروع بمختبر الدفع النفاث لتصنيع أغطية حرارية لأي مركبة فضائية تترك كوكب الأرض. وقد لا يبدو الأمر مبهرا، لكن ليان تعمل في تصميم الأزياء بهذا المختبر. وذهبت المركبة الفضائية "كاسيني"، التي كانت أول مشروع تعمل به ليان في وكالة ناسا إلى كوكب زحل وهي مغلفة برقاقة من الذهب الخالص تمكنها من التحمل خلال رحلتها التي استمرت 19 عاما. وثمة الكثير من القواسم المشتركة بين أحذيتكم العادية والمركبات الفضائية بشكل أكثر مما تتصور؛ إذ تُصنع الأغطية الحرارية بنفس آلات الخياطة التي تصنع الأحذية، ثم تُنسج بإحكام على المركبة الفضائية حتى لا ترتخي أو تُفك خلال عملية إطلاق المركبة الفضائية.
نشأت ليان في فيتنام، ولذا "لم تحلم أبدا" بالعمل في وكالة ناسا، على الأقل في الخياطة بوكالة الفضاء الأميركية. لكن عندما فرت عائلتها من البلاد في أواخر السبعينيات من القرن الماضي بعد سقوط "سايغون"، وجدت ليان نفسها في الولايات المتحدة، وكانت في حاجة إلى كسب ما يكفي من المال لدعم أشقائها الستة. واشترت الأسرة آلاتي خياطة وبدأت تحيك الملابس ليلا وتبيعها من المنزل. تقول ليان: "خطنا فساتين وبلوزات وقمصانا، وأشياء أخرى، وكنا نحصل على 50 سنتا تقريبا لكل ثوب". وبدأت ليان تعمل في شركة ملابس داخلية، وكانت تذهب مرة كل أسبوع إلى فصول لتعليم الهندسة الكهربائية. وفي ذلك الوقت، كانت الهندسة مهنة مزدهرة في ولاية كاليفورنيا، وكانت وكالة ناسا تعين من لديهم خبرة في هذا التخصص. وفي أحد الأيام، نصحتها إحدى صديقاتها بتقديم طلب للحصول على وظيفة في مختبر الدفع النفاث، وفي عام 1994 بدأت العمل في وكالة الفضاء ضمن فريق الخياطة الخاص بمهمة إطلاق المركبة كاسيني إلى كوكب زحل.
وكانت المهمة المعقدة لربط جميع الأدوات العلمية المنفصلة على المركبة الفضائية بإمدادات الطاقة المركزية أمرا صعبا للغاية، فقد استغرق ذلك من فريقها ثلاث سنوات كاملة. تقول ليان: "تشكل النساء الغالبية العظمى من العاملين هنا، تماما مثل مصنع الخياطة. وتتشكل مهنة الخياطة في غالبيتها من النساء لأننا جيدون في العمل بأيدينا". ويتشكل فريق العزل الحراري، أو متجر الدروع كما هو معروف، من مجموعة صغيرة معظمها من النساء. ويحيك الفريق أكثر من 20 طبقة فوق بعضها البعض بعناية شديدة - بسُمك لا يتجاوز واحد على ألف من سُمك البوصة. وينقش كل غطاء ويقاس ويجهز مثل أرقى البذلات الفاخرة. تقول ليان: "كل شيء مصمم بالتفصيل، وكلها مصنوعة يدويا."
وتعين ناسا سيدات لديهن خبرة في مجال الحياكة لسبب ما، حيث يواجه المهندسون مشكلة كبيرة عندما لا يعرفون كيفية التعامل مع مادة التفلون - وهي مادة غير لاصقة تغطى العديد من الأواني. واقترحت ليان طي حافة المادة وخياطتها مثل حاشية الثوب، تماما كما تفعل مع خياطة القميص في المنزل. وبالفعل، نجحت هذه الفكرة. وتعد ليان هي آخر المنضمات إلى قائمة طويلة من النساء اللاتي لديهن مهارات كبيرة في الخياطة بشكل حيوي لوكالة ناسا. وخلال برنامج أبولو، الذي أرسل بشرا إلى القمر لأول مرة، وظف عاملون لـ "نسج" المواد اللازمة للمركبة الفضائية. ورغم أنه يشار إليهن باسم "السيدات الطاعنات في السن إلى حد ما"، فإن كثيرا منهن شابات في واقع الأمر، ويعملن على تمرير الأسلاك النحاسية من خلال حلقات مغناطيسية صغيرة ويقمن بدور يستغرق وقتا طويلا في عملية دقيقة للغاية وغير مرئية إلى حد كبير للعالم الخارجي. وبالنسبة لليان، فإن هذا العمل في حد ذاته كان بمثابة حلم تحول إلى حقيقة. وتقول: "كنت أنظر إلى السماء عندما كنت صغيرة، وكنت أعتقد أنه سيكون من الرائع أن ألمس أحد هذه النجوم، لكن بعد ذلك جئت إلى هنا وصنعت شيئا يذهب إلى هناك." وتضيف: "لم أكن أبدا أتخيل أن يحدث ذلك".