حسين الموسوي
لي عادةٌ أستمتع بها كلما دعوت أصحابي لتناول ما لذ وطاب مما أطهو: اختبار معلوماتهم بشأن الموطن الأصلي للمقادير والمكوّنات التي أستخدم. فأنا أهتم بأصول المحاصيل الغذائية سعيًا لاستكشاف الظروف الطبيعية حيث نشأت وتطورت؛ وهذا يضفي على الأكلات نكهات ثقافية وعلمية تزيدها لذة "واعية". وتتركز أفضل أسئلتي حول الطماطم. لم تُزرع هذه الفاكهة -التي يظن كثيرون أنها من الخضراوات- في أوروبا إلا في القرن السادس عشر، ووصلت بعدها بقرون إلى منطقة الشرق الأوسط. إذْ حرص البشر في أثناء هجراتهم على نقل مؤونتهم معهم والتي شملت، فضلًا عن بذور الطماطم وغيرها من المحاصيل، الماشية بشتى أنواعها. على أن نقل الماشية لم يكن بالسهولة نفسها، حتى خلال الاستعمار الأوروبي الذي شق طريقه عبر محيطات العالم. ولعل أشهر الأمثلة التاريخية بشأن نقل الماشية هو إدخال الجمل العربي إلى أستراليا في القرن التاسع عشر، ليكون وسيلة نقل لاستكشاف المناطق الداخلية (القاحلة). ويبلغ تعداد تلك الإبل اليوم زهاء 300 ألف جمل وناقة، أثْرَت ثقافة السكان الأصليين في هذه القارة؛ على أن بعض أنماط سلوكها الدخيلة على ذلك المحيط أضرّت ببعض النباتات وبجوانب بيئية أخرى. في موضوع غلاف عددكم هذا، نسافر بكم إلى أميركا الشمالية لنروي لكم حكاية رحلة حيوانية أخرى حدثت في القرن التاسع العشر لدى بيئة مغايرة تمامًا تهيمن عليها الثلوج، ولسبب آخر هو توفير القوت للسكان الأصليين. يؤدي دور البطولة في هذه القصة قطيعٌ من غزلان الرنة يبلغ تعداده اليوم 6000 رأس، ورُعاتُه من شعب "الإنوفيالويت" الأصلي؛ وقد نشأت بينهما علاقة وفاء وتكافل ما فتئت تزداد توطّدًا ومتانة حتى اليوم ومن المرجح بقوة أنها سترسم طريق المستقبل أمام هذا القطيع.
أدعوكم إلى بحث سريع بشأن الموطن الأصلي للطماطم.
.. وإلى ذلك الحين، أرجو لكم قراءة ممتعة!