سكان الأرض الأوائل
اعتدنا تقديم أعداد خاصة مرتين على الأقل في العام، ودائمًا ما اكتست هذه الأعداد صبغة عالمية، ببُعد محلي (عربي). أما عددكم هذا، الذي يتطرق للسكان المحليين -أو الأصليين- حول العالم، فمختلف بعض الشيء.
اعتدنا تقديم أعداد خاصة مرتين على الأقل في العام، ودائمًا ما اكتست هذه الأعداد صبغة عالمية، ببُعد محلي (عربي). أما عددكم هذا، الذي يتطرق للسكان المحليين -أو الأصليين- حول العالم، فمختلف بعض الشيء. لقد نشأ مصطلح "indigenous" (أصلي أو محلي) وتبلور عبر السنين في كنف الاستعمار الأوروبي، ليُستخدَم أول مرة في التمييز بين السكان الأصليين والرقيق والمستعمِرين البِيض. كان ذلك عند استكشاف "العالم الجديد"، متمثلًا بالأميركيتين وغرينلاند وأستراليا ونيوزلندا وعدد من الجزر في محيطات العالم كافة. كان مشروعًا استعماريًا جشعًا إلى أبعد الحدود، إذ وُلد من رحمه نظام فصلٍ عنصري لا تزال ندوبه واضحة حتى عصرنا هذا. أما في منطقتنا العربية فلا يُتدَاول مصطلح "السكان الأصليين" بدلالاته الغربية. فصحيحٌ أن المنطقة ظلت على مرّ التاريخ تؤوي قوميات متنوعة بفضل الفتوحات الإسلامية، إلا أن هذه الأجناس والشعوب تبنَّت لغة الضاد واندمجت في الهوية العربية عبر العصور؛ فصار الحديث عن وجود "سكان أصليين" من عدمه أمرًا غير ذي جدوى. ومع التزاوج التدريجي بين عوائل تلك القوميات، انصهر التمييز في بوتقة أمة واحدة لا ميز بين مكوّناتها. دأبت "ناشيونال جيوغرافيك" في الأعوام الأخيرة على نبش تاريخ تلك الشعوب الأصلية لـ"العالم الجديد" وإلقاء الضوء على إرثها الحضاري وإسماع صوتها للعالم وإبراز دورها في صون موارد كوكب الأرض. فهذه الشعوب الأصلية الأصيلة ما زالت على سجيّتها محتفظةً بمعارف تقليدية واسعة تَوارثتها عبر الأجيال، تسير على هديها في الحفاظ على محيطها الطبيعي، برًّا وبحرًا. فالتطور التقني الذي شهده العالم ليس كافيًا وحده لصون بيئة كوكبنا، بل إننا بحاجة إلى حكمة الأجداد ونبوغهم ورِباطهم الروحي بالأرض كي نسير في الاتجاه الصحيح نحو إنقاذ كوكبنا.
وفي هذا العدد، نحتفي معكم بأهالي "العالم الجديد" الأصليين، حيث نحلُّ ضيوفًا على ديارهم لنكتشف أحوالهم ونستكشف عوالمهم.
أرجو لكم رحلة معرفية ممتعة!