كشف ضـوء الفجـر الأزرق عن تموجـات ظليلـة فـي الصحراء العربية، إذ كان الشيخ بطي بن مكتوم بن جمعة آل مكتوم وابنه يركعان في صلاتهما. كانت الرمال المخملية باردة وعليها آثار أقدام ثعالب الصحراء التي تجوب المنطقة ليلاً. وفي الجوار، انطبعت صورٌ ظلية من 12 عمودا صغيرا على سفح كثيب رملي، كان على قمته رجلٌ منهمك في نصب طاولة قابلة للطي لتقديم الشاي. كان وميض أفق مدينة دبي يتراءى من بعيد، وهي التي كانت في ما مضى منطقة مياه ضحلة متعرجة فتحولت إلى مدينة مينائية مفعمة بالحداثة على يد خال الشيخ بطي، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم.
وهناك في هذه المدينة، ثمة سلسلة من المهام والالتزامات بانتظار الشيخ بطي: قرارات مجالس إدارة الشركات، صفقات عقارية، شؤون العائلة الحاكمة، طلبات للحصول على استشاريين من جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا وغيرها. لكن كل ذلك الآن يبدو عالماً بعيداً؛ فههنا في هذا المشهد الصامت الذي استوطنه أجداده القدماء، يجد الشيخ السكينة والهدوء بصحبة صقوره.
إنه شهر أكتوبر، إذ يعكف الصقارون في دولة الإمارات العربية المتحدة على تدريب صقورهم للقنص وللمشاركة في موسم المسابقات المقبل. ويستيقظ الشيخ بطي وابنه مكتوم ومساعديهما كل يوم في الساعة الرابعة صباحاً فيتجهون بالسيارات مدة تفوق الساعة إلى الصحراء لتدريب طيورهم قبل اشتداد حرّ النهار.
أشرقت السماء فتبيّن لي أن تلك الأعمدة الـ 12 الظلية ما هي إلا مجاثم (يسمى الواحد منها باللهجة الإماراتية، الوكر) تربض فوقها صقور معصوبة الأعين، مترقبةً بصمت انطلاق تدريباتها اليومية. كانت التشكيلة تتألف من صقور شاهين (Falco peregrinus) بلون الشوكولا والقشدة، وصقور جير (Falco rusticolus) مبقّعة باللون الأبيض، وصقور حرة (Falco cherrug) ذات لون بني داكن، وصقور أخرى من أنواع هجينة. تحتوي هذه التشكيلة مجتمعة على أنساب تعود أصولها إلى أوروبا وآسيا وبراري القطب الشمالي؛ وهي لا تمثل سوى عدد قليل من مئات الطيور التي يمتلكها الشيخ، والتي يمكن القول إنها تعد واحدة من أروع مجموعات الصقور التي تم تجميعها على الإطلاق. (وللعلم، فإن هواية جمع الصقور ظلت عبر التاريخ نشاطاً محبباً إلى قلوب الملوك والوجهاء، من قبيل الحكام الآشوريين وزعماء الفايكينغ والقياصرة الروس والخانات المغول وجل الملوك الإنجليز، من ألفريد الكبير إلى جورج الثالث).
نَاولَني "باني" -أحد مساعدي الشيخ- فنجاناً من الشاي ثم هَبَّ إلى إعداد الطُّعم لأول صقر متدرب. "صباح الخير يا هاورد"، هكذا نادى الشيخ الرجلَ النحيل الأصلع ذا النظارات الذي يقف إلى جواري. ويبلغ "هاورد والر" هذا من العمر 57 عاماً، وهو صقّار لدى الشيخ وصديقه المقرَّب. صوتُ الشيخ مبتهج ومفعم بالحماسة إذ يتجاذب أطراف حديث حماسي ومتشعب مع هاورد بشأن عوالم الصقور.
راحا يخوضان في أمر تشكيلة الطيور الجاثمة أمام ناظريهما وكذلك الأخرى الموجودة في مرابي الطيور العديدة التي يمتلكها الشيخ. ناقشا مزايا النظام الغذائي القائم على لحم السمان والحمام،
لتتمكن من قرأة بقية المقال، قم بالاشتراك بالمحتوى المتميز