ظلت الكعبة المشرفة منذ زمن بعيد تحظى بأبهى الحلل المصنوعة من أزهى الأقمشة وأجودها، من قبيل الثياب اليمانية والقباطي والديباج الأحمر والأسود، حتى أصبحت تُكسى بقطعة سوداء من الحرير الأغلى في العالم، تزينها النقوش والزخارف والمذهبات. تذكر المصادر التاريخية أن أول من قام بكساء الكعبة كاملة هو "أسعد الحميري" (تُبَّع ملك حمير)، وقد وضع لها بابًا ومفتاحًا. وعلى مر القرون الماضية كانت الكسوة تُرسل من مصر في موكب مهيب يسمى "المحمل الشريف" يمر عبر قرى "المحروسة" ونجوعها ترافقه قافلة الحجاج، حتى آلت صناعتها وخدمتها والعناية بها على مدار العام إلى مجمع أُنشئ خصيصًا لهذا الغرض بمكة في عشرينيات القرن الماضي. واليوم، يُقام احتفال سنوي بمناسبة استبدال الكسوة عند فجر يوم عرفة.
يوضح "رائد اللحياني" -مصور هذه اليوميات- أن يوم الاستبدال حدث تتأهب له مكة، تزامنًا مع موسم الحج. كانت بدايات اللحياني في التقاط تفاصيل هذا الحدث عام 2006، بعد صورة آسرة التقطها لأحد العاملين أثناء استبدال الكسوة؛ بقيت حاضرة في ذاكرته، وشجعته على الحضور سنويًا بصفته مصورًا يرصد مظاهر هذا الحدث. أبهرته تلك اللحظات السريعة في الاستبدال، والحرفية العالية التي يمتاز بها فريق "مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة". يقول اللحياني: "من المفارقات الحسنة أن استبدال الكسوة يتم في يوم التاسع من ذي الحجة، وهو يوم عظيم ذو قيمة دينية لدى المسلمين؛ إذ بينما ينشغل الحجاج بمناسكهم وعموم المسلمين بصومهم، تتسارع في الحرم المكي خطوات العمال وتعمل أياديهم بتفانٍ وإتقان لإنجاز مهمة العام".
تُصنع كسوة الكعبة من نحو 670 كيلوجراما من الحرير الطبيعي الخام، وتُزينها 120 كيلـوجـرامـا مـن الذهـب و100كيلوجـرام من الفضة. تتكون الكسوة من 5 قطع رئيسة، تغطي أربع منها جوانب الكعبة، فيما تستر الخامسة باب الكعبة. ويصل ارتفاع الكسوة إلى نحو 14 مترًا، فيما يبلغ طول حزامها المذهب نحو 47 مترًا.
وثمة جهد عظيم يبذله جنود مجهولون لإخراج هذه التحفة في أحسن تقويم.. لتُبهج أنظار الحجيج الذين يشدون الرحال إليها من كل فج عميق.
لتتمكن من قرأة بقية المقال، قم بالاشتراك بالمحتوى المتميز