Promo_web7

يزور سايتو هذه الكثبان كثيرًا، وأحيانًا ليتأملها فقط دون أن يلتقط أي صورة. فههنا منحوتات بديعة صاغتها أنامل الطبيعة على مرّ آلاف السنين، ومازالت تقاوم الفناء وتتحدى الزمن، على كل هشاشتها البادية للعيان. ومع زيارات هذا المصور المتكررة للمكان، بدأ يلاحظ تآكلها البطيء بفعل الوجود البشري. ويقول إنه أراد أن يحفظ صورتها كما هي الآن: تكوينات جيولوجية فريدة أخّاذة، تجمع بين جمالها السرمدي وعلامات التغيّر التي تطرأ عليها عبر الأزمنة.

Promo_web10

لطالما ألهمت "صخرةُ الأحفور"، الواقعة في إمارة الشارقة، المصورَ سايتو؛ إذ تنبثق من الأرض كأنها حصن من صخور تحاول الرمال عبوره. نُحتت هذه الصخرة بأنامل الزمن ومازالت تصمد في وجه الريح والشمس كشاهدة صامتة على مرور آلاف السنين. ففي كل طبقة منها وفي كل ثنيّة، ثمة ذاكرة متحجرة.. إرث من أمنا الأرض ذاتها. فههنا ملتقى الماضي والحاضر حيث تروي الصخور قصصًا عن صلابة الطبيعة وعنفوانها وتمردها على صروف الدهر.

Promo_web6

"لهذه الصورة مكانة خاصة في قلبي"، يقول سايتو مُعبِّرًا عن مشاعره تجاه إحدى أعلى القمم بمنطقة "نَحوة" الجبلية في إمارة الشارقة. مِن هذه القمم، تُرسَم حدود غير مرئية بين بلدين: الإمارات في اليسار، وعُمان في اليمين. كان تسلقها مثيرًا للرهبة لدى هذا المصور، لكن جمالية المشهد كانت تستحق المخاطرة في كل خطوة. لقيت هذه الصورة صدى كبيرًا في اليابان، ذلك البلد الذي لا حدود برية لديه؛ وهي تذكير بأن الطبيعة لا تعترف بالخطوط التي يرسمها البشر على الخرائط.

Promo_web8

كان سايتو على وشك إتمام رحلته بعد تصويره الكثبان في الجهة الأخرى من سبخة بمنطقة "القدرة"، حين ظهر جمل من بعيد وهو يسير بهدوء برقبته الممدودة. وما إن أمسك بالكاميرا حتى انضمّ إلى المشهد جملٌ ثانٍ. انتظر لحظة حتى اصطفّ الجمل الأول مع خطّ الكثيب الرملي، فدخل الثاني تلقائيًا في الإطار. لم يُخّطط المصور مسبقًا لهذه اللقطة، بل "كانت هدية بمحض المصادفة؛ وقد أضفت الشجرتان رونقًا خاصًّا على المشهد"، كما يقول.

Promo_web9

تقف هذه الشجرة وحيدة وسط بحر من الرمال في منطقة "القدرة"بإمارة دبي. لم تعد الحياة تسري في أوصالها منذ زمن، لكن مشهدها آسر ويأبى الفناء؛ وكأنّ لسان حالها يخاطب الزائرين قائلًا: "في يومٍ ما، وقفتُ ههنا حيّة شامخة". يُضفي الحدّ الصارخ بين الرمل والأرض بُعدًا آخر لثنائية الحياة والموت. مازالت الطيور تحطّ على بقايا الشجرة، وخطّها الداكن الرفيع على الأرض يوحي بأن الحياة -الظاهرة أو الخفية- مازالت هناك حتى بعد رحيلها. يقول المصور "توماس سايتو": "لقد هزّ منظرها كياني حقًّا؛ فكثيرون يرونها شجرة نافقة ليس إلا، أما أنا فأرى فيها أثرًا ما زال يَهِب الحياة".

مـن الرمل إلـى الصخـر

مصورٌ فرنسي الأم، ياباني الأب، إماراتي الهوى يَجول بعدسته في ربوع الصحراء الرحبة ليلتقط ما تَغفل عيون الآخرين عن التقاطه.. على كل شموخه وهيبته.

قلم: رشيد مرزاق

عدسة: توماس سايتو

1 ديسمبر 2025 - تابع لعدد ديسمبر 2025

عند التجوال في فضاءات الصحراء الشاسعة بدولة الإمارات العربية المتحدة، تجد نفسك لدى تضاريس ترسم ملامح الفراغ في حضرة صمت مطلق يناديك همسُه للتوغل في إيقاعاته العميقة التي تُعزَف في تناغم تام مع رقصات الضوء الطبيعي وهو يرسم خيالاته على لوحات رملية بديعة.  ذلك تمامًا ما يسعى إليه المصور الفوتوغرافي "توماس سايتو" حين يتسلح بكاميرته ويركب سيارته "الجِيب" ليمخر بها عباب البيداء بحثًا عن صيد فوتوغرافي نفيس. بدأ رحلاته الاستكشافية تلك من دبي -حيث طاب له المقام منذ عام -2012 في مناطق من قبيل "القُدرة" و"المدام"، ومن ثم وسّع نطاقه تدريجيًا حتى وصل إلى صحراء "ليوا" في أبوظبي، حيث صقل مهاراته في القيادة على تضاريس أصعب وأوعر. كل رحلة لديه هي لقاءٌ حميمٌ مع المكان، حيث يصير الزمن والصمت والضوء رفقاء دربه في مسيرة إبداع من وحي لحظات لا تتكرّر. وهكذا نشأت علاقته الوطيدة بالطبيعة من بوابة الصحراء، حتى صارت الرمال أقرب إلى عسته وقلبه من أي عنصر آخر في الطبيعة.  تفرَّعَت جذور ذلك الارتباط لتمتد من فضاءات الصحراء المترامية إلى هيبة الجبال في دولة الإمارات. وهنالك وُلِدَت فكرة مشروعه الفوتوغرافي "من الرمل إلى الصخر" (Sand to Rock).. في زمن الجائحة. كان سايتو قبل ذلك قد غاص عميقًا في عوالم الصحراء من خلال مشروعه السابق "الصحراء العربية" (Arabian Desert)، لكنه شعر بأن شيئًا ما ينقص تلك الرحلة: الجبال.. ذلك الوجه الآخر الطاغي للطبيعة في الإمارات. ولمّا كانت "صخرة الأحفور" هي التشكيل الجيولوجي الوحيد الحاضر في ذلك المشروع، قرر مصورنا الانتقال "من الرمل إلى الصخر"، لينقل إلينا حوارًا خفيًا بين عوالم متناقضة ومتكاملة في الآن ذاته: بين الرمل والصخر؛ الضوء والظلّ؛ السهول والمنحدرات؛ الانفصال والوصال. يقول: "أدعوكم إلى رحلة تتبدّل الملامح فيها فتتشكّل تفاصيلٌ دقيقة بريشة الريح، وتسمو القمم الشاهقة لترسم لنا مشاهد مذهلة عند حدود اللقاء بين السماء والأرض". "من الرمل إلى الصخر" ليس مشروعًا للتوعية البيئية المباشرة، لكنه -فضلًا عن كونه نافذًة تتيحُ تأمّل الجمال الخالص- بمنزلة "تذكرة لِأُولي النُّهى والأبصار بأن اللحظات التي يرونها اليوم -وأصوّرها أنا- قد لا تتكرّر أبدًا على الهيئة نفسها"، يقول سايتو. بهذا المعنى، يصبح المشروع أشبه بلقطة زمنية مؤقتة، حيث تُبرز الصحراء مفاتنها الخفية بين الرمل والحجر.. مفاتن في حالة تغيّر مستمر تدعو الناظر لاقتناص نظرات إليها قبل أن تَسْتَتر أو تتلاشى كما يتلاشى الزمن في عالمنا.

إنقاذ قصص حبيــسة  فـي الجـليد

إنقاذ قصص حبيــسة فـي الجـليد

هل يمكن استرجاع المعلومات التاريخية الحبيسة في الصفائح الجليدية القطبية قبل أن تذوب بالكامل؟

مستقبل الذاكرة

مستقبل الذاكرة

أصلية وحيوية، مع بعض الخلل الطفيف: إنها ذاكرة الإنسان وأحد أكبر ألغاز العقل المبهمة. لماذا نتذكر ما نتذكر وننسى ما نحاول جاهدين الاحتفاظ به؟ وهل يمكننا تحسين أداء ذاكرتنا؟ فما الذي أتى بي إلى هنا؟

مـن الرمل إلـى الصخـر

مـن الرمل إلـى الصخـر

مصورٌ فرنسي الأم، ياباني الأب، إماراتي الهوى يَجول بعدسته في ربوع الصحراء الرحبة ليلتقط ما تَغفل عيون الآخرين عن التقاطه.. على كل شموخه وهيبته.