الدهشة: حين تصبح وعيًا يصنع المستقبل

بيركلي، كاليفورنيا، 2022 — خلف الكواليس مع أناند فارما. عدسة: مارك أنجير

الدهشة: حين تصبح وعيًا يصنع المستقبل

لقطة للحظة إطلاق يرقات البرنقيل الطفيلي من جسد مضيفها السلطعون البحري. تُصيب هذه الطفيليات أجساد السلطعون وتغير سلوكه بالكامل، فإن كان ذكرًا، فإنها تعمل على تحويله إلى أنثى وظيفيًا، بحيث يقدم رعاية أفضل لصغار البرنقيل. يستمر السلطعون بعيش حياته، لكنه يصبح عقيمًا تمامًا غير قادر على التكاثر أبدًا. عدسة: أناند فارما / ناشيونال جيوغرافيك

الدهشة: حين تصبح وعيًا يصنع المستقبل

تشتهر الدعسوقة بأنها جالبة للحظ الحسن، لكن الدعسوقة التي تصيبها لدغة دبور من فصيلة Dinocampus coccinellae ليست محظوظة على الإطلاق. إذ تترك أنثى الدبور بيضة وحيدة في جسد الدعسوقة، وما إن تفقس حتى تبدأ اليرقة بالتغذي على الدعسوقة من الداخل. وحين يكتمل نموها تخرج من جسد الدعسوقة لتنسج شرنقة بين أرجلها. رغم تحرر جسد الدعسوقة من الافتراس الداخلي إلا أنها تبقى أسيرة للطفيلي عالقة بالشرنقة. ونادرًا ما تنجو دعسوقة من هذه التجربة المرعبة. عدسة: أناند فارما / ناشيونال جيوغرافيك

الدهشة: حين تصبح وعيًا يصنع المستقبل

تنزلق قناديل البحر القمرية عبر مراحل دورة حياتها بانسيابية مذهلة، كأنها ترسم على صفحة الماء صورة حية للتجدد اللامتناهي، متحديةً مفهوم الشيخوخة، وربما محققةً معنى الخلود.

الدهشة: حين تصبح وعيًا يصنع المستقبل

عدسة: أناند فارما / ناشيونال جيوغرافيك

الدهشة: حين تصبح وعيًا يصنع المستقبل

باتون روج، لويزيانا، 2014 — تُوضع قطرة دقيقة من مادة الفينوثرين على نحلة عسل مخدّرة داخل كوب ورقي، وذلك لاختبار تأثير هذا المبيد الحشري القوي ضمن تجربة أجرتها جامعة ولاية لويزيانا بالتعاون مع وزارة الزراعة الأمريكية. عدسة: أناند فارما / ناشيونال جيوغرافيك

الدهشة: حين تصبح وعيًا يصنع المستقبل

مختبر كلارك، جامعة كاليفورنيا، 2016 — يستخدم العلماء قطيرات ماء دقيقة ناتجة عن مرذاذات فوق صوتية لتصوير تدفق الهواء حول جناح طائر الطنان آنا (Anna’s Hummingbird) أثناء الطيران. هذه التجربة هي إعادة تنفيذ لتجربة أصلية أجراها الباحث فيكتور أورتيغا خيمينيز في مختبر دَدلي بجامعة كاليفورنيا في بيركلي عدسة: أناند فارما / ناشيونال جيوغرافيك

الدهشة: حين تصبح وعيًا يصنع المستقبل

بيركلي، كاليفورنيا، 2014 — صورة مكدّسة البؤرة (Focus Stacked) لعثّة الفاروا (Varroa destructor)، تم إنشاؤها من عدة ملفات صور باستخدام خوارزمية Pmax من برنامج Zerene Stacker عدسة: أناند فارما / ناشيونال جيوغرافيك

الدهشة: حين تصبح وعيًا يصنع المستقبل

يفقد صرصور المنزل إرادته، ثم حياته، بسبب دودة شعر الخيل الطفيلية. تبدأ القصة عندما تدخل اليرقات إلى جسد الصرصور بعد أن يلتهم أجساد حشرات ميتة، ثم تنمو الدودة داخل جسده ببطء حتى تملأ أحشاءه بالكامل. وبينما يعيش الصرصور على اليابسة، تحتاج الدودة إلى الماء لتكمل طورها البالغ. وحين يحين موعد خروجها، تسيطر على دماغ الصرصور وتدفعه إلى القفز انتحارًا في أقرب بركة أو جدول ماء، ومع غرق الصرصور، تخرج الدودة البالغة من جسده أخيرًا. عدسة: أناند فارما / ناشيونال جيوغرافيك

الدهشة: حين تصبح وعيًا يصنع المستقبل

عدسة: أناند فارما / ناشيونال جيوغرافيك

الدهشة: حين تصبح وعيًا يصنع المستقبل

مختبر كلارك، جامعة كاليفورنيا، 2016 — يمكن رؤية اللسان المشقوق لطائر الطنان آنا (Anna’s Hummingbird) عبر الوعاء الزجاجي الذي يشرب منه رحيقًا صناعيًا عدسة: أناند فارما / ناشيونال جيوغرافيك

الدهشة: حين تصبح وعيًا يصنع المستقبل

تنزلق قناديل البحر القمرية عبر مراحل دورة حياتها بانسيابية مذهلة، كأنها ترسم على صفحة الماء صورة حية للتجدد اللامتناهي، متحديةً مفهوم الشيخوخة، وربما محققةً معنى الخلود.

14 نوفمبر 2025

بقلم: أناند فارما
واندر لاب – ناشونال جيوغرافيك سوسايتي 

تنزلق قناديل البحر القمرية عبر مراحل دورة حياتها بانسيابية مذهلة، كأنها ترسم على صفحة الماء صورة حية للتجدد اللامتناهي، متحديةً مفهوم الشيخوخة، وربما محققةً معنى الخلود؛ فهذه المخلوقات الرائعة تبدأ رحلتها على هيئة كائنات ضئيلة الحجم تُعرف علميًا باسم (السليلة)، بالكاد تُرى، تلتصق بقاع المحيط كغصن صغير تنبثق منه المجسات بدلًا من الأوراق. وعندما يحين وقت التحوّل، تمتص أطرافها وتبدأ بالانقسام إلى طبقات رقيقة تشبه الأقراص، ينفصل كل منها ليصبح كائنًا مستقلًا يسبح نحو المجهول. ومن هذا الكائن الواحد تولد عائلة كاملة. ثم تعيد السليلة الأم الكرّة، مرارًا وتكرارًا، في دورة لا تعرف النهاية.

قد يتساءل البعض: ولماذا نهتم بكائن هلامي في قاع البحر؟ ربما لأن في دورة حياته مفاتيح علمية ثمينة، وربما يحمل في خلاياه أسرارًا تُعيننا على إبطاء الشيخوخة أو تجاوزها. لكن ما شدّني إلى قنديل البحر لم يكن وعدًا دوائيًا... بل تلك اللحظة التي شعرت فيها بانشطار داخلي، وكأن وعيي تمدّد أمام مشهد يفوق الخيال. بدا لي الأمر كالسحر، تحدّى كل ما كنت أظنه ممكنًا. 

يومها قررت حمل الكاميرا والانطلاق في رحلة بحث عن الدهشة لاكتشاف هذا الجمال الخفي الكامن في عالم الطبيعة. علمني التصوير أن الإنسان، وإن عجز عن التجدد الجسدي كقنديل البحر، إلا أنه يملك هبة نادرة: الدهشة. إنها القوة التي تطلق العنان لخيالنا، تعيد تشكيل وعينا، توجّه تركيزنا بعمق، وتربطنا ببعضنا البعض. ورغم أننا نُولد بهذه الهبة العظيمة، فإن الزمن يضعف قبضتنا عليها، أصبحت مهمتي أن أُعيد إحياء هذه القدرة، وأبحث في أسرارها، وأشارك ثمارها مع العالم.

كانت بدايتي مع ناشيونال جيوغرافيك تجربةً لزرع الدهشة في أعين الآخرين. طُلب مني آنذاك أن أُلهِم القرّاء لاستكشاف عالم الطفيليات... وهو تحدٍ ليس بالسهل. فمن ذا الذي يرغب حقًا في التقرّب من هذه الكائنات المجهرية الغامضة التي تتحكم في عقول مضيفيها؟ لكنني كنت أؤمن أن ما وراء النفور عالمًا يستحق أن يُرى.

وثّقت عبر عدستي دبورًا يحوّل ضحيته إلى زومبي، ودودةً تُغرق مضيفها، وكائنات بحرية صغيرة لاصقة تُحوِّل ضحاياها إلى أمهات وهميات يعتنين ببيضهن. أردت أن أُظهر هذا العالم كمشهد مدهش يستحق التأمل، فابتكرت أساليب إضاءة خاصة، استلهمتها من السينما الغامضة الكلاسيكية (أفلام النوار)، والقصص المصورة، والأنمي الياباني. وعندما وصلتني رسالة من قارئ يقول: "كنت أرى الحشرات مقززة، أما الآن فأراها رائعة"، علمت أنني نجحت.

انطلقت بعدها في مغامرة جديدة، وهذه المرة كان أبطالها قناديل البحر. أردت معرفة ما إذا كان بالإمكان تعميق علاقتي بالطبيعة من خلال ابتكار تقنيات جديدة لتصوير هذه الكائنات الغامضة. تعاونت مع معهد فرانكلين في فيلادلفيا لإنشاء معرض تفاعلي يعرض صورًا حية لدورة حياة القنديل. في يوم الافتتاح، جلس طفل صغير أمام الشاشة بلا حراك. وحين حمله والداه للمغادرة، بكى وفرّ منهما ليعود ويكمل المشاهدة. في عينيه رأيت نفسي... طفلًا مندهشًا، يكتشف الحياة من جديد. عندها أيقنت أن الدهشة ليست مجرد شعور بالجمال أو الجديد، بل هي حالة نادرة من الانتباه، لحظة من الصفاء العقلي، تخترق فوضى العالم وتضعنا في حضرة شيء أعظم من أنفسنا.

وفي عام 2022، أنشأت "واندر لاب" في مصنع كاتشب مهجور في بيركلي، كاليفورنيا. وهو مساحة هجينة بين استوديو تصوير، ومختبر، وفصل دراسي. هنا نبتكر تقنيات تصوير، ونشارك أدواتنا مع العلماء والطلاب ورواة القصص. أحدث مشاريعنا كانت مجموعة أدوات تصوير تعليمية بسيطة للمدارس، تمنح الأطفال حرية التجربة والاستكشاف والتصوير بمرونة دون قيود المجاهر التقليدية التي توجه النظر في اتجاه واحد. أرسلنا هذه المجموعة إلى خمس مدارس تتراوح أعمار طلابها من 3 إلى 18 سنة، وكانت النتائج مذهلة: طلاب كانوا يعانون من التشتت أصبحوا يطلبون البقاء بعد انتهاء الدوام لإكمال مشاريعهم التصويرية. وجدنا أن التصوير لا يوثّق فقط، بل يُشعل الدهشة الجماعية، ويخلق تجربة تربط الطلاب ببعضهم وبالطبيعة.

أنا لست وحدي في هذا الطريق. مشروع التعليم الرائع (Wonderful Education Project) في جامعة فريجي بأمستردام أثبت أن الدهشة تُحفّز الفضول الفطري، وتُنمّي الداوافع الداخلية للتعلم، وتُحرر الفكر من الأحكام السطحية. وأذكر هنا ما أكده الدكتور داكر كيلتنر من جامعة كاليفورنيا، وهو أن الدهشة تربطنا بأفكار أوسع من ذواتنا، وتُعيد إلينا أعظم قيمنا، وتساعدنا في تحديد أهدافنا وتحقيقها، وتشكل بوصلة تقودنا لتحديد أولوياتنا في الحياة.

تخيل لو أننا جميعًا استطعنا استعادة قدرتنا العميقة على الإحساس بالدهشة... لربما هدأت وتيرة حياتنا الصاخبة، ووصلنا إلى مستوى عميق من التركيز، ووسعنا مجال رؤيتنا، وعمّقنا إدراكنا للتفاصيل التي غالبًا ما تغيب عن أعيننا، وزدنا من صبرنا لفهم الأمور المعقّدة. أعتقد أن مواجهة تحديات المستقبل تبدأ من هنا: من دهشة حقيقية، من تلك القوة الدفينة التي تنتظر أن نستدعيها من جديد.

أناند فارما يحلّ ضيفًا على منتدى دبي للمستقبل 2025، ليتحدث عن قوة الدهشة والسرد القصصي، في جلسة من جلسات المنتدى التي تنعقد يوم 18 نوفمبر في متحف المستقبل بدبي. يعد منتدى دبي للمستقبل أكبر تجمع عالمي لخبراء ومصمّمي المستقبل، ويجمع نخبة المفكرين وأصحاب الرؤى وصناع القرار من مختلف أنحاء العالم لمناقشة التحولات الكبرى لعصرنا، من الصحة والاستدامة إلى الحوكمة والتكنولوجيا. ويطرح المنتدى هذا العام محورًا جديدًا بعنوان "استكشاف المجهول"، وفيه دعوة إلى توسيع خيالنا والانطلاق نحو آفاقٍ جديدة لم تُستكشف بعد.
وسيكون أناند فارما حاضرًا أيضًا في تيرّا، مدينة إكسبو دبي، في جلسة عامة يوم 20 نوفمبر 2025. تيرّا -أعجوبة الدنيا الحية- هي أيقونة للاستدامة في دولة الإمارات، ومنارة توجيهية للإلهام البيئي. تهدف إلى تعزيز الوعي بالقضايا البيئية، وتدعو الزوار لاكتشاف عالم تتناغم فيه الطبيعة مع الإنسان في رحلة آسرة. إنها فرصة فريدة للتعمق في أسرار كوكبنا، والتعرف على كيفية إحداث تغيير إيجابي من خلال الممارسات اليومية. تجسّد تيرّا الاستدامة من خلال تصميمها المبتكر الذي ينتج طاقته ومياهه بنفسه، لتكون بذلك مصدر إلهام يوقظ العقول للعمل نحو مستقبل مزدهر للجميع.

استكشاف

غيـــبون يؤدي رقصة روبـــوت

غيـــبون يؤدي رقصة روبـــوت

فكّ شفرة الحركات الغريبة لقِرَدَة آسيا الراقصة

إنقاذ قصص حبيــسة  فـي الجـليد

استكشاف

إنقاذ قصص حبيــسة فـي الجـليد

هل يمكن استرجاع المعلومات التاريخية الحبيسة في الصفائح الجليدية القطبية قبل أن تذوب بالكامل؟