بحـثًا عن فـراشة أبــي

كرَّس "رستم" حياته لدراسة وحفظ الفراشات والعث الموجودة بمنطقة جنوب القوقاز. وفي مرحلةٍ ما من حياته المهنية، حوت مجموعته -حسب التقديرات- أكثر من 100 ألف عيّنة من هذه الحشرات.

بحـثًا عن فـراشة أبــي

على الجانب الأرمني من الحدود، تبعتُ باركيف إلى جبال "فايوتس دزور"، حيث كان قد اصطاد فراشة ساتيروس أفندي في عام 1991.

بحـثًا عن فـراشة أبــي

سرت على خطى والدي لدى بحيرة "مارالغول"، حيث التُقطت له صورة في أوائل سبعينيات القرن الماضي.

بحـثًا عن فـراشة أبــي

تتضمن أدوات تحنيط باركيف لوحًا يستخدمه لفرد أجنحة الفراشات وإعدادها للتثبيت. استخدم والدي أدوات مماثلة ونقل معرفته إلى باركيف، الذي كان يَصغره بعشرين عامًا.

بحـثًا عن فـراشة أبــي

ليس لدي أي صورة تجمعني بوالدي سوى هذه الصورة الفورية الملتقطة على شرفة منزلنا في مدينة باكو بأذربيجان عام 1987، يومَ كنت في العاشرة من عمري. بعدها بأربعة أعوام، توفي بسبب السرطان في عمر الـ56 عامًا.

بحـثًا عن فـراشة أبــي

يستطلع "فوجار رضاييف" وحصانه الحدود الجبلية الشاهقة التي تجوبها فراشة "ساتيروس أفندي" بضعة أسابيع في كل شهر أغسطس.

بحـثًا عن فـراشة أبــي

كان والدي، رستم أفندي، الذي يظهر هنا لدى بحيرة "مارالغول" في غرب أذربيجان، عالم حشرات سوفياتيًا مرموقًا يصطاد الفراشات والعث في المناطق الحدودية بين أرمينيا وأذربيجان، حيث يعيش نوع فراشات سُمي باسمه في وقت لاحق تكريمًا له، ويدعى "ساتيروس أفندي" (على اليمين).

بحـثًا عن فـراشة أبــي

بحثتُ في مجموعة والدي من الفراشات لدى "معهد علم الحيوان" في أذربيجان، عن فراشة ساتيروس أفندي، لكن يبدو أنه لم يصطدها قَط. لكنني وجدت عثة فراشة "براهميا كريستوفي" (باللون البني الغامق، في الوسط)، والتي أمضى سبع سنوات في صيدها.

بحـثًا عن فـراشة أبــي

كان والدي، في سعيه وراء الفراشات، يذرع أراضي ظلت مسرحًا للنزاعات منذ ذلك الحين. كان يسافر من أذربيجان إلى أرمينيا بقطار يمر في منطقة "زنغزور" عبر "جسر خودافارين"، كما يظهر هنا. واليوم اختفى هذا الخط السككي، وظلت الدولتان تتنازعان على "مقاطعة جبرائيل".

بحـثًا عن فـراشة أبــي

بدأ افتتان والدي بالفراشات عندما كان في الثانية عشرة من العمر، يومَ كانت عثة "الدفلى" تزور منزله كل مساء مدة أسبوع. وفي وقت لاحق، أُزيلت أشجار الدفلى من المنطقة وفقدت يرقات هذا النوع من العث مَصدر غذائه؛ وهنالك أصبح والدي مهمومًا باختفاء هذه الحشرة.

بحـثًا عن فـراشة أبــي

تُخزَّن عيّنات الفراشات وصناديقها الخاصة بخبير التحنيط، باركيف، في غرفة مخصصة لها. داخل أحد الصناديق ثمة فراشتان من نوع ساتيروس أفندي.

بحـثًا عن فـراشة أبــي

تعيش نوع من أنواع فراشات إذ سُميت باسمه في وقت لاحق تكريمًا له، ويدعى "ساتيروس أفندي"

بحـثًا عن فـراشة أبــي

ابنةٌ تخوض غمار رحلة ملحمية للعثور على إحدى أندر فراشات العالم.. فراشة سُميت باسم والدها.

قلم: رينا أفندي

عدسة: رينا أفندي

1 سبتمبر 2025 - تابع لعدد سبتمبر 2025

أخبرني والدي ذات مرة أن متوسط عمر الفراشات نادرًا ما يتجاوز بضعة أسابيع. كان مهووسًا بها منذ صباه، وقد اصطاد الآلاف منها خلال حياته. دأبَ على استخدام الدبابيس والملاقط ليُفرد أجنحتها على فارشة خشبية، دون أن يتضرر ولو قُرين استشعار واحد منها. ثم كان يُثبِّت هذه الحشرات على لوح من الفلين بحَشْر إبر رفيعة في أعلى صدورها ورشها بمواد كيميائية لحفظ أجسامها وأجنحتها. كان يرتب الفراشات والعث بعناية حسب أنواعها وفصائلها في عُلب العرض، مستعينًا بعدسة مكبرة ليدوّن أسماءها اللاتينية على ملصقات أصغر من بذرة عباد الشمس. كانت عيّناته تلك تلمع في الصناديق الزجاجية التي تؤويها.
كان والدي، "رستم أفندي"، عالِم حشرات أذربيجانيًا سوفياتيًا، وذا باع طويل في مجال الفراشات والعث بمنطقة القوقاز. في منزل طفولتي، في باكو عاصمة أذربيجان، كان أبي نادر الحضور بين ظهرانينا. فلقد كان يُمضي معظم فصول الشتاء في سبات لدى شقته الصغيرة في جزء آخر من المدينة، بانتظار بدء موسم الفراشات في أواخر الربيع. وعند ذوبان آخر بقع الثلج في السهول المنخفضة، يشد الرحال صوب الجبال لدراسة الفراشات وصيدها وجمعها. ويُحضر معه عند العودة شرانق في أوعية، ويرقات تتلوى في علب أعواد الثـقـاب، وفـراشات مطوية في مظاريف؛ ويحرص عليها كلها باهتمامِ أُمٍّ ترعى مولودها الجديد.
كرَّس حياته لعمله قبل أن يتوفى في منتصف الخمسينات من عمره، وكان عمري آنذاك أربعة عشر ربيعًا. بالكاد كنت أعرف والدي. فذكرياتي عنه مجرد مقتطفات متفرقة، أو مجموعة صور باهتة وروايات متضاربة. وعلى مرّ العقود الثلاثة الماضية بصفتي صحافية ومصورة فوتوغرافية، انغمستُ كليًا في إعادة بناء قصة حياته.
قبل أعوام من اليوم، صادفت صفحته على "ويكيبيديا" حيث نقرت على رابط قادني إلى صورة لفراشة ذات ألوان غير جذابة. كُتب في الوصف أسفل الصورة: النوع: "ساتيروس أفندي" (Satyrus effendi) من فصيلة الحوريات (Nymphalidae). وفي أسفل الصفحة، علمتُ أن "يوري نيكروتنكو"، عالم حشرات من أوكرانيا، اكتشف نوعًا جديدًا من الفراشات بمنطقة القوقاز في عام 1989 وأطلق عليه هذا الاسم تكريمًا لرستم، صديقه الحميم وزميله. وعلمت لاحقًا أن يوري مازح والدي في ذلك الوقت قائلًا: ما دمتَ قد أنجبتَ البنات فقط، فإن اسمك العائلي سيُخلَّد بهذه الفراشة. فلنأمل ألّا يكون مصيرها الانقراض.
لكن هذه الفراشة التي تحمل اسمه ربما تكون إحدى أندر الفراشات في العالم. إذ لا يفقس منها سوى جيل واحد بين منتصف يوليو ومنتصف أغسطس، لتحلّق في موئلها الجبلي على ارتفاع 3000 متر فوق مستوى سطح البحر. وللتغلب على الظروف القاسية، تتميز ساتيروس أفندي بقشور تشبه الفراء على أجنحتها ولون بني غامق يمكنها من الحفاظ على دفئها. أما السمة الجسدية الأكثر تميزًا لديها فهي علامتان سوداوان، مثل عينين ببؤبؤ أبيض، يتوهج كل منهما من زاوية الجناحين. ترفرف هذه الحشرة على مرّ أسبوعين فوق سلسلة جبال "زنغزور" التي تمتد زُهاء 160 كيلومترًا عبر الحدود بين أذرب



إنقاذ قصص حبيــسة  فـي الجـليد

إنقاذ قصص حبيــسة فـي الجـليد

هل يمكن استرجاع المعلومات التاريخية الحبيسة في الصفائح الجليدية القطبية قبل أن تذوب بالكامل؟

مستقبل الذاكرة

مستقبل الذاكرة

أصلية وحيوية، مع بعض الخلل الطفيف: إنها ذاكرة الإنسان وأحد أكبر ألغاز العقل المبهمة. لماذا نتذكر ما نتذكر وننسى ما نحاول جاهدين الاحتفاظ به؟ وهل يمكننا تحسين أداء ذاكرتنا؟ فما الذي أتى بي إلى هنا؟

مـن الرمل إلـى الصخـر

مـن الرمل إلـى الصخـر

مصورٌ فرنسي الأم، ياباني الأب، إماراتي الهوى يَجول بعدسته في ربوع الصحراء الرحبة ليلتقط ما تَغفل عيون الآخرين عن التقاطه.. على كل شموخه وهيبته.