لطالما كانت هذه الكائنات رمزًا مبجلًا للتجدد؛ ومثار لعنة بوصفها مبعوثة من العالم السفلي؛ وظلت تتعرض للصيد والمطاردة والمضايقة حتى انزوت في زاوية مظلمة من مخيلتنا. ولكن هل يمكن أن ندحض أسباب مخاوفنا قبل اندثار رمز من رموز الحياة البرية في الغرب الأميركي؟
كانت ليلة الأفاعي الجرسية هادئة على نحو شبه مستمر لم يعكر صفوه شيء: درجة حرارة منعشة، ورطوبة منخفضة، ومشروبات باردة. كانت عربة الغولف الكهربائية تسير بنا بصمت على مسارات المنحدرات التلية تحت سماء مُضاءَة بنور الهلال. وإذْ ألقت مصابيحها الأمامية الضوءَ على أفعى سامة، قفز "ماتْ غود"، حاملًا في يده اليمنى مشروبًا وفي اليسرى عصا التقاط الأفاعي، فأمسك بهذا الكائن وأراني إيّاه لأتفحصه. لم يَصِح غود قَط من شدة الإثارة أو يتفاخر بما وجد، على خلاف الشبان المتحمسين على موقع "يوتيوب" الذين ينتزعون الأفاعي من تحت الألواح الخشبية ليشاركوا لحظاتهم المثيرة مع جمهور المتتبعين.
كان ذلك في أوائل شهر سبتمبر، وقد اقترب موسم البحث الميداني لدى عالِم الزواحف هذا من نهايته. غود عالِمٌ باحث في "جامعة أريزونا" وقد ظل هو وطلابه يجمعون الأفاعي منذ أكثر من عشرين عامًا، ومنها الأفاعي الجرسية الغربية ماسية الظهر (Crotalus atrox) والأفاعي الجرسية البَبْرية (Crotalus tigris) والأفاعي الجرسية سوداء الذيل (Crotalus molossus). عثروا حتى الآن على أكثر من سبعة آلاف أفعى على مسارات العربات في ملعب غولف "ستون كانيون" في "وادي أورو" على مقربة من شمال مدينة توسون، وعلى الطرق الخاصة التي تعج بمنازل تحيط بها وتبلغ قيمتها ملايين الدولارات.
في أفضل الليالي، قد يمسك فريق غود بما يصل إلى عشرين أفعى؛ وفي اليوم التالي لدى مختبر الحرم الجامعي يعمل طلابه على قياس أحجامها وتحديد جنسها ووزنها ووضع شارات تَتَبّع عليها لإعادة إمساكها (باستخدام طلاء على أجراسها وإدخال شرائح دقيقة تحت جلدها)، ثم إعادتها إلى موقع الإمساك بها. وقد شَكَّل السؤال البحثي الرئيس الذي طرحه غود (وهو: كيف لتحويل ملامح الصحراء البكر المستمر إلى مشاريع سكنية أن يؤثر في الأفاعي؟) مفارقةً في مجال صون الطبيعة. فأفاعي "ستون كانيون"، مقارنة بنظيرتها في المناطق الأكثر برية، تشهد نموًا أكبر إذ يزداد تناسلها أكثر فأكثر، ويتوسع نطاق عيشها بين المنازل الباذخة. ولعل السبب في ذلك أن معظم أصحاب المنازل يغيبون خلال الأشهر الأشد حرارة.
بينما كنا نَمُرّ فوق جسر إلى جوار شلال صناعي، إذْ صاح غود قائلًا: "انظروا إلى كل هذه الخصوبة!". فبفضل الري، انتشرت الثمار والأزهار بكثرة فصارت تجذب المستهلكين الأساسيين لهذه الثمار مثل الفئران الجيبية الحريرية التي رأيناها تركض على طول الممرات.
وعلى الممرات الخضراء المورقة، كشفت مصابيح العربة عن قطيع صغير من الخنازير البرية، وهي من فصيلة البيكاري؛ وبين مجموعة من الأشجار، شاهدنا كوجرًا (أسد الجبل أو البوما) يتوارى خلفها. وكان غود قد رأى هنا حيوانات الوشق وذئاب البراري والراكون. فمن الواضح أن هذا المكان كان بمنزلة جنة للأفاعي. فهنا لديها الكثير من القوارض والطيور والبيض لتقتات عليه، كما أن النتوءات الصخرية التي تُخلّفها الجَرّافات، توفر لها ملاذات كثيرة للاختباء.
وضع غود سلفًا لافتات إرشادية هنا وهناك في محاولة ل
لتتمكن من قرأة بقية المقال، قم بالاشتراك بالمحتوى المتميز
هل يمكن استرجاع المعلومات التاريخية الحبيسة في الصفائح الجليدية القطبية قبل أن تذوب بالكامل؟
أصلية وحيوية، مع بعض الخلل الطفيف: إنها ذاكرة الإنسان وأحد أكبر ألغاز العقل المبهمة. لماذا نتذكر ما نتذكر وننسى ما نحاول جاهدين الاحتفاظ به؟ وهل يمكننا تحسين أداء ذاكرتنا؟ فما الذي أتى بي إلى هنا؟
مصورٌ فرنسي الأم، ياباني الأب، إماراتي الهوى يَجول بعدسته في ربوع الصحراء الرحبة ليلتقط ما تَغفل عيون الآخرين عن التقاطه.. على كل شموخه وهيبته.