لم يتبق من النمر العربي في البرية سوى 100 أو 120 نمرًا على وجه التقريب؛ لذا تتضاعف الجهود لإكثار هذا النوع -الأصغر في فصيلة النمور- وإعادته إلى موائله البرية.
هناك.. على قمم تضاريس جبلية وعرة امتزج فيها اللون الأحمر بالأصفر بفعل تفاعلات العوامل الجيولوجيةمع المناخية على مرّ ملايين السنين، أطلق صقرٌ حُر صيحات حادة ثاقبة تَردد صداها عبر الأودية المتعرجة لدى "محمية شرعان الطبيعية" في محافظة العلا الواقعة بشمال غرب المملكة العربية السعودية. ثم قرر أن يحط على إحدى التشكيلات الصخرية الثلاث الشهيرة محليًا باسم "الرقّاصات".
قبلها بلحظات قليلة، راح غزالُ ريمٍ ذو لون شاحب وقرون نحيلة يتقافز برشاقة عبر فجوة بين "الرقّاصات"، لينضم إلى اثنين آخرين بدا أنهما ينتظرانه قبل أن يفروا جميعًا بعيدًا في الوادي. تقع هذه المحمية الطبيعية في الوديان الشرقية للعلا وتمتد على مساحة 1540 كيلومترًا مربعًا، وتهدف إلى إنعاش التنوع الأحيائي الغني في وديان العلا وصحاريها ومن ثم إعادة التوازن إلى نُظمها البيئية الهشة، والحفاظ على الأنواع النباتية والحيوانية المحلية، وتعزيز التعايش المستدام. تشتهر المنطقة بتكويناتها الصخرية التي تأسر المخيّلة وتُلهم القصّاصين والشعراء، وهي وجهة سياحية أثيرة تجتذب السياح من كل حدب وصوب. ولكن استخدامَها غير مرَخَّص به سوى لشركات سياحية تراعي الضوابط المعمول بها وتنظم رحلات محدودة وخاضعة للمراقبة. ويسهر على حفظ وتدبير تراثها الطبيعي "الهيئةُ الملكية لمحافظة العلا". وتتعاون الهيئة أيضًا مع جهات حكومية سعودية أخرى مثل "المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية"، وكذا شركاء دوليين مثل "الاتحاد الدولي لصون الطبيعة" ومنظمة "بانثيرا" وغيرها من الجهات المعنية بصون الطبيعة. وتختزل الصخور تاريخ المنطقة، حيث يسافر المرء من جنوب العلا إلى شمالها عبر مليار سنة من الزمن تقريبًا، من خلال النقوش الصخرية التي تحكي قصصًا ألّفتها الطبيعة نفسها، وأخرى خلّدها من سكنوا المنطقة على مرّ حضارات قامت وازدهرت وانهارت ذات زمن غابر. ومن تلك القصص حكاية النمر العربي الغامض، الذي خُلِّد في رسومات صخرية نُقشت في هذه الجبال. لا يَصعب التخيل أن هذا المخلوق الأسطوري الجميل والقوي ربما صال وجال هذه المنطقة الساحرة في زمن مضى بوصفه أحد مفترسات القمة.. أو سيد هذه الجبال المنسي. إذ توجد صور مختلفة للنمر العربي في تلك النقوش الصخرية التي تمتد أكثر من 10 آلاف سنة في تاريخ التفاعل بين الإنسان والحيوان، حيث يَظهر هذا السنور الكبير وهو يهاجم حيوانات ذات قرون، مثل الغزلان والوعول؛ وفي صور أخرى، يكون طريدة تصطادها شخصيات بشرية باستخدام عصي مدبَّبة وسهام ورماح. ومنذ ذلك الزمن، ظل النمر العربي -المسمّى علميًا (Panthera pardus nimr)- يمثل لدى سكان المنطقة العربية رمزًا للجمال والسكينة والقوة البدنية والشجاعة والحرية. ولا ينفك هذا السنور الكبير الغامض يلهم المخيلة الجماعية للناس ويشكل مادة دسمة للقصص الأسطورية وحتى التعبيرات اليومية. ففي بعض بلدان المنطقة، يُطلَق على الرجل القوي والشجاع لقب نمر أو نمْران، وعلى المرأة الذكية والشجاعة اسم نمرة.
لتتمكن من قرأة بقية المقال، قم بالاشتراك بالمحتوى المتميز
تكشف دراسة جديدة أن الجزيئات البلاستيكية الدقيقة والنانوية تتراكم بمستويات أعلى في الدماغ مقارنة بالكبد والكلى.
يُعد نمل الخشب الأحمر بطل الغابة المجهول.. وربما يكون أيضًا أعظم مدير اجتماعي فيها.