تشارلستون.. بصيغة أخرى

يمثل هذا النُصب التذكاري لدى "المتحف الدولي للأميركيين من أصل إفريقي" أحد مستودعات "رصيف غادسدن" الذي استُخدم لاستيعاب زُهاء 700 شخص إفريقي مستعبَد خلال فصل شتاء رهيب. وكان الهدف من ذلك هو رفع أسعارهم وجذب مزيد من المشترين، لكن جميع من احتجزوا قضوا قبل حلول الربيع.

تشارلستون.. بصيغة أخرى

في "المتحف الدولي للأميركيين من أصل إفريقي"، يمثل "تايد تريبيوت" (Tide Tribute) العديد من الأفارقة الذين فُقدوا في البحر أثناء تجارة الرقيق عبر الأطلسي. وترتفع المياه في الحوض الذي يعادل طوله طول مسبح أولمبي وتتدفق فوق رسومات بارزة تذكرنا بالرسم التخطيطي المعروف الذي يعود إلى القرن الثامن عشر والمتعلق بالأفارقة الأسرى المحشورين في سفينة الرقيق، "بروكس".

تشارلستون.. بصيغة أخرى

مع افتتاح المتحف الذي طال انتظاره على رصيف ميناء تاريخي، تعيد هذه المدينة الواقعة جنوب الولايات المتحدة الوصل بساحلها.. وتعيد حساباتها مع ماضيها المأساوي.

قلم: تــارا روبـرتـس

1 نوفمبر 2023 - تابع لعدد نوفمبر 2023

كشف إحصاءٌ حديث عن وجود أكثر من مئة متحف خاص بسُود أميركا في أرجاء الولايات المتحدة، وتعمل كلها على جمع تاريخ ذوي الأصل الإفريقي وصونه. ويقع أكبر هذه المتاحف وأشملها، وهو "المتحف الوطني لتاريخ الأميركيين من أصل إفريقي وثقافتهم"، في منتزه "ناشيونال مول" بالعاصمة واشنطن. لكن افتتاح "المتحف الدولي للأميركيين من أصل إفريقي" في مدينة تشارلستون بولاية كارولينا الجنوبية في 27 يونيو، يكتسي أهمية بالغة. فهو يقع على "رصيف غادسدن"، الذي كان في الفترة الممتدة من 1783 إلى 1807، أكبر نقطة دخول منفردة للأفارقة المستعبَدين إلى أميركا الشمالية. فقد نُقل أكثر من 40 بالمئة من العدد الإجمالي للأفارقة الأسرى إلى هذا المكان في الولايات المتحدة، حيث بيعوا في سوق النخاسة في مزاد علني. ثم نُقلوا إلى المزارع والحقول في جميع أنحاء البلد. وفي أواخر العقد الأول من القرن الثامن عشر، كان "رصيف غادسدن" يمتد بعرض 256 مترًا، فكان بإمكانه استيعاب ما يصل إلى ست سفن رقيق في وقت واحد. وكانت كل واحدة منها تحمل شحنة مليئة بما يصل إلى بضع مئات من الأفارقة الأسرى. وتشير التقديرات إلى أن بإمكان أكثر من 80 بالمئة من جميع الأميركيين من أصل إفريقي إثبات أن أصل سلف واحد على الأقل من أسلافهم يتحدر من هذه المنطقة. ويندرج اختيار موقع "المتحف الدولي للأميركيين من أصل إفريقي"، وكذا الاستثمار في بنائه بقيمة تناهز الـ100 مليون دولار، ضمن عملية تَذَكّر وإعادة حساب أشمل تَحدث في تشارلستون. ففي عام 2015، أزيل العَلَم الكونفدرالي من مقر ولاية كارولينا الجنوبية. وفي عام 2018، قدم مجلس المدينة اعتذارًا رسميًا عن دور تشارلستون في الرق. وشرعت المدينة في مواجهة الخطاب السائد بشأن طبيعة المزارع، بشرفاتها الغائرة، وأعمدتها الكبيرة، والأراضي المزروعة بشكل جميل في كثير من الأحيان. لكن العديد من أراضي المزارع لا تزال تضم قبورًا بلا شواهد دُفِن فيها الأفارقة المستعبدون. وتُعد "مزرعة ماك ليود" إحدى المزارع النادرة في الولايات المتحدة التي تركز على قصص المستعبَدين الذين كانوا يكدحون في الحر والبرد بلا أجر ولقاء قليل من الراحة، في ظروف وحشية في كثير من الأحيان.
يقول "توبي سميث"، منسق برنامج القراءة التاريخية للثقافة لدى "لجنة مقاطعة تشارلستون للمنتزهات والترفيه" التي تشرف على تدبير ماك ليود: "إن هذا المكان نُصب تذكاري يستحضر حياة وزمن أولئك الذين تعرضوا للاستعباد هنا ولكنهم احتفظوا بإنسانيتهم. وهذه لحظة ينبغي فيها تكريمهم وإعلاء شأنهم والتعلم منهم".
وإذا كان "المتحف الدولي للأميركيين من أصل إفريقي" يستكشف على نطاق واسع تاريخ الأميركيين من أصل إفريقي والإرث العالمي لتجارة الرقيق عبر الأطلسي،
فإنه يسرد أيضًا قصة السُّود من كارولينا الجنوبية، وعلى وجه التحديد "غولا غيتشي"، وهم شعب فريد من نوعه ظل يقيم في المناطق الساحلية والجزر البحرية لولايات كارولينا الشمالية وكارولينا الجنوبية وجورجيا وفلوريدا. وبما أنهم كانوا مستعبدين في جزر معزولة ومزارع ساحلية، فهم يشكلون إحدى المجموعات القليلة من الأميركيين الأفارقة الذين احتفظوا بالأطعمة واللغة والثقافة والتقاليد التي يعود أصلها مباشرة إلى إفريقيا. وتقول "تيا كلارك"، التي أسست تجربة السفر الأعلى تصنيفًا "Casual Crabbing with Tia" في عام 2018، إنها متحمسة لزيارة ذلك المتحف، "لكنني أعلم أنها ستكون زيارة مشحونة بالعواطف بالنسبة إلي". ويتحدر أصل كلارك من شعب غولا غيتشي، وكانت عائلتها تعيش في الماضي وسط مدينة تشارلستون في "شارع هنريتا". لكن كلارك تقول إنها نشأت على الشعور بالخجل من أصولها. تقول: "لقد أدرت ظهري لثقافتي لأنني كنت أظن أنها مشينة". وقبل ستة أعوام من اليوم، اصطحبتها ابنة عمها لصيد السلطعون للمرة الأولى في حياتها؛ وتقول عن هذه التجربة إنها كانت بمنزلة معمودية وانبعاث. فلقد أعادت ربطها إلى ثقافة أسلافها الذين اعتادوا صيد السلطعون للحصول على قوتهم. وأعادتها إلى الماء، الذي هو أمر لم تكن تعلم أنها تُفوّت فرصة التمتع به. وها هي اليوم تلقن السياح وحتى السكان المحليين كيفية صيد السلطعون في "ميناء تشارلستون"، بل إنها تُمضي أيضًا ساعات هناك حيث ترمي شبكتها، وغالبًا ما يكون ذلك في الساعات الأولى من الصباح، وهي تراقب شروق الشمس، وتستعيد الأجزاء التي فقدتها من نفسها.
صحيحٌ أن قصة الأميركيين من أصل إفريقي تبدأ من شواطئ قصية، إلا أن فصلًا واحدًا يبدأ عند الوصول إلى هذه الشواطئ، على طول هذا الساحل، وفي الماء.
يقول سميث، وهو أيضًا من شعب غولا غيتشي: "إن هذا الماء هو الذي جلب الأفارقة إلى هنا. ونحن نعتقد بصفتنا من شعب غولا أن الماء يحمل أرواحنا إلى حيث الراحة".  في نهاية المطاف، ربما تكون الحقيقة الأعمق والأكثر إثارة للدهشة بشأن "المتحف الدولي للأميركيين من أصل إفريقي" هي أنه، من خلال انتصابه على حافة هذا الرصيف التاريخي، يساعد على إعادة الأميركيين من أصل إفريقي إلى المحيط.. إلى الأطلسي الهادر.. إلى مكان المنشأ والموت والقوت.. والآن، إلى مكان الاستشفاء الذاتي ومداواة النفس.

استكشاف

هدية ... في الوقت المناسب

هدية ... في الوقت المناسب

تَملَّكَ أحد المصورين اليأسُ بعد أن تلقى أنباء مفجعة خلال أدائه إحدى المَهمات الصعبة. ثم اتخذ البابا "فرنسيس" منعطفًا منحَه باب أمل لتدارك ما فات.

سنّوريات تتنفس الصعداء

استكشاف ما وراء الصورة

سنّوريات تتنفس الصعداء

مَهمة محفوفة بالمصاعب في خبايا صناعة الببور الأسيرة في أميركا تُفضي إلى بصيص من الأمل.

تشارلستون.. بصيغة أخرى

استكشاف ما وراء الصورة

تشارلستون.. بصيغة أخرى

مع افتتاح المتحف الذي طال انتظاره على رصيف ميناء تاريخي، تعيد هذه المدينة الواقعة جنوب الولايات المتحدة الوصل بساحلها.. وتعيد حساباتها مع ماضيها المأساوي.