لا مفرّ ولا ملاذ

"بِن زرتمان"، نائب القبطان (يمين) و"رودي ليهفيلدت إلينجر"، أحد أفراد الطاقم، يرفعان شراع "بولار صن" الرئيس وسط الرذاذ المتطاير من الأمواج العاتية. فقد واجه الطاقم العديد من التحديات المروعة خلال الرحلة من ماين إلى ألاسكا؛ من بينها تجنب منصات الحفر المغمورة، والتصادم مع حوت أبيض، واجتياز بقايا "إعصار ميربوك" في "بحر بيرينغ" بأمان.

لا مفرّ ولا ملاذ

عثر الفريق على بعض القطع، ومنها قطعة من المحتمل أن تكون من محرك بخاري لسفينة (أعلى). ويقول سينوت: "عندما وجدنا تلك الدلائل، اعتقدتُ أننا كنا أقرب ما يكون إلى العثور على فرانكلين".

لا مفرّ ولا ملاذ

يُنشئ جريان المياه العذبة المليئة بالطمي هالةً صيفية حول "جزيرة ديفون" الكندية، وهي أكبر جزيرة غير مأهولة في العالم. استخدمتها وكالة "ناسا" منذ عام 1997 لمحاكاة كوكب المريخ في أبحاثها. بين عامي 1845 و1846، أمضت بعثة فرانكلين أول شتاء لها في مخيم لدى "جزيرة بيتشي" المجاورة الصغيرة (في الخلفية البعيدة)، قبل التوغل في الممر الشمالي الغربي.

لا مفرّ ولا ملاذ

بعد أن لاذ مركب "بولار صن" لدى "خليج باسلي" من إحدى العواصف، استيقظ طاقمه ذات صبيحة ليجده محاطًا بأطواف جليدية تساقطت من الغطاء القطبي. "كنت أخشى أن يكسر جبلٌ جليدي بدَنَ المركب أو ننجرف بقوة على الأرض أو يتجمد الخليج بأكمله ونصبح عالقين مثلما حدث لفرانكلين"، كما قال سينوت.

لا مفرّ ولا ملاذ

مع اقتراب منتصف الليل، تظل شمس الصيف فوق الأفق في "جزيرة الملك ويليام". ويعتقد كثيرٌ من المؤرخين أن جسد القبطان "جون فرانكلين" يرقد في مكان ما بهذا المشهد مترامي الأطراف المشكَّل من البحيرات والمستنقعات وحقول الحصى، ويُحتمل أن تكون قد دُفنت معه سجلات ورسائل ومعلومات أخرى عن الرحلة الاستكشافية.

لا مفرّ ولا ملاذ

أوزتورك يستعد تحت سطح السفينة لبدء نوبة مراقبة. فقد كان أفراد طاقم "بولار صن" يقومون بنوبات مراقبة كل ساعتين، إذ يتناوبون على الإبحار عبر الجليد والضباب. "أصبح السُّهاد نمطَ حياة. وكان الضغط على أشده"، كما قال أوزتورك. ففي منتصف الرحلة، بدأت الشمس تغوص تحت الأفق، مضِيفةً الظلام إلى الصعوبات التي واجهوها.

لا مفرّ ولا ملاذ

سينوت متأبطًا بندقية لصد الدببة القطبية يزور قبور ثلاثة رجال من بعثة فرانكلين هلكوا في "جزيرة بيتشي" خلال شتاء 1846–1845. فقد عثر المستكشفون الذين كانوا يبحثون عن فرانكلين على هذه القبور ورجومًا صخرية كبيرة، لكنهم لم يجدوا أي وثيقة توضح الوجهة التي اتخذتها السفينتان. وفي ثمانينيات القرن العشرين، استخرج فريق من خبراء الطب الشرعي الجثث الثلاث وتَبَينَ لهم أن هؤلاء البحارة ماتوا بسبب السل والالتهاب الرئوي.

لا مفرّ ولا ملاذ

انضمت "هامبتون (يسار) إلى زوجها "سينوت"، وهي قبطانة معتمدة من "خفر السواحل الأميركي" ساعدت طاقم "بولار صن" في جزء من رحلتهم؛ إذ تقول: "إن الإبحار في القطب الشمالي أمر مثير للأعصاب على نحو لا يُصدق. فقد شققنا طريقنا وسط قِطَع الجليد وناورنا حول الجبال الجليدية التي يمكن أن تنفصل عن بعضها أو تنقلب في أي لحظة.. فالمرءُ يُمضي حياته على متن المراكب متجنبًا هذه المواقف".

لا مفرّ ولا ملاذ

يتجه "رينان أوزتورك"، مرتديًا بذلة جافة، نحو كتلة جليدية كبيرة في "خليج باسلي"، أملًا في العثور على مكان لتثبيت برغي جليد وربط مركب "بولار صن". لكن درجات الحرارة في الصيف أدت إلى تليين الجليد فجعلته طريًا، "مثل البوظة"، كما يقول أوزتورك.Rudy Lehfeldt–Ehlinger

لا مفرّ ولا ملاذ

تتبَّعَ مركبُ "بولار صن" مسارَ فرانكلين، فأبحر على طول الساحل الغربي لغرينلاند حيث تنزلق كتل من الثلج الجليدي في البحر، مشَكّلةً جبالًا جليدية ضخمة. يقول سينوت: "في بعض الأحيان، تفقد هذه الجزر المتجمدة قطعًا كبيرة منها، فتنجم عن ذلك موجات كبيرة ويزداد علو الجبل الجليدي في الهواء ويدور خلال استقراره على مركز جاذبيته الجديد".

لا مفرّ ولا ملاذ

يستمتع سينوت بالرياح المنعشة من مؤخر "بولار صن" وهو يتفرس ساحل "جزيرة بافين". فقد قطع طاقمه على مدار 110 أيام، 5877 ميلا بحريًا، وواجه التحديات التي يمكن أن يضعها البحر في طريق مركب شراعي؛ إذ يقول: "يظل الممر الشمالي الغربي، حتى مع التقنية الحديثة وارتفاع درجة حرارة القطب الشمالي، مغامرة محفوفة بالمخاطر. وقد حالفنا الحظ في عبوره".

لا مفرّ ولا ملاذ

"توم غروس" (بالسترة البرتقالية) و"ماثيو إيرفينغ" يصلحان مركبة صالحة لكل الطرقات خلال بحث عن قبر فرانكلين في "جزيرة الملك ويليام" استمر 10 أيام وامتد على مساحة 800 كيلومتر.

لا مفرّ ولا ملاذ

المصور "رينان أوزتورك" يستطلع "خليج باسلي" في كندا من أعلى سارية مركب "بولار صن". فقد كان والكاتب "مارك سينوت" يحاولان الإبحار في "الممر الشمالي الغربي" عندما حُوصر مركبهما في متاهة من الأطواف الجليدية. ومع اقتراب فصل الشتاء، جازفا بالإبحار، على غرار ما قام به "فرانكلين" في رحلته المشؤومة.. إلى أن تقطعت بهما السبل في القطب الشمالي.

لا مفرّ ولا ملاذ

فريق من ناشيونال جيوغرافيك يُبحر لتتبع مسار الرحلة المأساوية للمستكشف السير "جون فرانكلين" في القرن التاسع عشر، وللبحث عن إشارات دالة على اختفائه في "الممر الشمالي الغربي" الأسطوري. لكن القطب الشمالي يتمنع عن البوح بكل أسراره.

قلم: مارك سينوت

عدسة: رينان أوزتورك

2 أغسطس 2023 - تابع لعدد أغسطس 2023

تَفحَّص جاكـوب كانيك" بمنظــاره حقلَ الجليد المحيط بمركبنا الشراعي. كان يبحث عن ذلك الدب القطبي الذي ظل يطاردنا على مدار الأربع وعشرين ساعة الماضية، لكن كل ما كان يستطيع رؤيته هو سجادة متموجة تمتد على مدى الأفق وتتشكل من كتل جليدية طافية باللونين الأزرق والأخضر. تمتم قائلًا: "الشتاء آت". لم يسبق لجاكوب أن شاهد سلسلة "لعبة العروش" ولم يكن يدرك ما تحمله هذه العبارة من إشارة إلى جحافل الزومبي الجليدية الخطيرة كما تُظهرها السلسلة، ولكن بالنسبة إلينا، كان التهديد الذي يمثله هذا الحشد المتجمد على الدرجة نفسها من الخطورة. ففي هذا المكان لدى "خليج باسلي" القصي الذي يقع في أعماق القطب الشمالي الكندي، سيجلب الشتاء مدًّا جليديًا كاسحًا يحطم كل المراكب. فإذا لم نجد مخرجًا في أقرب وقت، فقد يوقعنا في الشَّرك ويدمر مركبنا.. وربما نحن أيضًا.

كان ذلك في أواخر شهر أغسطس، وكنا قد توارينا في الخليج حتى نجتاز عاصفة عاتية بأمان. فقد ظلت الرياح تثور بقوة مدةً تجاوزت الأسبوع، فجرفت من الغطاء القطبي كتلًا متجمدة بسُمك ناهز المترين. كان بعضها بحجم طاولات النزهة، وبعضها الآخر بحجم المراكب النهرية لنقل البضائع. وكانت الجبال الجليدية الصغيرة تنتصب هنا وهناك كأنها جبال "ألب" عائمة. ظلت قطع هذه الفسيفساء المنجرفة تتمايل حول المركب فيتعالى صريرها كلما تصادم بعضها مع بعض ويصدر عنها أزيز فوران وهي تذوب ببطء وتطلق فقاعات الهواء المحصور.

كان يُحتمَل أن يشكّل أيٌّ من هذه الأطواف الجليدية قذيفةً تخترق هيكل مركبنا المصنوع من الألياف الزجاجية؛ لذلك رُحنا نتناوب على المراقبة على مدار الساعة، ولا نتوقف عن دفع الجليد بعيدًا عن المركب بأعمدة خشبية طويلة يُطلق شعب "الإنويت" عليها اسم "تاكس". وخلال اليومين التاليين، صار الجليد يقترب ببطء ويُضيّق علينا الخناق مثل الملزمة. وعندما استيقظنا أنا وجاكوب في اليوم التاسع لاحظنا أن الماء بين الأطواف الجليدية كان قد تجمد، وبدا من المؤكد أننا سنظل محاصرين في هذا المكان خلال الشتاء. وشعرت بشَدٍّ في بطني وأنا أتساءل إن كان ذلك هو ما شعر به فرانكلين.  ولو لم يكن وضعنا على تلك الدرجة من الخطورة، لكان ما ينطوي عليه من مفارقة مثيرًا للهزل. فقد كان طاقمنا المكون من خمسة أفراد قد غادر ولاية ماين في مركبي الشراعي "بولار صن" قبل أكثر من شهرين، لاقتفاء مسار المستكشف الشهير السير "جون فرانكلين". وكان هذا المستكشف قد انطلق من إنجلترا في عام 1845 بحثًا عن "الممر الشمالي الغربي" (Northwest Passage) المحير للأذهان، وهو طريق بحري فوق الجزء العلوي الجليدي من أميركا الشمالية والذي كان سيفتح منفذًا تجاريًا جديدًا لثروات الشرق الأقصى. لكن سفينتَي فرانكلين، "إيريبوس" و"تيرور"، وطاقمه المكون من 128 رجلًا فُقدوا ولم يظهر لهم أي أثر. وما لم يعرفه أي أحد في ذلك الزمن هو أن السفينتين كانتا قد حوصرتا في الجليد، ما أدى إلى تقطع السبل بفرانكلين ورجاله في أعماق القطب الشمالي.

ولم تُقدَّر النجاة لأي أحد منهم ليروي ما حدث، ولم يُعثر على أي معلومات تفصيلية مكتوبة عن المحنة التي تعرضوا لها. وأفضى هذا الفراغ في السجلات التاريخية، المعروف باسم "لغز فرانكلين"، إلى تناسل التكهنات على مرّ أكثر من 170 عامًا. وولَّد ذلك أيضًا أجيالًا من "الفرانكلينيين" المخْلصين الذين استبدَّ بهم هوس تجميع أجزاء قصة عن الكيفية التي حاول بها أكثر من 100 بحار بريطاني الخروج من واحدة من أكثر مناطق البرية قسوة على وجه الأرض.

ومع توالي السنين، صرتُ بدوري فرانكلينيًا. فقد طالعتُ بافتتان مهووس كل الكتب التي استطعت أن أجدها عن هذا الموضوع، وتخيلت نفسي فردًا في الطاقم المنكوب وأمعنت التفكير بشأن العديد من الأسئلة التي ظلت بلا إجابة: أين دُفن فرانكلين؟ وأين هي دفاتر يومياته؟ وهل حاول الإنويت مساعدة الطاقم؟ وهل كان بعض الرجال على وشك إكمال الرحلة؟ وفي نهاية المطاف، لم أستطع مقاومة الرغبة في البحث عن بعض هذه الإجابات بنفسي؛ فوضعت خطة لتجهيز "بولار صن" حتى أتمكن من الإبحار في المياه نفسها على غرار "إيريبوس" و"تيرور"، والرسو في الموانئ نفسها، ومعاينة ما شاهدوا. وكنت آمل أيضًا أن أكمل الرحلة التي لم يُقَدّر لفرانكلين إنهاؤها: الإبحار من الأطلسي إلى شبكة المضائق والخلجان الشبيهة بالمتاهة والتي تشكل الممر الشمالي الغربي، والوصول إلى الجانب الآخر من القارة، قبالة سواحل ألاسكا.

وبعد قطع نحو 3000 ميل بحري –زُهاء نصف مسافة الرحلة– صار مسعاي في الانغماس في لغز فرانكلين أقرب إلى الواقع إلى حد ما. فإنْ حُوصر مركب "بولار صن" في الجليد، فمن الممكن أن أفقده. وحتى لو نجحنا بطريقةٍ ما في الوصول إلى الشاطئ بأمان، فمن الممكن أن تتعذر أي عملية إنقاذ هنا. وبطبيعة الحال، يجب ألّا نُسقط من حساباتنا ذلك الدب القطبي.

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab

 

 

 

 

ما مصير منصات النفط البحرية حين تشارف على نهاية عمرها الافتراضي؟

ما مصير منصات النفط البحرية حين تشارف على نهاية عمرها الافتراضي؟

آلاف المنصات النفطية بارتفاع ناطحات السحاب تنتشر في محيطات العالم. لماذا يطالب بعض حماة البيئة بالإبقاء على المنصات النفطية المنتشرة في المحيطات حول العالم ؟

أسرار الدوبامين: لماذا نسعى إلى أداء المهام الصعبة؟

علوم

أسرار الدوبامين: لماذا نسعى إلى أداء المهام الصعبة؟

تشير الأبحاث إلى أن الدوبامين هو السبب الحقيقي الذي يجعلنا نفضل مواجهة تحديات كبيرة كسباقات الماراثون أو حل المشاكل الصعبة في بيئة العمل.

من النهر إلى البحر

من النهر إلى البحر

مصب نهر الأمازون ليس مجرد نهاية لأقوى أنهار العالم وأكثرها عنفوانًا، بل هو أيضًا بداية لعالم مدهش يصنعه الماء.