فريق من ناشيونال جيوغرافيك يُبحر لتتبع مسار الرحلة المأساوية للمستكشف السير "جون فرانكلين" في القرن التاسع عشر، وللبحث عن إشارات دالة على اختفائه في "الممر الشمالي الغربي" الأسطوري. لكن القطب الشمالي يتمنع عن البوح بكل أسراره.
تَفحَّص جاكـوب كانيك" بمنظــاره حقلَ الجليد المحيط بمركبنا الشراعي. كان يبحث عن ذلك الدب القطبي الذي ظل يطاردنا على مدار الأربع وعشرين ساعة الماضية، لكن كل ما كان يستطيع رؤيته هو سجادة متموجة تمتد على مدى الأفق وتتشكل من كتل جليدية طافية باللونين الأزرق والأخضر. تمتم قائلًا: "الشتاء آت". لم يسبق لجاكوب أن شاهد سلسلة "لعبة العروش" ولم يكن يدرك ما تحمله هذه العبارة من إشارة إلى جحافل الزومبي الجليدية الخطيرة كما تُظهرها السلسلة، ولكن بالنسبة إلينا، كان التهديد الذي يمثله هذا الحشد المتجمد على الدرجة نفسها من الخطورة. ففي هذا المكان لدى "خليج باسلي" القصي الذي يقع في أعماق القطب الشمالي الكندي، سيجلب الشتاء مدًّا جليديًا كاسحًا يحطم كل المراكب. فإذا لم نجد مخرجًا في أقرب وقت، فقد يوقعنا في الشَّرك ويدمر مركبنا.. وربما نحن أيضًا.
كان ذلك في أواخر شهر أغسطس، وكنا قد توارينا في الخليج حتى نجتاز عاصفة عاتية بأمان. فقد ظلت الرياح تثور بقوة مدةً تجاوزت الأسبوع، فجرفت من الغطاء القطبي كتلًا متجمدة بسُمك ناهز المترين. كان بعضها بحجم طاولات النزهة، وبعضها الآخر بحجم المراكب النهرية لنقل البضائع. وكانت الجبال الجليدية الصغيرة تنتصب هنا وهناك كأنها جبال "ألب" عائمة. ظلت قطع هذه الفسيفساء المنجرفة تتمايل حول المركب فيتعالى صريرها كلما تصادم بعضها مع بعض ويصدر عنها أزيز فوران وهي تذوب ببطء وتطلق فقاعات الهواء المحصور.
كان يُحتمَل أن يشكّل أيٌّ من هذه الأطواف الجليدية قذيفةً تخترق هيكل مركبنا المصنوع من الألياف الزجاجية؛ لذلك رُحنا نتناوب على المراقبة على مدار الساعة، ولا نتوقف عن دفع الجليد بعيدًا عن المركب بأعمدة خشبية طويلة يُطلق شعب "الإنويت" عليها اسم "تاكس". وخلال اليومين التاليين، صار الجليد يقترب ببطء ويُضيّق علينا الخناق مثل الملزمة. وعندما استيقظنا أنا وجاكوب في اليوم التاسع لاحظنا أن الماء بين الأطواف الجليدية كان قد تجمد، وبدا من المؤكد أننا سنظل محاصرين في هذا المكان خلال الشتاء. وشعرت بشَدٍّ في بطني وأنا أتساءل إن كان ذلك هو ما شعر به فرانكلين. ولو لم يكن وضعنا على تلك الدرجة من الخطورة، لكان ما ينطوي عليه من مفارقة مثيرًا للهزل. فقد كان طاقمنا المكون من خمسة أفراد قد غادر ولاية ماين في مركبي الشراعي "بولار صن" قبل أكثر من شهرين، لاقتفاء مسار المستكشف الشهير السير "جون فرانكلين". وكان هذا المستكشف قد انطلق من إنجلترا في عام 1845 بحثًا عن "الممر الشمالي الغربي" (Northwest Passage) المحير للأذهان، وهو طريق بحري فوق الجزء العلوي الجليدي من أميركا الشمالية والذي كان سيفتح منفذًا تجاريًا جديدًا لثروات الشرق الأقصى. لكن سفينتَي فرانكلين، "إيريبوس" و"تيرور"، وطاقمه المكون من 128 رجلًا فُقدوا ولم يظهر لهم أي أثر. وما لم يعرفه أي أحد في ذلك الزمن هو أن السفينتين كانتا قد حوصرتا في الجليد، ما أدى إلى تقطع السبل بفرانكلين ورجاله في أعماق القطب الشمالي.
ولم تُقدَّر النجاة لأي أحد منهم ليروي ما حدث، ولم يُعثر على أي معلومات تفصيلية مكتوبة عن المحنة التي تعرضوا لها. وأفضى هذا الفراغ في السجلات التاريخية، المعروف باسم "لغز فرانكلين"، إلى تناسل التكهنات على مرّ أكثر من 170 عامًا. وولَّد ذلك أيضًا أجيالًا من "الفرانكلينيين" المخْلصين الذين استبدَّ بهم هوس تجميع أجزاء قصة عن الكيفية التي حاول بها أكثر من 100 بحار بريطاني الخروج من واحدة من أكثر مناطق البرية قسوة على وجه الأرض.
ومع توالي السنين، صرتُ بدوري فرانكلينيًا. فقد طالعتُ بافتتان مهووس كل الكتب التي استطعت أن أجدها عن هذا الموضوع، وتخيلت نفسي فردًا في الطاقم المنكوب وأمعنت التفكير بشأن العديد من الأسئلة التي ظلت بلا إجابة: أين دُفن فرانكلين؟ وأين هي دفاتر يومياته؟ وهل حاول الإنويت مساعدة الطاقم؟ وهل كان بعض الرجال على وشك إكمال الرحلة؟ وفي نهاية المطاف، لم أستطع مقاومة الرغبة في البحث عن بعض هذه الإجابات بنفسي؛ فوضعت خطة لتجهيز "بولار صن" حتى أتمكن من الإبحار في المياه نفسها على غرار "إيريبوس" و"تيرور"، والرسو في الموانئ نفسها، ومعاينة ما شاهدوا. وكنت آمل أيضًا أن أكمل الرحلة التي لم يُقَدّر لفرانكلين إنهاؤها: الإبحار من الأطلسي إلى شبكة المضائق والخلجان الشبيهة بالمتاهة والتي تشكل الممر الشمالي الغربي، والوصول إلى الجانب الآخر من القارة، قبالة سواحل ألاسكا.
وبعد قطع نحو 3000 ميل بحري –زُهاء نصف مسافة الرحلة– صار مسعاي في الانغماس في لغز فرانكلين أقرب إلى الواقع إلى حد ما. فإنْ حُوصر مركب "بولار صن" في الجليد، فمن الممكن أن أفقده. وحتى لو نجحنا بطريقةٍ ما في الوصول إلى الشاطئ بأمان، فمن الممكن أن تتعذر أي عملية إنقاذ هنا. وبطبيعة الحال، يجب ألّا نُسقط من حساباتنا ذلك الدب القطبي.
آلاف المنصات النفطية بارتفاع ناطحات السحاب تنتشر في محيطات العالم. لماذا يطالب بعض حماة البيئة بالإبقاء على المنصات النفطية المنتشرة في المحيطات حول العالم ؟
تشير الأبحاث إلى أن الدوبامين هو السبب الحقيقي الذي يجعلنا نفضل مواجهة تحديات كبيرة كسباقات الماراثون أو حل المشاكل الصعبة في بيئة العمل.
مصب نهر الأمازون ليس مجرد نهاية لأقوى أنهار العالم وأكثرها عنفوانًا، بل هو أيضًا بداية لعالم مدهش يصنعه الماء.