انهيار اقتصادي. انفجار كارثي. إخفاق سياسي. أزمة لاجئين.. إنها تحديات تُثقل كاهل لبنان وتختبر روح شعبه التي لا تُقهر.
كــان نسيم يناير حادًا مثل حزني. تلألأت شمس الشتاء الخافتة فوق الجبال المكسوة بالثلوج التي تحتضن مسقط رأس والدتي في شمال لبنان. انفتحت أبواب المقبرة مُحْدِثةً صريرًا. هنالك وضعتُ صورة أمي مع أسلافها. كانت في الديار، من الناحية الرمزية على الأقل. كانت قد توفيت على حين غرة في نوفمبر 2021، صباح يوم خميس بأستراليا حيث كانت تعيش منذ أعوام. انتهت مسيرة أمي حيث بدأت، في وطن لم تغادره قَط حقًّا. ثمة أجزاء من هذا البلد نحملها معنا، وإن لم نولد هنا، كما هو حالي. نحملها في أسمائنا، وفي طعامنا، وفي حكاياتنا، وفي روابطنا العائلية التي تتجاوز الزمن والمسافة والأجيال، وتجذبنا إلى العودة.
لفيروز، أيقونتنا الوطنية الحبيبة وإحدى أشهر المطربات العربيات على الإطلاق، أغنيةٌ طبعت طفولتي في نيوزيلندا وأستراليا خلال الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان بين عامي 1975 و1990. فهمت قوة الكلمات التي كانت تُدمع مُقَل والديَّ قبل أن أعرف معناها. ففي أغنية "نسّم علينا الهوى"، تناشد فيروزُ النسيمَ أن يحملها إلى الديار قبل أن تشيخ في الغربة ولا يستطيع وطنها التعرف إليها. لم تتغير أمي منذ رحلتها الأخيرة إلى لبنان في صيف 2019، لكن هذا الوطن الأم هو من فقد كل ملامحه اليوم.. إلا قليلًا. كان مكانا منكسرا. حزينا، كئيبا، يائسا، وروحه التي لا تقهر جريحة بسبب انهيار اقتصادي حاد، إلى درجة أن "البنك الدولي" وصفه بأحد أسوأ الاقتصادات في العالم منذ خمسينيات القرن التاسع عشر.
إن لبنان، الذي كان فيما مضى بلد الوفرة والسخاء، وغذاءات أيام الآحاد المُترَفة، وحركة المرور المزدحمة في الصيف إذ يلوذ الناس من حرارة بيروت بالجبال المخضرة الباردة أو البحر المتوسط.. قد صار لبنان الذي زاد فيه سوء تغذية الأطفال وانعدام الأمن الغذائي. وأصبح الوقود -إنْ وُجد أصلًا- فاحش الغلاء، يتجاوز قدرة كثيرين، مما يُصَعب الذهاب إلى العمل أو المدرسة، فما بالك بالسفر لقضاء إجازات نهاية الأسبوع. لقد تلاشى نمط حياة وفقد الحيوية التي اجتذتني للعودة، بصفتي صحافية، إلى أرض الأجداد قبل عقدين من الزمن. لقد "عدتُ" للعيش في بلد عرفته إلى حد كبير من الذكريات الوردية لأمي وأبي، ومن رحلات الطفولة إلى لبنان الذي مزق نفسه بيده. والِداي من منطقتين مختلفتين من لبنان، وهاجرا معًا قُبيل الحرب الأهلية التي اندلعت بين المسيحيين والمسلمين. لبنان الذي حملاه معهما كان لبنان فيروز: جزء حقيقي وجزء متخيل. عاش في أغاني هذه المطربة عن القومية اللبنانية والعروبة، عن حياة ريفية ألطف وأبسط، عن الحب والضياع والمنفى، وعن العودة من المهجر.
كان والداي -متى سنحت الفرصة لهما- يصطحبان عائلتهما الصغيرة إلى لبنان الممزَّق بالحرب لقضاء إجازات تدوم شهورا؛ وكان ذلك هو الشوق الجيّاش للعودة. ذكرياتي عن تلك الزيارات مزيج من الأحاسيس: نعومة حضن جدتي لأمي؛ آلام مَعدة من جرّاء فترات طويلة كنت أُمضيها بعد الظهر رفقة أبناء خالتي في بساتين جدي نجمع عيّنات كثيرة من الفواكه من أشجار الكرم والرمان والحوامض والتين؛ موجة الحر التي تبددها سيارة مفخخة؛ الخوف الخانق من الاقتراب من حواجز المليشيات؛ الرصاصات الخَطاطة التي كانت تبدو نيرانها حمراء وأنيقة في سماء الليل (كان أخوالي يخبرونني أنها ألعاب نارية)؛ إدراك كون منزل جديَّ المؤلف من ثلاثة طوابق هو التجسد الثالث. فقد قُصف الطابقان الأوليـان ودُمّرا في الحرب، لذلك لم يكن لدى أمي أي صور توثق لطفولتها لتطلعني عليها.
عاد والداي إلى لبنان في منتصف تسعينيات القرن الماضي بعد أن وضعت الحرب أوزارها، لكنهما لم يستطيعا التأقلم مع الوضع الجديد. لم يكن لبنان فيروز (إن كان له وجود من قبْل أصلًا)، واصطدمت أفكارهما الحالمة بواقع بلد حظي فيه أمراء الحرب بمقاعد في البرلمان ومنحوا لأنفسهم حصانة ضد المتابعة بسبب جرائم الحرب. هؤلاء الزعماء أو أبناؤهم أو ورثتهم السياسيون المُعيَّنون هم من يقرر منذ نهاية الحرب في كل شيء، من التعيينات الوزارية إلى التعيينات القضائية العليا باسم ديمقراطية توافقية توزَّع بمقتضاها السلطة بناء على الانتماء الديني. كان يُفترض أن يعزز هذا الأمر التعايش، لكنه فاقم انقسام المجتمع بتعزيز هوية طائفية بدلًا من الهوية القومية. هكذا، وبعد بضعة أعوام في بيروت، عاد والداي، غير الطائفيين وغير السياسيين، إلى أستراليا.
بالإضافة إلى التحقيق في مفهوم العلامات المنفرة Aposematism، تعزز الدراسة الجديدة فكرة أن شخصيات الحيوانات من الفصيلة ذاتها تتفاوت ضمن مجموعاتها فعلى سبيل المثال، تم رش أحد ذئاب القيوط الذي يتسم...
هل تقول قطتك "أحبك " أم تقول "أريد الطعام"؟ هذا التطبيق الجديد المدعوم بالذكاء الاصطناعي يتعهد بتفسير ما تقوله القطط
يدحض بحثٌ جديد الافتراض السائد منذ فترة طويلة بأن مزيج ألوان الظربان -الأبيض والأسود- هو ما يدفع الحيوانات ومن ضمنها القيوط للابتعاد عنها