آثار نجوم خالدة

اختارت بلومنفيلد المواد التي صاغتها النجوم. فالذهب -المعروف الآن بأنه نتاج انفجارات نجمية- يغلف علامات "النساء الحواسيب". أما الورق ذو اللون الأزرق الداكن الذي يحمل تلك العلامات فقد أُعد بتقنية "السيانوتايب"، وأخَذ لونه الحبري من طبقتين مختلفتين: طبقة من محلول كيميائي وطبقة مستحلب؛ وعرضت كل واحدة منهما لأشعة الشمس مدة 20 دقيقة. الصورة: Jake Eshelman

آثار نجوم خالدة

قامت رائدات علم الفلك بتحبير أفكار وتحليلات على ألواح زجاجية لمَشاهد نجمية. مُحِي كثيرُها، وتَحوَّل قليلُها إلى شكل فني.

قلم: ليز كريوسي

1 أغسطس 2022 - تابع لعدد أغسطس 2022

يتشكَّلُ المطبوع الذي أرتني إياه الفنانة "إريكا بلومنفيلد" من امتداد للأزرق الداكن، وهو لون غني يستحضر أجواء الرومانسية والليل. وقد خُطَّت فيه علامات مُذهَّبة، بعضها في شكل خطوط، وبعضها على شكل سهام، وبعضها الآخر يتّخذ شكل نقاط. يَتجسَّد فنُّها في حبر على الورق؛ ولكنه يستند في أساسه إلى طبعات قديمة يعود تاريخها إلى قرن من الزمان، ويستلهم مادته من رائدات فلكيات غير معروفات، ويحركه سعي لفهم الضوء.
• • •
في "مرصد كلية هارفارد" في كامبردج بولاية ماساتشوسيتس، تؤوي ثلاثة طوابق من الخزانات المعدنية أكثر من 550 ألف لوحة زجاجية، مقاس معظمها هو 20 × 25 سم، وهو شكل من الصور الفوتوغرافية السالبة يرجع تاريخه إلى منتصف القرن التاسع عشر. وسجلت هذه اللوحات بيانات فلكية مستقاة من تلسكوبات موجهة نحو مناطق وأجرام سماوية. ويُظهر أحد جانبي هذه اللوحات صورة الضوء الصادر من النجوم البعيدة؛ أما الجانب الآخر فكان يحمل معادلات وسهامًا ودوائر وحروفًا ورموزًا أخرى دُوِّنَت بأيادي نساء وُظفن لتفسير هذه البيانات.
فخلال المدة الممتدة من عام 1885 حتى خمسينيات القرن الماضي، قامت المئات ممن سُمين بالنساء الحواسيب بدراسة تلك اللوحات. وتَوَصلن إلى أن الاختلافات في سطوع نجوم بعينها تكشف عن ناتجها من الطاقة، وهي العلاقة التي أنتجت طريقة لقياس المسافات البعيدة. وأَجرينَ فحص طيف ضوئي لأحد النجوم وتوصلن إلى أن شدة ألوانه تشير إلى تركيبته الكيميائية. وأحصينَ المَجرّات وصنَّفنها. فبفضل هذه الاكتشافات، وضعت هؤلاء النسوة الأسس المعرفية للفيزياء الفلكية الحديثة.
ولقد خلَّفن آثارًا من عدة أنواع: فعلى بعض اللوحات، لم يكن هناك سوى عدد قليل من السهام أو الرموز؛ ويوجد على عدد آخر منها تدوينات من محادثات بين النساء امتدت عبر عقود، إذ تسعى كــلٌّ منهن جاهدة لفهم الكون على نحو أفضل.

.. ثم أُزيلت تلك العلامات من نحو 470 ألف لوحة.
ولكي يتمكن باحثو العالم من بلوغ هذا الكنز التاريخي من البيانات الفلكية الخاصة باللوحات، كان لا بد من رقمنة المجموعة. ففي أوائل العقد الأول من هذا القرن، بدأ "جوناثان غريندلاي"، عالم الفيزياء الفلكية لدى "جامعة هارفارد"، مشروعًا شارف الآن على الاكتمال، واسمه: "النفاذ الرقمي إلى Sky Century@ Harvard" (ويسمّى اختصارًا "داش" DASCH)، وهو أرشيف يتضمن نسخًا رقمية للجزء الأكبر من هذه المجموعة.

وظفت "جامعة هارفارد" المئات من "النساء الحواسيب" لدراسة الألواح وإحصاء المجرات وتصنيفها. وقد ساعدت اكتشافات هؤلاء النسوة في وضع الأسس المعرفية للفيزياء الفلكية الحديثة.

فالحصول على أوضح صورة للبيانات الفلكية لإحدى اللوحات الزجاجية يتطلب، حسب غريندلاي، إزالة جميع العلامات الموجودة على الجانب الآخر من اللوحة قبل مباشرة المسح الضوئي. والعملية المتَّبعة هي كما يلي: توضع كل لوحة على طاولة مع توجيه الجانب الآخر المتضمن للبيانات غير الفلكية (أي الموضع الذي كانت النسوة الحواسيب قد دوَّن فيه ملاحظاتهن وقياساتهن وتعليقاتهن) نحو الأعلى. وبعد أن تصور كاميرا علوية هذا الجانب، تُنقل اللوحة إلى موضع تُزال فيه جميع العلامات عن طريق مسحها بمزيج من الإيثانول والماء، وكشطها -عند الاقتضاء- بشفرة حلاقة.
وعندما سمعت بلومنفيلد بهذه العملية في عام 2019، كانت أكثر من 400 ألف لوحة قد خضعت للمسح الضوئي. قالت لي: "عندما علمتُ أنهم كانوا يمسحون العلامات تمامًا من اللوحات، شعرتُ بحزن عميق". ومن ثم، قررت العمل على الحفاظ على جمالية العلامات وفحواها، ولو اقتصر ذلك على عدد محدود من اللوحات. وتكريمًا منها للنساء اللواتي كان عملهن خيرَ مُلهم لِما قامت به، أطلقت على شكلها الفني اسم "تتبع النجوم البارزة". 

يقول والدُ بلومنفيلد إن أول كلمة نطقت بها -وهي تقف في مهدها مشيرةً إلى الأداة المُثبتة في السقف- كانت هي "ضوء". فافتتانها بالضوء، كما تقول، "كان حاضرًا بشكل من الأشكال منذ البداية".
قادها هذا الانجذاب إلى بدء دراسة التصوير بالمدرسة الثانوية في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، ثم حصلت في وقت لاحق على شهادة فيه من "كلية بارسونز للتصميم". وخلال الأعوام الفاصلة بين الفترتين، ابتكرت بلومنفيلد فنًّا مستوحى من الضوء وطرقًا لالتقاطه. لكنها تميزت عن غيرها: فهي -على خلاف بعض الفنانين والمصورين- لا تهتم بالتقاط الطريقة التي يعكس بها الضوء المناظر الطبيعية أو الناس، بل تهدف إلى التقاط الضوء نفسه.
وابتداءً من أواخر تسعينيات القرن الماضي، شرعت بلومنفيلد في ابتكار كاميرات من دون عدسات مصممة بشكل فريد لجمع الضوء السماوي؛ بدءًا من الضوء الخافت إلى الضوء شديد السطوع. وعندما شكّلت بلومنفيلد فنَّها من الأشعة الصادرة عن الأطوار القمرية ودورات الشمس والانقلابات الشتوية والصيفية، أطلقت ما سيصبح فيما بعدُ علاقات مستمرة مع الباحثين العلميين والبيانات العلمية.

استكشاف

لعب الكبار.. ضــرورة

لعب الكبار.. ضــرورة

يميل الكبار إلى تجاهل اللعب بوصفه أمرًا سخيفًا أو طفوليًا، لكن المرح قد يكون أمرًا أساسيًا لبقاء نوعنا البشري.

مقابلة مع عالِم ونجم لموسيقى الروك

استكشاف فكرة نيرة

مقابلة مع عالِم ونجم لموسيقى الروك

يمزج "بريان ماي" -أحد مؤسِّسي فرقة "كوين" ومستشار وكالة "ناسا"- بين الفيزياء الفلكية وموسيقى الروك لخلق تناغم كوني.

جاذبية العزلة والمنعزلين

استكشاف فكرة نيرة

جاذبية العزلة والمنعزلين

يعيش سكان جزيرة سينتينل الشمالية على الصيد وجمع الثمار.. وصد الغرباء. ورغم ذلك، فإن العالم يرفض أن يتركهم وشأنهم.