ما سبب وقوع العصر الجليدي الصغير؟

موجة باردة ضربت أوروبا وأتلفت المحاصيل، ما خلف مجاعة شديدة أودت بحياة ملايين البشر. الصورة: ABRAHAM HONDIUS

ما سبب حدوث العصر الجليدي الصغير؟

عادة يحدث انتقال دائم للمياه الدافئة من المناطق الاستوائية إلى القطب الشمالي، وهي عملية معروفة تسمى دوران الانقلاب في خط الطول الأطلسي.

26 ديسمبر 2021

كان العصر الجليدي الصغير أحد أبرد الفترات خلال الألف عام الماضية، وهي فترة من البرودة كانت واضحة بشكل خاص في منطقة شمال الأطلسي. هذه الموجة الباردة، التي طالما ناقش العلماء جدولها الزمني الدقيق، والتي يبدو أنها بدأت منذ نحو 600 عام، كانت سببًا في تلف المحاصيل وحدوث المجاعات والأوبئة في جميع أنحاء أوروبا، ما أدى إلى موت الملايين.

حتى الآن، ظلت الآليات التي أدت إلى هذه الحالة المناخية القاسية غير معروفة. وعلى الرغم من ذلك، فإن ورقة بحثية جديدة نُشرت مؤخرًا في "Science Advances"، تقدم صورة محدثة للأحداث التي أدت إلى العصر الجليدي الصغير. ومن المثير للدهشة أن التبريد يبدو أنه قد نتج عن نوبة دافئة بشكل غير عادي.

عندما بدأ المؤلف الرئيس "فرانسوا لابوينت"، الباحث في علوم الأرض بجامعة "أوماس أمهرست" و "وريموند برادلي"، الأستاذ في علوم الأرض بنفس الجامعة، في دراسة متأنية لعملية إعادة بناء درجات حرارة سطح البحر في شمال المحيط الأطلسي التي استمرت 3 ألف عام، لاحظا شيئًا مدهشًا، وهو تحول مفاجئ من ظروف دافئة للغاية في أواخر القرن 13 إلى ظروف باردة لم يسبق لها مثيل في أوائل القرن 14، بعد 20 عامًا فقط. وباستخدام العديد من السجلات البحرية المفصلة، اكتشف "لابوانت" و"برادلي" أن هناك انتقالًا قويًا بشكل غير طبيعي للمياه الدافئة باتجاه الشمال في أواخر القرن 13 والذي بلغ ذروته عام 1380. ونتيجة لذلك، أصبحت المياه الواقعة جنوب غرينلاند وبحر الشمال أكثر دفئًا من المعتاد.

عادة يحدث انتقال دائم للمياه الدافئة من المناطق الاستوائية إلى القطب الشمالي. وهي عملية معروفة جيدًا تسمى دوران الانقلاب في خط الطول الأطلسي (AMOC)، والتي تشبه حزام النقل الكوكبي. حيث تتدفق المياه الدافئة من المناطق الاستوائية شمالًا على طول ساحل شمال أوروبا، وعندما تصل إلى خطوط عرض أعلى وتلتقي بمياه القطب الشمالي الباردة، تفقد الحرارة وتصبح أكثر كثافة، ما يتسبب في غرق المياه في قاع المحيط. ثم يتدفق هذا التكوين في المياه العميقة جنوبًا على طول ساحل أميركا الشمالية ويستمر في الدوران حول العالم. ولكن في أواخر القرن 13 الميلادي، تعزز AMOC بشكل كبير، ما يعني أن المياه الدافئة كانت تتحرك شمالًا أكثر بكثير من المعتاد، ما يؤدي بدوره إلى فقدان الجليد في القطب الشمالي بسرعة. على مدار بضعة عقود في أواخر القرني 13 والقرن 14، حدث  تدفق كميات هائلة من الجليد إلى شمال المحيط الأطلسي، ما لم يبرّد مياه شمال المحيط الأطلسي فحسب، بل قلل أيضًا من ملوحتها، الأمر الذي أدى في النهاية إلى انهيار AMOC، وكان هذا الانهيار هو الذي تسبب بعد ذلك في وقوع تبريد كبير.

بالتقدم سريعًا إلى عصرنا: بين الستينيات والثمانينيات من القرن الماضي، لاحظ العلماء أدلة سريعة لـ AMOC، والتي ارتبطت بالضغط العالي المستمر في الغلاف الجوي فوق غرينلاند. إذ يعتقد كل من "لابوانت" و "برادلي" أن نفس حالة الغلاف الجوي حدثت قبل العصر الجليدي الصغير مباشرةً - ولكن ما الذي كان يمكن أن يكون سببًا لذلك الحدث ذي الضغط العالي المستمر في ثمانينيات القرن الثالث عشر؟. اكتشف "لابوانت" أن الإجابة تكمن في الأشجار، إذ أنه بمجرد مقارنة الباحثون نتائجهم مع سجل جديد للنشاط الشمسي كشفت عنه نظائر الكربون المشعة المحفوظة في حلقات الأشجار، اكتشفوا أنه تم تسجيل نشاط شمسي مرتفع بشكل غير عادي في أواخر القرن 13، ما أدى إلى ارتفاع الضغط الجوي فوق غرينلاند. في الوقت نفسه، كان هناك عدد أقل من الانفجارات البركانية التي تحدث على الأرض، ما يعني انخفاض الرماد في الهواء. فالغلاف الجوي "الأنظف" يعني أن الكوكب كان أكثر استجابة للتغيرات في ناتج الطاقة الشمسية. يوضح "لابوانت": "من هنا كان تأثير النشاط الشمسي العالي على دوران الغلاف الجوي في شمال المحيط الأطلسي قويًا بشكل خاص.

يتساءل "لابوانت" و"برادلي" عما إذا كان مثل هذا التبريد المفاجئ يمكن أن يحدث مرة أخرى في عصرنا نتيجة تغير المناخ العالمي؟. لاحظا أنه يوجد الآن عدد أقل بكثير من الجليد البحري في القطب الشمالي بسبب الاحتباس الحراري، لذلك من غير المرجح وقوع حدث مثل الذي حدث في أوائل القرن 15، والذي ينطوي على نقل الجليد البحري. وبالرغم من ذلك، علينا أن نراقب تراكم المياه العذبة في بحر بوفورت (شمال ألاسكا) والتي زادت بنسبة 40٪ في العقدين الماضيين. يقول "لابوانت": "إن تصديره إلى شمال المحيط الأطلسي شبه القطبي يمكن أن يكون له تأثير قوي على دوران المحيطات. أيضًا، كانت فترات الضغط المرتفع المستمرة على غرينلاند في الصيف أكثر تواترًا على مدار العقد الماضي وهي مرتبطة بذوبان الجليد الذي حطم الرقم القياسي". إذ أنه لا تلتقط النماذج المناخية هذه الأحداث بشكل موثوق، ولذلك قد نقلل من قيمة فقدان الجليد في المستقبل من الغطاء الجليدي، مع دخول المزيد من المياه العذبة إلى شمال المحيط الأطلسي، مما قد يؤدي إلى إضعاف أو انهيار AMOC.

المصدر: Eurekalert

 

استكشاف

هدية ... في الوقت المناسب

هدية ... في الوقت المناسب

تَملَّكَ أحد المصورين اليأسُ بعد أن تلقى أنباء مفجعة خلال أدائه إحدى المَهمات الصعبة. ثم اتخذ البابا "فرنسيس" منعطفًا منحَه باب أمل لتدارك ما فات.

سنّوريات تتنفس الصعداء

استكشاف ما وراء الصورة

سنّوريات تتنفس الصعداء

مَهمة محفوفة بالمصاعب في خبايا صناعة الببور الأسيرة في أميركا تُفضي إلى بصيص من الأمل.

تشارلستون.. بصيغة أخرى

استكشاف ما وراء الصورة

تشارلستون.. بصيغة أخرى

مع افتتاح المتحف الذي طال انتظاره على رصيف ميناء تاريخي، تعيد هذه المدينة الواقعة جنوب الولايات المتحدة الوصل بساحلها.. وتعيد حساباتها مع ماضيها المأساوي.