قحطٌ ههنا.. فأين الملاذ؟

البقاء على قيد الحياة يستلزم جهدًا جماعيًا بالنسبة إلى السرقاط؛ وهو نوع من النمس. إذ يترصد الحراسُ الخطرَ، فيما تقوم البالغة ذات الرتب الأدنى -وجلها إناث- بإطعام الصغار والاعتناء بهم. من غير الواضح كيف ستؤثر التغيرات المناخية في حيوانات السرقاط هنا، لكن فصول الصيف الأجفّ والأحرّ قد تقلص من أعدادها.

قحطٌ ههنا.. فأين الملاذ؟

عندما تهب العواصف الرعدية الصيفية على ربوع كالاهاري، تعيد مياهها الغامرة الحياةَ؛ فتنتعش الكائنات، ومنها الحشرات كهذا الجندب "المدرع". العشب والحشرات حلقتان مهمتان في السلسلة الغذائية التي تغذي حيوانات "محمية تسوالو" وتثبت الكثبان في وجه الرياح.

قحطٌ ههنا.. فأين الملاذ؟

في أواخر عام 2020، انتهت فترة قحط دامت سنوات، فتحولت كثبان "تسوالو" الجافة إلى أراضٍ خضراء خصبة. إن كالاهاري تشهد بالفعل ارتفاع درجة الحرارة بوتيرة أسرع من المعدل العالمي، كما أن العديد من النماذج المناخية تتوقع ظروفًا أكثر قحطًا، لا سيما في فصل الصيف.

قحطٌ ههنا.. فأين الملاذ؟

يحفر حيوان "أبو ذقن" (أو خنزير الأرض، وهو مخلوق ليلي متملص مثل البنغول) جحورًا ويشق التربة الساخنة بفعل الحرارة لاصطياد الأرضات التي تمنحه جل حاجاته من الطعام والماء. وأثبت فترة قحط في الآونة الأخيرة أن أبا ذقن يضعف حين تذبل الأعشاب وتتراجع أعداد الأرضات.

قحطٌ ههنا.. فأين الملاذ؟

يخرج البنغول من جحره بعد حلول الظلام، ليأكل نحو 15 ألف نملة وأرضة في الليلة الواحدة؛ أي 5.5 ملايين في العام الواحد. تعتمد وفرة الحشرات على صحة الأعشاب، التي تمثل الخيط الناظم للحياة على هذه الرمال المفتقرة إلى المغذيات. ومن دون أمطار في الصيف، لن تخضر الأرض.

قحطٌ ههنا.. فأين الملاذ؟

يتيح بُناة المساكن النجاةَ الجماعية في ظروف كالاهاري القاسية. إذ تتشارك الطيور "الحياكة الاجتماعية" أعشاشَها مع الصقور "الإفريقية القزمة" وطيور "السقنقور" والحيّات "الراعية". كما أن حيوانات "أبو ذقن" تحفر جحورا كثيرة ذات حُجرات تحت الأرض تستعملها حيوانات ابن آوى والشيهم والقطط البرية والخنازير الإفريقية والسناجب الأرضية وطيور السنونو وغيرها.

قحطٌ ههنا.. فأين الملاذ؟

في ربيع عام 2020، وصلت عشيرة من الضباع المرقطة إلى "محمية تسوالو". إن إعادة إدخال المفترسات مسألةٌ أساسية للحفاظ على توازن هذه البرية الخاضعة للتدبير الإداري البشري. أنشئت المحمية في تسعينيات القرن العشرين، وهي جزيرة متبقية من كالاهاري الطبيعية، وظلت تخترقُها المزارع والطرقات ومناجم الحديد والمنغنيز.

قحطٌ ههنا.. فأين الملاذ؟

بعد أن رجَّ هذا السرقاطُ الجندبَ، قد يصير الأخير وجبتَه. إن صغار السرقاط لا تكتسب وزنًا بالسرعة نفسها حين ترتفع درجة الحرارة؛ ويرجح الباحثون أن ذلك راجع إلى كون الحشرات التي تتغذى عليها تحوي كمية أقل من الماء. قد تفقد صغار السرقاط الماء والطاقة وهي تكافح من أجل تنظيم درجة حرارة أجسامها.

قحطٌ ههنا.. فأين الملاذ؟

تُظهر صور ملتقَطة على مراحل طويلة، مسارات التحليق ليلًا في سماء تومض برقًا. أحصى العلماء 221 نوعًا من العث في "محمية تسوالو"؛ بعضها يُحلق بعدما تُبلل الأمطارُ التربةَ، مما يُحرر العث البالغ من الشرانق الدفينة. كما تضم المحمية 77 نوعًا من الفراش، نحو 10 منها يطير عبر المحمية كل عام، وتسمى تلك الرحلة، هجرة فراشات كغالاغادي.

قحطٌ ههنا.. فأين الملاذ؟

في مشاهد كالاهاري الطبيعية القاحلة، قد يهدد الحرُّ والقحط توازنَ الحياة الهشّ الرفيع.

قلم: ليوني جوبيرت

عدسة: توماس بي. بيشاك

1 أغسطس 2021 - تابع لعدد أغسطس 2021

ظِلَّان توأمان بلا حراك في جنح الليل. في الأعلى، سماء يتوسطها قمر ملتحف باللون الفضي. وفي الأسفل، أرض تتخذ شكل قرص معتم.

ثمة صوتٌ يُضفي عمقًا على جوف الليل: إنها خشخشات الوزغات "النبّاحة الشائعة" إذ تتلاشى في الظلال كأنها صادرة من آلات الصنج الموسيقية. ههنا جلسَت المرأتان ساعات في ترقب صامت على كثيب خفيض. فتحت إحداهُما ساقيها ومدتهما ثم قاطعتهما عند الكاحلين. وتأرجحت الأخرى كما لو كانت تتلو تعويذة، مرخية عضلاتها. فلقد أوصلتهما مُعِدّات التعقب اللاسلكي عند غروب الشمس إلى هذه البقعة في الجزء الجنوبي من كالاهاري، التي لطالما سُميت صحراء رغم تميزها بخصائص النظام البيئي للسافانا الجافة. في متاهة جحور أسفلهما كانت ثمة أنثى بنغول "أرْضي" ما فتئتا تراقبانها منذ شهرين. فلقد تأخرت في الاستيقاظ -إنها الساعة العاشرة ليلا- وربما كانت للأمر صلة بحرارة النهار الشديدة.

لأغراض التوثيق، أُطلق عليها اسم "هوبويل 3"، نسبة إلى المكان حيث وجدها المتعقبون المحليون أول مرة وتتبَّعت آثارَها على الرمال الباحثتان في قسم الدكتوراه، "ويندي بانايينو" (28 عامًا) و"فاليري باكواغو" (30 عامًا). والآن تتعقبانها بقراءة موجات لاسلكية يبثها جهازٌ مثبَّت على إحدى حراشف عجُزها. تفتــش الباحثتــان الليلـة عــن روث البنغـول -أو "ذهب كالاهاري" كما يسمونه- فهو مصدر معلومات نفيسة حول حياة هذا الحيوان الخجول الذي يقتات على النمل والأرَضات، وعلاقتها بالأعشاب والحشرات الصغيرة التي تجمع بذورَها وتأكلها. ذلكم خيط آخر مهم يمَكِّن العلماء من فهم الترابط بين الكائنات الحية في السافانا الإفريقية الجافة، وكلها تبدأ مع هطول أمطار الصيف، في العادة بين شهري نوفمبر ومارس. إن بحثهما، من خلال "مختبر فيزيولوجيا صون الحياة البرية" لدى "جامعة ويتواترسراند" في جوهانسبرغ، جزءٌ من دراسة أكبر تسمى "مشروع النظام البيئي المهدد في كالاهاري" (يُعرف اختصار باسم "KEEP" "كيب") الذي يهدف إلى فهم آثار الاضطرابات المناخية على نسيج الحياة الحساس هنا.

إن هذا الجزء من كالاهاري لَهُوَ بؤرةُ تغيرات مناخية بالفعل. إذ تُبيِّن نَمذجةٌ أنجزها علماء مناخ في "جامعة كيب تاون" أن الحرارة في بوتسوانا -إلى الشمال من مناطق الكلأ في "هوبويل 3"- قد تزيد بما يفوق درجتين؛ وحينها قد يكون معدل الاحترار العالمي زاد بنسبة 1.5 درجة مئوية التي تسعى "اتفاقية باريس" لِـ "الأمم المتحدة" إلى تفاديها. ويشير العلماء إلى أن نظام كالاهاري البيئي سينهار بعد تجاوز عتبة الثلاث درجات في معدل الاحترار العالمي، والذي يعني هنا بلوغ 4.2 درجة مئوية.

وتُنذر دراسة حديثة أجريت خلال فترة قحط في صيف 2013-2012 عن حيوان "أبي ذقن" الذي يقتات على الأرضات ويُجاور البنغول في الكثبان، بما قد يَلحق الحياةَ هنا جرّاء التغيرات المناخية: فإن أمسكَت السماءُ مطرَها ستتوالى سلسلة من الكوارث، بدءًا بذبول الأعشاب، وتراجع أعداد النمل والأرَضات التي تقتات عليها، وستكون المجاعة مصير أي كائن يعتمد في تغذيته على تلك الحشرات. وإذا كان غياب الاخضرار السنوي يعني كارثة لهذين الكائنين الآكلين للحشرات خلال فترة القحط، فماذا يعني انهيار النظام البيئي على المدى البعيد بسبب ارتفاع درجات الحرارة واشتداد الجفاف بالنسبة إلى العديد من خيوط الحياة المتشابكة في سلسلة غذائية تستمد حياتها من الأعشاب؟

وتُعدّ كالاهاري أكبر امتداد رمال غير متقطع في العالم؛ وهي محيط مترام من كثبان تذروها الرياح في بوتسوانا وناميبيا وجنوب إفريقيا وما وراءها، تعلوها السافانا، وهي أصقاع معشوشبة في الغالب تؤثثها أشجار متفرقة. هنا، على الحافة الجنوبية للمنطقة، جرفت التيارات الهوائية سلسلة كثبان رملية زاحفة من الشمال إلى الجنوب ملتفَّةً على جوانب تلال الكوارتزيت العارية التي ترتفع كظهور حيتان صاعدة من الأعماق. ولقد ألقت عقود من الزراعةِ المنطقةَ في أتون الفوضى؛ وها هي ذي نُذُر تداعيات احترار الكوكب تلوح في الأفق أيضا. إنّ ما تتعلمه بانايينو وباكواغو عن الحياة السرية للكائنات على الكثبان الرملية هنا كفيل بإرسال إشارات إنذار إلى القائمين على شأن صون الطبيعة، حتى يتمكنوا من توفير حماية أفضل لِما تبقى من كالاهاري.

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab

 

أسرار الدوبامين: لماذا نسعى إلى أداء المهام الصعبة؟

أسرار الدوبامين: لماذا نسعى إلى أداء المهام الصعبة؟

تشير الأبحاث إلى أن الدوبامين هو السبب الحقيقي الذي يجعلنا نفضل مواجهة تحديات كبيرة كسباقات الماراثون أو حل المشاكل الصعبة في بيئة العمل.

من النهر إلى البحر

من النهر إلى البحر

مصب نهر الأمازون ليس مجرد نهاية لأقوى أنهار العالم وأكثرها عنفوانًا، بل هو أيضًا بداية لعالم مدهش يصنعه الماء.

رمـوز، أساطير، محتالة.. وسارقة

رمـوز، أساطير، محتالة.. وسارقة

سواء أَرأينا الدلافين الوردية أشباحًا تُغيّر أشكالها أم لعنةً تؤْذي الصيادين، تبقى هذه الكائنات مهيمنة على مشهد الأمازون ومصباته. ولكن مع تغير المشهد البيئي للمنطقة، بات مستقبل أكبر دلافين المياه...