في عالم يتجه نحو الاستدامة، تتجلى أهمية تكامل الإنسان والطبيعة من خلال مفهومي الساتوياما والحمى. على الرغم من اختلاف السياقات الثقافية والجغرافية، إلا أن كلا النموذجين يهدفان إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية وتعزيز التنوع البيولوجي.
8 ابريل 2025
الساتوياما
الساتوياما هو مفهوم ياباني يجسد التكامل بين الطبيعة والأنشطة الزراعية في نظام بيئي متوازن. يعتمد هذا النموذج على ممارسات زراعية تقليدية تسهم في تعزيز التنوع البيولوجي والحفاظ على البيئة. من الأمثلة على تقنيات الساتوياما الزراعة المتنوعة، حيث تُزرع مجموعة من المحاصيل في نفس الأرض، مما يقلل من خطر الآفات ويعزز صحة التربة. كما تُستخدم الزراعة العضوية التي تعتمد على المواد الطبيعية بدلاً من الكيماويات الضارة، مما يحسن جودة المحاصيل ويحافظ على صحة البيئة. بالإضافة إلى ذلك، تُطبق تقنيات إدارة المياه، مثل إنشاء قنوات ري طبيعية، لتحسين توزيع المياه بشكل فعال. تُعزز فلسفة الساتوياما الترابط بين الإنسان والطبيعة، مما يُشجع على وعي بيئي أكبر.
الحِمَى
من ناحية أخرى، تمثل الحمى نظامًا تقليديًا لإدارة الموارد الطبيعية في بعض المجتمعات، يهدف إلى الحفاظ على المراعي والمياه من خلال تنظيم الوصول إليها. تُعد الحمى أداة فعالة لمواجهة التحديات البيئية، حيث تُحدد فترات الاستخدام وتُعزز استدامة الموارد. من الأمثلة على تقنيات الحمى، يمكن الإشارة إلى نظام المراقبة الذي يضمن عدم استنزاف الموارد، حيث يتم تحديد عدد الحيوانات المسموح برعيها في فترة معينة. كما تُستخدم تقنيات الحصاد المستدام التي تسمح بجمع الموارد بطريقة تحافظ على البيئة، مثل حصاد النباتات دون التأثير على نموها المستقبلي. يُسهم تقسيم الأراضي إلى مناطق محمية ومستخدمة في تنظيم الوصول إلى الموارد الطبيعية، مما يحقق العدالة الاجتماعية ويضمن حقوق الاستخدام للمجموعات المحددة. بهذا الشكل، تمثل الساتوياما والحمى نماذج مختلفة لإدارة الموارد بشكل مستدام، حيث يجسد كل منهما علاقة متوازنة بين الإنسان والطبيعة.
أمثلة على الساتوياما والحمى
في اليابان، يُعتبر ساتوياما منطقة كيوتو نموذجًا مميزًا للساتوياما، حيث تتداخل الزراعة مع الغابات، مما يخلق بيئة غنية بالتنوع البيولوجي. يستخدم المزارعون تقنيات تقليدية مثل الزراعة المتنوعة، مما يدعم التنوع البيولوجي والمحافظة على المواطن الطبيعية. أما في لبنان، فيُعتبر نظام الحمى في منطقة البقاع مثالًا جيدًا، حيث يتم تنظيم وصول المجتمعات المحلية إلى المراعي والمياه وفقًا لقواعد محددة، مما يعزز الاستدامة ويحافظ على البيئة.
الساتوياما والحمى
"ما دخل الغابة بالمحار؟" قد يبدو هذا التساؤل بعيدًا، لكن ما فعله أجدادنا في المنطقة العربية تحت مسمى "الحمى" هو ما يتم تطبيقه منذ آلاف السنوات في اليابان تحت مسمى "الساتوياما". بحسب رواية تاكيشي هوشيدا، أستاذ بجامعة ياسودا للسيدات، تعود علاقة اليابانيين بالغابات إلى العصور القديمة، حيث تغطي الغابات حوالي 70% من مساحة البلاد. يشير مصطلح "ساتوياما" إلى أرضٍ طبيعية يمكن للبشر الوصول إليها، وتمثّل مكاناً يتعايش فيه كل من الطبيعة والبشر. أحد الأمثلة المهمة في هذا السياق هو كيسينوما، حيث تمثل العلاقة بين الغابة والبحر مثالًا على كيفية تأثير الأنظمة البيئية بعضها على بعض. بعد أن تدهور المحار بسبب التلوث، أدرك الصيادون أن صحة البحار مرتبطة بسلامة الغابات. فبدأوا في زراعة الأشجار لتحسين جودة المياه وعودة المحار للعيش.
كيسينوما
في محافظة مياجي، على بعد 300 كيلومتر شمال طوكيو، والتي تمثل مصدراً أساسياً للمحار منذ القرن السادس عشر، إلى أن حلّت مصيبة أخلّت بتجارة المحّار في هذه المنطقة: بدأ المحار الأبيض يتحول إلى اللون الأحمر منذ ستينيات القرن العشرين، في حين كان الاقتصاد الياباني ينمو بسرعة. أطلق على هذا المحار اسم "محار الدم" ولم يكن من الممكن شحنه، وتخلى العديد من الصيادين عن مهنتهم نتيجة لذلك مما سبب أضراراً اقتصادية ضخمة في المنطقة.
وبدا وقتها أن السبب هو المد الأحمر الناجم عن مياه الصرف الصحي المنزلية والصناعية، وحتى بعد أن تم التحكم في مياه الصرف الصحي من خلال تشديد اللوائح من قبل الحكومة المحلية، لم يكن من المستطاع حصاد المحار كما كان من قبل. فكّر العلماء: إذاً، لا بد أن هناك سبباً آخر للون الدموي للمحار، الطبيعة هي نظام متداخل، ولا توجد مناطق صيد غنية بمفردها: فالغابات الغنية هي التي تغذي البحار الغنية. هذا ما اكتشفه هاتاكياما، أحد الصيادين الذين سعوا لاستعادة المحار الأبيض. لاحظ هاتاكياما أن مناطق الصيد الغنية هذه بها أنهار كبيرة، حيث تتواجد عند منبعها غابات غنية. تضررت الغابة عند منبع من نهر أوكاوا الذي يصب في كيسينوما بسبب الصيد الجائر خلال فترة النمو الاقتصادي المرتفع. وجد هاتاكياما أن "الغابة تتوق إلى البحر، والبحر يتوق إلى الغابة"، فبدأ منذ عام 1989، في زراعة الأشجار أعلى نهر أوكاوا.
أثبتت الدراسة التي أجرتها جامعة هوكايدو في عام 1993 أن 90 ٪ من الحديد والنيتروجين والفوسفور التي تغذي العوالق النباتية في بحر كيسينوما يتم توفيرها من قبل نهر أوكاوا. كان مصدر العناصر الغذائية لنهر أوكاوا هو الأوراق المتساقطة للأشجار عريضة الأوراق في غابة ساتوياما. وباستعادة الغابات الغنية، بدأ المحار -الذي لا يستطيع السباحة- بتناول العوالق النباتية التي تعيش في البحر بعد عشر سنوات من زراعة الأشجار، مما أعاد البحر كما كان في كيسينوما، فنمى المحار الغني من جديد، وعاد ليحيي موائد الناس. تم اقتراح مبادرة ساتوياما في مؤتمر التنوع البيولوجي الذي عقد في ناغويا في عام 2010 كوسيلة لتعزيز الإدارة المستدامة واستخدام الموارد الطبيعية، وتم رفع ساتوياما كمورد يمكن لليابان أن تفخر به.
تظهر لنا الساتوياما والحمى كيف يمكن للتقاليد المحلية أن تلعب دورًا حيويًا في إدارة الموارد. من خلال الفهم العميق للعلاقة بين الإنسان والطبيعة، يمكن تحقيق استدامة حقيقية تنفع الأجيال الحالية والمستقبلية. إن العودة إلى هذه الممارسات القديمة، مع إضافة الوعي العلمي الحديث، هو ما تحتاجه مجتمعاتنا اليوم لمواجهة التحديات البيئية.
في عالم يتجه نحو الاستدامة، تتجلى أهمية تكامل الإنسان والطبيعة من خلال مفهومي الساتوياما والحمى. على الرغم من اختلاف السياقات الثقافية والجغرافية، إلا أن كلا النموذجين يهدفان إلى الحفاظ على...
قطيع مشهور ذو تاريخ عريق يلاحقه مستقبل جديد في أقاصي الشمال.