لمَّا طلبَت "ميشيل إل. نوريس" أول مرة إلى أشخاص غرباء إيجاز مشاعرهم تجاه مسألة العِرق في ست كلمات، كانت تظن أن قلةً منهم قد ترغب في مشاركة أفكارها الشخصية حول هذا الموضوع الحساس. لكنّ معرفتها الآن باتت أشمل بعد تلقيها أزيد من نصف مليون رد..
إن أهم الأحاديث عن العِرق وأكثرها كشفًا وصدقًا وخطورة، هي تلك التي لا تطرق أسماعنا عادة، لأنها تنشأ في فضاءات خاصة: في غرفة تبديل الملابس أو غرفة النوم؛ عند طاولة المطبخ أو خلال استراحة تدخين خارج المصنع؛ وفي الأحاديث التي تدور في أذهان الناس وهم ينظفون أسنانهم أو يقودون سياراتهم إلى العمل.
أدى ظهور مواقع التواصل الاجتماعي مثل "تويتر" و"فيسبوك" إلى فتح نوافذ جديدة مطلة على مخاوفنا إزاء مسألة العِرق. ومع كل هذا المَدِّ الجديد نسبيًا من الشفافية، ما زالت ثمة أرض وعرة لا تستطيع حواسيبنا ولا هواتفنا النقالة بلوغها على نحو دقيق؛ ذلك أن حواجز ذاتية غالبًا ما تَحُول دون المرء ونشر أَخَصِّ تساؤلاته أو بث شكاواه في منتدى مفتوح ليطلع عليها العالم.
واجتياز تلك الأرض صعبٌ إذا كان المرءُ غريبًا، لكني أمضيت أزيد من 10 أعوام في فعل ذلكَ تحديدًا، والفضل يعود إلى مشروع بسيط بدأته في علية بيتي. كنت قد ألَّفت مذكرات عن الإرث العِرقي المعقد في عائلتي، وذهبت في جولة عبر 35 مدينة للترويج للكتاب أيامَ كان ذلك النوع من السفر ممكنًا. هنالك تَمَلَّكني التوتر لأسباب كثيرة، أهمها أني عرفت أن علَي مواجهة جماهير في مكتبات ومسارح كبرى عبر أنحاء الولايات المتحدة وجعلهم ينخرطون في أحاديث عن العِرق.
كنتُ مقتنعة قبل عقد من الزمن أن الأميركيين قد يفضلون القفز من جرف على الخوض أمام الملأ في حديث صادق وشخصي عن العِرق. ولكن تَبَيَّنَ أني كنت مخطئة.
في محاولة لاستهلال حديث صعب، طلبتُ إلى الناس التفكير في لفظة "عِرق" وتجميع كل ما يخطر ببالهم ثم إيجاز تلك الفكرة أو الذكرى أو النشيد أو التساؤل في جملة من ست كلمات فحسب. طبعتُ بطاقات بريدية كُتِبَ عليها "العِرق. أفكارك. 6 كلمات. يُرجى الإرسال"، ووزعتها أينما حللتُ. لم يَدُر بخلدي أني سأجد نفسي بعد أعوام غارقةً في بحر من مشاعر مختلفة واكبت وصول الحكايات إلى صندوق بريدي، ثم إلى بريدي الإلكتروني بعدما قام فريقي الصغير بتصميم موقع ودعوة الناس إلى موافاتنا بقصصهم تلك عبر الإنترنت. لم تكن لدي أدنى فكرة عن أنّ ما كنت بصدده سيفسح المجال أمامي لولوج أخَصِّ زوايا حياة الناس وبلدات لم أسمع بها من قبل ودول لم أزرها قط وثقافات أجنبية ومألوفة على حد سواء. لم تكن لدي أدنى فكرة عن أن كثيرًا من الناس متحمسون للحديث عن العِرق والهوية وأنهم قد يشاركون شخصًا غريبًا أفكارَهُم، مع علمهم أن قصصهم قد تُنشر على الإنترنت ليطلع عليها أي شخص.
شِدة سوادي تَحرمني حُبَّ رجل أسود
هل حَضر جدي الجـنوبــي إعداماتٍ بالفعل؟
هذا عجيب، فأنت لا تبدو يهوديا
لمّا شرعنا في جمع القصص رقميًا (وليس من خلال البطاقات البريدية فحسب)، ذَيَّلنا الاستمارة الأصلية التي تطلب قصصًا من ست كلمات بعبارة مقتضبة؛ فكان ذلك طلبًا بسيطا يسبق الضغط على زر الإرسال: "هل تودون قول شيء آخر؟". كان الأمر بمنزلة فتح الصنبور عن آخره؛ إذ تجاوز الناس ست كلمات، وقدموا قصصا تراوحت بين بضع جمل ومقالات طويلة وعميقة وكاشفة.
فثمة رجل من أوهايو أمضى جل حياته بوصفه الأميركي الوحيد من أصل إفريقي في قاعة الدرس وفي العمل. قال إنه كان يُنظر إليه على أنه "مأمون الجانب" و"لا يُشكل تهديدًا"، لكنه قال إنه كان في السر "يستشيط غضبًا".
وثمة امرأة ترعرعت في كولورادو حيث حُذِّرَت ألا تتحدث مطلقا عن تراث جدتها من شعب "تشوكتو" خشيةً أن يُوشى بها فتُرسَل للعيش في محمية. كانت جدتها معتدّة بنفسها رغم الكراهية والتمييز في البلدة، ونقلت في كنف البيت حكايات عن أسلافها من شعب "تشوكتو"، وهي الحكايات التي نعتز بها اليوم.
فجأة، تدفق نهر من الإنسانية تجاهي متحديا افتراضاتي الأساسية أن الناس يخشون التحدث عن العِرق بصراحة.
لقد كانت أمي تكره بشرتي القاتمة
أنا بيضاء لكني لست سطحية تافهة
أنا مكسيكية حين يكون ذلك مناسبا
خلال مدة المشروع، أرشفنا ما يزيد على 500 ألف قصة من الولايات الأميركية الخمسين كلها ومن نحو 100 بلد وإقليم. تَلقَّينا قصصا من أماكن نائية يغلب فيها تركيزُ الناس على الإثنية والدين والطبقة أكثر من تركيزهم على العرق. مع ذلك، يدرك الناس القوى الكامنة وراء ألفاظ من قبيل: السلطة والنبذ والانتماء والخوف.
تزامنت بداية المشروع مع أحداث وتوجهات هزت النظام الاجتماعي الأميركي: عائلة سوداء في البيت الأبيض، وتحولات جذرية في المواقف إزاء زواج المثليين وقضايا مجتمع "الميم"، وتبعات الحادي عشر من سبتمبر، والتغيرات السكانية التي تجلت بوضوح في الإعلانات، وفي الحشود بمراكز التسوق، وفي التلاميذ المسجلين بالمدارس، وفي الولايات حيث تراجعت فئة السكان البِيض من غير الأصول اللاتينية إلى وضع أقلية (ست ولايات حتى الآن والرقم مرشح للارتفاع).
عادة ما تنبع النقاشات الوطنية حول العرق بالولايات المتحدة من أحداث كبرى قوية الصدى، من قبيل: مناظرات طاحنة حول الهجرة؛ شخص جسور يكسر حاجز اللون؛ عبارة كراهية كُتِبَت على واجهة مَتجر؛ عَلم كونفدرالي يرفرف في الهواء متحديًا؛ نُصب تذكاري كونفدرالي يهوي إلى الأرض. لكن ثمة خصوصية في القصص التي يميل الناس إلى روايتها في إطار هذا المشروع. أجل، ثمة إشارات مباشرة إلى العبودية، والتمييز الإيجابي، وأول رئيس أميركي أسود، وضروب الأشياء التي تضمها كتب التاريخ وعناوين الأخبار. لكن الناس غالبا ما يتحدثون عن أطفالهم وزملاء العمل، عن حيهم أو كنيستهم، عن الطريقة التي يستجيب بها العالم للكنتهم أو تقاليدهم أو أحجام أجسامهم.
هناك قصص كثيرة عن نساء يُعتقد خطأً أنهن مربيات لأنهن لا يشبهن أطفالهن متعددي الأعراق، وقصص كثيرة من رجال سود يرون غرباء يقرّبون حقائبَهم إليهم أثناء دخول مصعد أو المرور بمحاذاتهم في الشارع، وقصص كثيرة من أشخاص بيض يؤكدون أنهم لم يمتلكوا قَط عبيدا وأنهم سئموا تحسيسهم بالذنب إزاء ماض لا يعني حياتهم مباشرة.
فضلا عن ذلك، سمعنا حكايات كثير من العوائل الراغبة في أن يُنظر إلى أطفالها بصفتهم أميركيين "كاملين" أو "حقيقيين". صحيح أن هدفها واحد، لكن تعريفها لماهية أميركي "حقيقي" يختلف. كما تغير الأمر منذ بدأتُ هذا المشروع؛ إذ تغيرت التركيبة السكانية على نحو وضع أميركا على مسار تصير فيه أقليات اليوم أغلبية.
ورغم أننا نعمل تحت شعار "مشروع بطاقة العِرق"، أرسل إلينا كثير من الناس حكايات لا تمت بصلة للون البشرة أو العِرق أو الإثنية التي أشَّروا عليها في الإحصاء. إذ تمحورت حكاياتهم حول الخدمة العسكرية أو التوجه الجنسي أو الإعاقة أو لون الشعر.
كيف لطفلك الرضيع شَعر بلون أحمر؟
كنتُ بحبائل شَعر؛
الآن أعرف أكثر
أشد شقرة من أن أُصنَّف "عِرقيً
بالإضافة إلى التحقيق في مفهوم العلامات المنفرة Aposematism، تعزز الدراسة الجديدة فكرة أن شخصيات الحيوانات من الفصيلة ذاتها تتفاوت ضمن مجموعاتها فعلى سبيل المثال، تم رش أحد ذئاب القيوط الذي يتسم...
هل تقول قطتك "أحبك " أم تقول "أريد الطعام"؟ هذا التطبيق الجديد المدعوم بالذكاء الاصطناعي يتعهد بتفسير ما تقوله القطط
يدحض بحثٌ جديد الافتراض السائد منذ فترة طويلة بأن مزيج ألوان الظربان -الأبيض والأسود- هو ما يدفع الحيوانات ومن ضمنها القيوط للابتعاد عنها