حازت الدكتورة "رفيعة غباش" جوائز عديدة تقديرًا لجهودها ودورها الريادي في النهوض بالمرأة في العالم العربي، ومن أبرز تلك الجوائز "إنجاز المرأة في الشرق الأوسط في مجال التعليم" عام 2002، ولقب "السيدة الملهمة" من قبل "جائزة المرأة العربية" عام 2015.
تُعدّ الدكتورة "رفيعة غباش" أول امرأة إماراتية تتخصص في الطب النفسي، وذلك عام 1984. وهي أول امرأة تتولى عمادة "كلية الطب والعلوم الصحية" لدى "جامعة الإمارات العربية المتحدة" عام 1999، وتترأس "جامعة الخليج العربي" في البحرين عام 2001. وبعد رحلة حافلة بالإنجازات امتدت زهاء ثلاثة عقود، تركت غباش العمل الأكاديمي والرسمي، حتى تتفرغ لمشاريعها الثقافية والتراثية، والتي كان من أبرز ثمارها تأسيس "متحف المرأة" في دبي، وإصدار "موسوعة المرأة الإماراتية" التي تعرض سيرة نحو 1000 امرأة إماراتية سجلن حضورهن في مجتمع دولة الإمارات على مرّ أكثر من قرن ونيف بمختلف مجالات الحياة.
ما مصادر قوة المرأة الإماراتية؟
إن أهم مصدر لقوة المرأة الإماراتية وأولها هو إكرامها في المجتمع، إذ إنها قُدِّرت أحسن تقدير في مجتمعها؛ فالمرأة التي تُكرم بهذه الصورة تكون أكثر ثقة بنفسها وجديرة بالاحترام. أما ثانيها فهو أن مجتمعنا المحلي نشأ على دين قويم، أساسه الأخلاق والقيم والثوابت التي عززت دور المرأة ومكانتها. أما ثالث المصادر فهو قوة شخصية المرأة التي مكنتها من مواجهة ظروف معيشية صعبة للغاية في الماضي، خاصة عند غياب الرجل أثناء رحلات الغوص الطويلة أو السفر للتجارة؛ وهي ظروف صقلت منها شخصية تمتاز بالحكمة والخبرة في تدبير أمور منزلها.
ما أهم تحدٍ تواجهه النساء حاليًا في المنطقة العربية عمومًا؟
لا يمكننا جمع النساء العربيات في خانة واحدة للإجابة عن هذا السؤال؛ فنساء العالم العربي ينقسمن إلى ثلاثة أقسام هي: أولًا مصر والسودان وبلاد الشام، ثانيًا بلدان المغرب العربي، والقسم الثالث منطقة الخليج العربي. ونظرًا للوضع السياسي والاقتصادي لكل مجتمع عربي، يصعب علينا حصر التحدي الخاص بكل قسم. ولكن في العموم، ما يواجه المرأة العربية هو التحدي الاقتصادي؛ إذ إنها تبذل جهدًا كبيرًا في مساعدة رب الأسرة في تحسين المستوى المعيشي، عــلى حســاب التزاماتها الأسرية الأساسية.
ما أكبر عائق يواجه النساء في منطقة الخليج العربي وتحديدًا الإمارات؟
لا نستطيع الجزم الآن بأن هناك عوائق كبيرة أمام المرأة الخليجيــة، فكــل دولـة أسسـت تجربتها الخاصة منذ عقود طويلة وعـززت فيهـا المـرأة حضـورها المكثف. ففي دولة الإمارات، مكّنت حكمة المغفور لهما بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وأخيه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم المرأة من تجاوز كل العوائق. على سبيل المثال، أسهم الخطاب الإعلامي الذي يسير وفق نهج القيادة الرشيدة للبلد، في تغيير العقلية المترددة في دعم المرأة الإماراتية وتقبل أدوارها الجديدة خاصة بعد قيام الاتحاد بين الإمارات السبع.
ما المطلوب للتغيير إلى الأفضل خلال الأعوام العشرة المقبلة؟
في منطقة الخليج العربي لا نحتاج إلا قليلًا لنغير من وضع المرأة. أمـا في العالم العربي عمومًا فلابد من التعليم، وهـنا لا أقصد التعليم الأكاديمي فقط، بل التعليم الذي يُكسب صاحبه عقلًا مرنًا دائم الانفتاح على المعارف، يفكر ويحلل ويطرح الأسئلة. وهـذه هي البوصلة الصحيحة لعـالمنا العـربي عمومًا، نسائه ورجاله. إذ متى ما توفر التعليم المتطور، سيكون المستقبل مختلفًا وأكثر إشراقًا للجميع.
بماذا تنصحين فتيات اليوم؟
على الفتيات أن يقضين وقتًا أطول مع الآباء وخاصة الأجـداد؛ فـهذا القـرب الاجتمـاعي ينقـل إليهـن تجـارب وخبـرات لا يمكـن دراستها بالجامعات أو قراءتها في الكتب أو حتى مشاهدتها اليوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي. كما عليهن الحفاظ على القيم والثوابت المجتمعية التي هي القوة الدافعة لحماية الأوطان من الداخل. ومن المهم جدًا حضور اللغة العربية في أحاديثهن، فلا يمكنني أن أتخيل وضع الجدات اليوم وهن لا يفقهن حديث أحفادهن من الأطفال أو الشباب.
ما اللحظة الفارقة في حياتك؟
عند الحديث عن اللحظات الفارقة في حياتي الشخصية، من الصعب أن اختزلها في لحظة واحدة؛ فكل تجربة ومرحلة كانت لحظة فارقة. بداية تلك اللحظات، ذهابي إلى جمهورية مصر العربية للدراسة؛ فأنا كنت أحلم بعالم مصر الذي قرأته في الروايات والإنتاج الأدبي والثقافي الغزير. لا يعرف جميع الناس قيمة مصر وكيف لها أن تشكل عقل المرء السياسي والأدبي وذوقه الرفيع، على شرط أن يجد من يساعده في ذلك ويوجهه التوجيه الصحيح.
شكلت دراستي الطبَّ نقطةً محورية في حياتي، إذ قررت دخول هذا المجال وأنا لست مؤهلة لذلك؛ فجميع أهلي وأصدقائي كانوا يعتقدون أني سأكون صاحبة قلم وكاتبة ومتحدثة. وقد قالت لي أمي حين علمت بقراري ذاك: "ما حاجتك إلى الطب؟ ظننتُ أنك ستدرسين السياسة وعلومها". أجبتها أني أريد دراسة الأصعب وأتحدى هذا المجال العلمي لاكتشاف أسراره. ولكن ثمة في الحياة تنبؤات قد تصدق أحيانا؛ إذ قالت معلمتي "فاطمة" -التي درستني القرآن الكريم في صغري- للأهل والجيران: "ستشاهدون يومًا ما رفيعة وهي تهبط من الطائرة حاملة معها حقيبة الطبيبة". ويمكنني القول إن دراسة الطب هي اللحظة الأكثر تأثيرا بالنسبة إلي، إذ دخلت عالمًا لا يطاق من الألم. لم أكن أشعر بالمعرفة بقدر ما كنت أتألم لرؤيتي استباحة جثة شخص ميت يتم تشريحها أمامي لتعليم الطلبة.
وكُتب لي أن أعيش لحظات فارقة أخرى، فحينما سافرت إلى المملكة المتحدة لإكمال رسالة الدكتوراه، شعرت هناك أن رفيعة أصبحت باحثة وطبيبة، وأنها تتجه لأن تصبح عالمة في تخصصها؛ إذ توفرت البيئة العلمية التي أهلتني لهذا الدور، وأحسست حينها وكأني أغوص في بحر من العلم لا أريد مبارحته. كنت آنذاك أحضر كل دورة أو ورشة تدريبية، فالعلم هو بستاني الذي لم أشبع منه حتى اليوم؛ ففي الوقت الحالي لا يمكنني أن أنام من دون سماع محاضرة من أي مكان في العالم عبر هاتفي الذكي.
لا يمكنني نسيان عمادتي كلية الطب بجامعة الإمارات، التي جاءت بشكل غير متوقع. هذه التجربة جعلتني رائدة في المجال الأكاديمي، وألقت على عاتقي مسؤولية جسيمة في الجامعة الوطنية الأولى بدولة الإمارات؛ فلا مجال للتهاون في تطبيق القوانين، وعليّ أن أعمل لتغدو هذه المؤسسة الأكاديمية ضمن أفضل الجامعات العالمية. كما شكلت رئاستي "جامعة الخليج العربي" بالبحرين نقطة فارقة كبيرة، فهناك كنت أتمتع بالاستقلالية الإدارية الكاملة في كافة قراراتي المتعلقة بهذه الجامعة الإقليمية، التي كانت تحت إشراف ست وزارات خليجية للتعليم العالي، وكان عليّ أن أكسب الدعم والتأييد حتى تستمر هذه الوزارات في دعمها للجامعة. وأعتقد أني نجحت في مسعاي.
مثلت تجربتي في البحرين التحدي الأكبر في حياتي. وقد عشت هناك في مجتمع محب وكريم ومتواضع، وشغوف كذلك بالثقافة التي تأصلت فيه عبر الزمن. فلقد اهتم هذا البلد بمعالمه وبيوته الشعبية القديمة، وحولها إلى وجهات ثقافية وسياحية، وقد زرع هذا الشغف بالتقاليد في نفسي بذرة "متحف المرأة".
لكن اللحظة الفارقة الأشد في حياتي، كانت وستبقى رحيل والدتي "عوشة بنت حسين"، إذ كانت سقفا يحميني ومنارة ترشدني. لم تكن أمًا فحسب، بل كانت معلمة وصاحبة فكر وتجارة أيضًا. كانت تناقشني في كل ما أكتبه وتحاورني دائمًا حول مقالاتي الصحافية. وأذكر جيدًا حينما ترأست "الجمعية النسائية" في دبي، عندما شكوت إليها قلة الحضور في الأمسيات والمحاضرات، وإذ بي في اليوم التالي أتفاجأ بسيدة معها حشد من نساء الحي يجوب أرجاء الجمعية.. فكانت تلك هي أمي.
حدثينا عن موسوعة المرأة الإماراتية. كم تطلب الأمر من وقت وجهد لإنجازها؟
في واقع الأمر، كلما سُئلت عن هذه الموسوعة، من أين بدأت فكرتها وما الغاية منها، لا يمكنني إلا أن أُشير في إجابتي إلى أساس العمل وفكرته التي نبتت من البحرين.
فأنا كنت أُداعب حلمًا قديمًا يراودني بين الفينة والأخرى، حلمًا ارتبط بمكان كان يقيم فيه أهالي إمارة دبي في القرن الماضي، حيث كانت الأسرة الحاكمة وبعض القبائل العربية تقطن منطقة "بر دبي" الممتدة على خور المدينة، فيما العدد الأكبر من السكان يقطن في منطقة "ديرة"، حيث يوجد "متحف المرأة" اليوم. وُلدت في ديرة وترعرعتُ فيها وتعلمت في مدارسها ولعبت وسط أحيائها وعشت مع أناسها، الذين جمعتهم العلاقات الإنسانية والأصالة والمحبة والتراحم في ما بينهم؛ وهي سمات اتصف بها مجتمع الإمارات قاطبة.
ومع تطور الحياة في دبي وقيام نهضتها الحديثة على يد المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم -رحمه الله- امتدت المدينة، ونما اقتصادها وتوسع خورها وعظمت تجارتها وموانئُها.
وقُبيل قيام اتحاد دولة الإمارات انتقلت عائلتي إلى منطقة أخرى تسمى "الحمرية"، لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن بيتنا القديم في ديرة، إلا أنني شعرت وكأني انتُزعت من حي جميل، حيث قضيت سنوات تعليمي في المدرسة. كل هذه الذكريات بقيت حاضرة في عقلي وقلبي كذلك، وواظبت على زيارة المكان ومشاهدة ما يجري من تغير في بعض الشوارع والسكيك (كلمة باللهجة الإماراتية مفردها سكة، وتعني الممرات الضيقة بين البيوت)، وأتفقد الأماكن وما تبقى فيها من أشياء قديمة. هنالك شَهِدتُ اختفاء بعض التفاصيل الدالة على أننا كنا هناك يومًا ما. حينها قلت في نفسي: سأُعيد الناس إلى هذه السكيك وأجعلهم يتعرفون إلى ماضيهم حيث عاش أجدادهم وكبروا.. وبقي هذا الحلم ضيفًا صديقًا يزورني باستمرار.
وحينما عملت في البحرين، حضر حلمي القديم بقوة، إذ كنت شاهدة على أجمل تجربة تقودها امرأة؛ وهي "مي محمد آل خليفة"، رئيسة "هيئة البحرين للثقافة والآثار" حاليًا، في استعادة تاريخ بلدها من خلال إعادة ترميم البيوت القديمة، خاصة تلك التي عاشت فيها الرموز الفكرية والثقافية من النساء والرجال. ظل هذا الحلم القديم يحل ضيفا عليّ كل مساء. ومع اقتراب نهاية رحلتي العملية بالبحرين، علمتُ بوجود بيت قديم في دبي للبيع. وما إن زرته حتى تذكرته؛ فلقد كانت والدتي ترسلني إلى أهله حاملة معي ما تجود به من هدايا لهم. كنا نسميه "بيت البنات". ومن هنا انطلقت شرارة الفكرة وأوحت لي بتحويل هذا البيت إلى مشروع خاص يحتفي بالمرأة في الإمارات. ثم تساءلت ما الذي سأقدمه في هذا المتحف! وما هي الشخصيات وما هي المجالات التي سوف أستعرضها عبر زوايا هذا البيت وقاعاته؟
تذكرت حينها والدتي ومحيطها من النساء اللائي شاهدتهن في صغري، إذ تعددت الأسماء النسائية وتعددت مجالات عطائهن ونجاحهن، سواء في التجارة أو الآداب وغير ذلك.
انطلقتُ برفقة الدكتورة "مريم لوتاه"، أستاذة العلوم السياسية بجامعة الإمارات، وبعض الأصدقاء والشباب الطامحين، في رحلة البحث والتجهيز للمتحف، حتى اكتمل بناؤه واستقبل الزوار. لكن العمل لم يبلغ نهايته بعد، بل بدأ من المتحف للاحتفاء بمنجزات المرأة الإماراتية. إذ شاركتني لوتاه في الكتابة عن نساء بلدنا منذ بداية القرن الماضي وحتى وقتنا الحاضر. فكل إماراتية برزت وتميزت وتفردت، تم تدوين اسمها وعملها عبر موسوعة شاملة تؤرخ سيرتها.
لقد كان البحث عن المصادر والمراجع الموثوقة مهمة شاقة؛ إذ كانت المقابلات الشفاهية مع الرواد، والمعلومات في الكتب، وأرشيف المجلات خير معين على الموسوعة. ومع كل لقاء كنا نكتشف امرأة جديرة بالاهتمام والتوثيق، وكأنه باب يفتح الأبواب للتعرف إلى رائدات إماراتيات لم يسجلن حضورهن وإنجازاتهن في المجتمع المحلي فحسب؛ بل وعلى المستوى العالمي أيضًا.
بدأت مياه بحر آرال بالجفاف قبل 60 سنة مخلفةً وراءها صحراء مُجدِبة. ما الدروس المستفادة من هذه الكارثة البيئية، وكيف نتجنب وقوعها في أجزاء أخرى من العالم؟
أعلنت محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية عن نجاحها في إعادة توطين الحمار البري الفارسي في المملكة، مُسجلةً بذلك عودة هذا النوع إلى أحد موائله الفطرية بعد غيابٍ امتد لأكثر من قرن.
ما بين الرفاهية والمغامرة، إليك 10 وجهات وتجارب فريدة نرشحها لك في العام المقبل