:عدسة روبرت كلارك
1 June 2016
سُجِّيت السيدة ذات الباروكة المخططة والعينين المحدقتين على طاولة أُلقِيَ عليها ضوء ساطع، فيما مررت البروفيسورة "سارة باركاك" راحة يدها قريبا من وجه السيدة، هامسةً بالقول "إنها في حالة جيدة.. ومحفوظة بعناية فائقة".
ثم فحصتْ بنظرتها جثةَ هذه الضحية وأشارت إلى جرح حديث أعلى الفخذين. كان غطاء التابوت الداخلي يحمل صورة صاحبته ورسوم الإله آمون وطائر أبي منجل وتعويذات سحرية من "كتاب الموتى". قالت باركاك إن "اسمها '"شيسيب آمون تيشير"'، وصِفتها 'سيدة البيت'؛ وإنّي اليوم إذْ أقرأ كل هذا جهراً، إنما أحقق أمنيتها في الخلود في الحياة الأخرى".
تُوفيت هذه النبيلة المصرية قبل نحو 2600 سنة. وتقوم باركاك -عالمة مصريات لدى "جامعة ألاباما" في مدينة برمينغهام الأميركية- بفحص تابوتها الداخلي، وهو ثالث ثلاثة صناديق خشبية متداخلة كانت فيما مضى تضم جسدها المحنط الذي علقت رائحته بالتابوت. كان اللصوص قد قطعوا التابوت بالمنشار إلى أربعة أجزاء، نقلوها بالبريد الجوي إلى الولايات المتحدة حيث جَمَّعها مُرمِّمُ آثار. وبعد شهور، عثر عملاء الجمارك الأميركيون على التابوت مخبأ في بيت تاجر آثار في حي بروكلين بنيويورك، حيث أودعوه في مخزن سري تحتفظ فيه السلطات الفدرالية بالتحف الأثرية المصادَرة من مختلف أنحاء العالم: تمثال بوذا حجري عملاق من الهند، وجيوش تيراكوتا الطينية من الصين، وقطع منقوشة من العراق وسورية واليمن.. والتي انتشلتها من مواطنها الأصلية أيدي تجار الآثار، إذ وقعت ضحية للمعركة العالمية حول التراث الثقافي.
إن اللصوص الناهبين ما فتئوا يدمرون ماضي البشرية.. من القتلة ناهبي المعابد في الهند، إلى سُرَّاق الكنائس في بوليفيا، مرورا بعصابات نهب القبور في الصين. يصعب تحديد مدى النهب -شأن جل الأنشطة غير القانونية- لكن صور الأقمار الصناعية ومحجوزات الشرطة وإفادات الشهود في الميدان، تشير كلها إلى ازدهار تجارة الكنوز الأثرية المسروقة حول العالم.
كانت باركاك رائدة في استعمال صور الأقمار الصناعية في مصر لقياس مستوى النهب والأضرار الناجمة عن الزحف على المواقع الأثرية. وتمخض بحثها عن خلاصة حزينة مفادها أن ربع المناطق الأثرية في البلاد -البالغ تعدادها 1100 موقع- تعرضت لأضرار فادحة. تقول: "إذا استمر النهب بالوتيرة الراهنة، فإن التدمير سيطال كل المواقع المعروفة بمصر في أفق عام 2040. وإنَّ القلب لينفطر لذلك!".