لا يُعرف عن مرض طفيلي يصيب نحو 300 ألف شخص في الولايات المتحدة إلاّ النزر القليل. والسبب.. هو أن المرض مرتبط بالفقراء.
نشأتُ مصدّقةً أن عمتي كادت تموت نتيجة أكل تفاحة مسمومة في أميركا الجنوبية. فاستنادًا إلى روايات عائلتي، كانت التفاحة ملوّثة، أو ربما كانت هناك حشرة تمشي عليها فلدغت عمتي، "تيا دورا". وبصرف النظر عما حدث بالفعل، فإن ما فهمَته عائلتي كان على النحو التالي: أن طبيبًا في نيويورك كان قد اكتشف أن عمتي مصابة بداء "المثقبيّات الأميركي" -الشائع باسم "شاغاس" (Chagas)-، ما عنى احتمال أن تموت عمتي الحبيبة بسببه. لم نطرح حينها أي أسئلة؛ إذ لم تكن الإنجليزية لغتنا الأولى. كان والدَاي يعملان حينها في مصانع. وتولّينا العناية بعمتي كلما دخلت المستشفيات وخرجت منها على مرّ عقود. وعندما دنوتُ من سن الأربعين، أُدخلت "تيا دورا" المستشفى في إحدى الليالي على عجل. وبعد أسبوع، وافتها المنيّة. كانت آنذاك في التاسعة والخمسين من عمرها، وظننتُ حينها أن داء شاغاس مرضٌ نادر. لكني كنت على خطأ.
داء شاغاس هذا (الذي يدعى هكذا نسبةً للطبيب البرازيلي الذي اكتشفه عام 1909) أكثر انتشارًا اليوم في الولايات المتحدة من فيروس "زيكا". وفي نصف الكرة الغربي، فإن أعباء داء شاغاس تكاد تعادل ثمانية أضعاف أعباء داء الملاريا.
ويبلغ عدد الذين يُـتوفَّون سنويًا من جراء داء شاغاس نحو 10 آلاف شخص. وتُقـدّر "مراكز مكافحة الأمراض واتقائها" الأميركية (CDC) أن نحو 300 ألف شخص ممن يعيشون بالولايات المتحدة مصابون بهذا المرض. وكثير من هؤلاء، كانوا قد نشؤوا في مجتمعات محلية فقيرة في أميركا الجنوبية أو أميركا الوسطى أو المكسيك، كحال عمتي. وقليلٌ من هؤلاء يعلمون أنهم مصابون بداء شاغاس، لأن الطفيلي الذي يتسبب فيه -ويدعى "المثقبية الكروزية" (Trypanosoma cruzi)- هو كائن مجهري خدّاع.
ويُنقل هذا الطفيلي إلى البشر بحشرة من عائلة "الفسافس" تدعى "البق المقبِّل". صحيحٌ أنه يمكن في الغالب معالجة الداء والشفاء منه في المرحلة الحرجة، لكن من المؤسف أنه لا يُكتشف ويُعالَج إلا لدى أقل من 1 بالمئة من أولئك المصابين به. ويمكن للطفيلي أن يعيش في الجسم طوال عمر الإنسان من دون أي أعراض، لكن قلوب ما بين 20 و 30 بالمئة من المصابين ستتأذى منه. وتشمل بعض مشاكل القلب ذات الصلة بداء شاغاس: النبض غير المنتظم للقلب، والتمدّد الدموي للبطين الأيسر، بل وحتى القصور القلبي.
وما لا يقل عن ذلك إثارةً للخوف هو الحقيقة التالية: فالمثقبية الكروزية تستطيع الانتقال عبر المشيمة. ويُقدَّر عدد الأطفال الذين يولدون سنويًا في الولايات المتحدة مصابين بداء شاغاس بـ 315 طفلاً. وهؤلاء برأيي "أطفالٌ رُضَّعٌ بلا أسماء"، لأن مسؤولي الصحة لا يعرفون هويّتهم؛ إذ إن النساء الحوامل لا يُفحصن بصورة دوريّة في الولايات المتحدة لكشف احتمال إصابتهن بداء شاغاس.
لتتمكن من قرأة بقية المقال، قم بالاشتراك بالمحتوى المتميز