بحثًا عن سُحُب نظيفة
قد يقول قائل: "كيف لمجموعة ملفات شخصية محفوظة سحابيًا كل هذا الأثر السلبي في كوكبنا؟".
عند الحديث عن الحوسبة السحابية (Cloud Computing)، قد لا يُدرك كثيرون مدى متطلبات هذه الخدمة وما تستهلكه من طاقة. ذلك أن هذا المصطلح، الذي استُحدِث لأغراض ترويجية بالمقام الأول، لا يوحي بوجود بِنية تحتية مادية ملموسة، شأنه كشأن الذبذبات والتقنية اللاسلكية. والحال أن لهذه الخدمات نصيبها من البصمة الكربونية، والذي يتراوح ما بين 2.5 و3.7 بالمئة من الانبعاثات على مستوى العالم. قد يقول قائل: "كيف لمجموعة ملفات شخصية محفوظة سحابيًا كل هذا الأثر السلبي في كوكبنا؟". أولًا، المسألة أكبر من مجرد ملفات؛ فهذه الخدمة تشكل الحجر الأساس للكَمّ الهائل من الخدمات الرقمية المتنوعة التي ما فتئت ترسم ملامح نمط حياتنا العصري. ثانيًا، إن ضمان استمرارية الخدمة يتطلب حفظ تلك البيانات وتنقلها عبر شبكة من مراكز البيانات في مناطق جغرافية مترامية؛ مما يتطلب كمًّا هائلًا من الطاقة. لستُ بتاتًا ضد كل ما هو سحابي، بل على العكس، فأنا أعتمد كثيرًا على الخدمات السحابية سواءً على المستوى الشخصي أو المهني؛ ولولاها لما استطعت التحكم بملفاتي الرقمية أينما ذهبت. لكني أُدرك تمامًا أن لهذه الملفات نصيبًا من استهلاك الطاقة؛ لذا أتعامل معها بلا "تبذير". إذ أحذف منها ما هو غير ضروري، من خلال عملية دورية من الجرد والفرز والتمحيص. وهكذا أصنفها إلى ثلاثة أصناف: "آني ضروري" و"أرشيفي" و"للحذف". للصنف الأول أهمية قصوى لِما يحويه من بيانات قيّمة لدي؛ لكن ذلك لا ينقص من قيمة الصنف الأرشيفي والذي "أزوره" من حين إلى آخر وأخطط لطباعة كثير من محتوياته، لا سيما الصور، للإفراج عنها من "المُعتقل الرقمي السحابي". ففضلًا عن الطابع التاريخي والتوثيقي -والعاطفي أحيانًا- للأرشيف، فإنه يكون مُنقِذنا وملاذنا الأخير حين يتعلق الأمر بالحصول على معلومات أو بيانات معدومة في منصات أخرى. ويُعد الرجوع إلى الأرشيف من الممارسات الرائجة لدى ناشيونال جيوغرافيك؛ وذلك ما تجدونه عبر سفر فوتوغرافي حالِم في تحقيق عن "الأوتوكروم" بعددكم مجلتكم هذا. سافرَت تلك الصور الأرشيفية عبر سُحُب شتى قبل أن تصل إليكم؛ وأكاد أجزم الآن أن بصمتها الجمالية قد تُنسي بعضَكم بصمتَها الكربونية. فهل من سُحُب رفيقة بالبيئة؟
أرجو لكم قراءة ممتعة!