كل الطرق تؤدي إلى روما
تَبلور شغفي بالطرق مع اهتمامي بالتوثيق للنمو العمراني عمومًا، وطريق (E11) في دولة الإمارات العربية المتحدة، خصوصًا.
"مرحبًا حسين. يؤسفني إخبارك أن تجربة 'طريق أَبّْيا' قد أُجِّلت ليوم غد بسبب سوء الأحوال الجوية". أحزنتني رسالة منظِّم الرحلة لمّا كنت في روما مؤخرًا؛ إذ لم يكن قد تبقّى من رحلتي تلك سوى يومين اثنين كانا حافلين بنشاطات أخرى. ولعلكم تتساءلون ما "طريق أَبّْيا" هذه!؟ أهيَ مَعلم سياحي آخر على شاكلة "الكولوسيوم" أو "البانثيون" في مدينة روما؟ تقتضي الإجابةُ معرفةَ أهمية "الطرق" الثقافية والتجارية على مر العصور.
تَبلور شغفي بالطرق مع اهتمامي بالتوثيق للنمو العمراني عمومًا، وطريق (E11) في دولة الإمارات العربية المتحدة، خصوصًا. لدى هذه الطريق مسميات أخرى شائعة، وهي تنطلق شرقًا من الحدود العُمانية في إمارة رأس الخيمة، منتهيةً غربًا عند الحدود السعودية في "الغويفات" بإمارة أبوظبي. أسهمت (E11) في تنمية عمرانية بالمدن التي تَعبرها، فضلًا عن أهميتها في تكوين الإطار العمراني للدولة ككل.هناك طرق أخرى ذات باع في تشكيل الهوية الوطنية لكثير من الدول، لعل أشهرها "طريق 66" في الولايات المتحدة، التي حظيت بمكانة معتبَرة ضمن الثقافة الشعبية الأميركية. وقبلها بقرون، نشأت "طريق الحرير" التي تعدى تأثيرها الاقتصادي والثقافي دولة واحدة، وهي اليوم تشكل مصدر إلهام لِـ"مبادرة الحزام والطريق".
لِنعُد الآن إلى الرومان، الذين وظفوا قدراتهم الهندسية لتوسيع نطاق إمبراطوريتهم. إذ يُعد نظام الطرق الذي ابتكروه -وعلى رأسه "طريق أَبّْيا"- من السبل التي مكنتهم من بسط نفوذهم على بقاع تجاوزت حوض البحر المتوسط. تقرؤون في عددكم هذا مزيدًا عن "أَبّْيا" التي اختفت عن الأنظار منذ قرون عديدة، ليعكف الباحثون اليوم على بث الحياة فيها مجددًا على امتداد نقاط متفرقة.
نترك "طريق أَبّْيا" لنُبحر معكم إلى مرفأ بيروت، الذي كانت صوامع الحبوب فيه صمّام أمان غذائي لأهل المدينة خصوصًا ولبنان عمومًا.. قبل أن يُبتَلى المرفأ بانفجار كاسح قاتل حطم كثيرًا من الآمال. واليوم يتطلع أهل لبنان لاستعادة بصيص من ذلك الأمل رغم كل الصعاب.. كي "تستمر الحياة". أرجو لكم قراءة مفيدة.