بعضهم كان بطلًا؛ وبعضهم الآخر كان ضحية؛ وفريق ثالث منهم حارب لأجل فاشيّين سعوا إلى السيطرة على العالم. وإذْ أخذ جيلهم يتلاشى من الوجود بعد مضي 75 عامًا على توقّف القتال، فإن ذكرياتهم ما زالت مؤثرة في الوجدان.. كما كانت دائمًا.
قبل خمسة وسبعين عامًا، كانت الحرب الأوسع نطاقًا والأشد فتكًا وتدميرا في التاريخ تتهيّأ لوضع أوزارها. وكانت تسميتها بـ "الحرب العالمية الثانية"، اسمًا على مسمّى: فلقد كانت حربًا دولية يجابه فيها "الحلفاء" (وهم الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والصين وحلفاؤهم الأصغر) ألمانيا واليابان وإيطاليا وغيرها من دول "المحور". وقد خدم في القوات المسلحة نحو 70 مليون رجل وامرأة، فشاركوا في أكبر تعبئة عسكرية عرفها التاريخ. لكن المدنيين هم أكثر من عانوا وأكثر من ماتوا. فمن بين قتلى الحرب الذين تُقدَّر أعدادُهم بـستة وستين مليونًا، فإن قرابة 70 بالمئة منهم (أي نحو 45 مليونًا) كانوا مدنيين، ومن بينهم ستة ملايين يهودي قُتلوا في "المحرقة". وقد شهدت الحرب اقتلاع عشرات الملايين من منازلهم وبلدانهم، فعاش كثير منهم في مخيّمات للأشخاص المهجّرين سنين طويلة بعد ذلك. ولم تكن عواقب الحرب بأقل إذهالًا من حجمها. فقد وضعت الأساس للعالم الذي نعرفه وعرفناه على مدى أكثر من سبعة عقود: من فجر العصر النووي، مرورًا بإنشاء دولة إسرائيل، إلى بروز الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي بوصفهما قوّتي العالم العظمَيَين المتبارزتين. كما أن هذه الحرب هيّأت تشكيل تحالفات دولية مثل "الأمم المتحدة" و"حلف شمال الأطلسي"، التي كان المراد منها جميعًا الحيلولة دون حدوث واقعة من هذا النوع مرة أخرى. ومع كل هذا، فإن وعي الجماهير بالحرب وتداعياتها التي لا يُسبَر غورُها قد تلاشى بمرور الزمن، حتى بات باهتًا كصورة فوتوغرافية أكل الدهر عليها وشرب. وفي الوقت نفسه، فإن أعداد الذين شهدوا أحداث الحرب مباشرة آخذةٌ بالتناقص. فوفقًا لإحصاءات الحكومة الأميركية، فإن أقل من 400 ألف من الأميركيين الـ 16 مليونًا الذين شاركوا في الحرب (أي 2.5 بالمئة منهم) كانوا ما يزالون على قيد الحياة عام 2019. ولكن، بفضل رغبة بعضٍ من أواخر الناجين في نشر قصصهم، فقد حظينا بهدية ثمينة، ألا وهي: فرصة استحضار الحرب والتركيز عليها مجددًا من خلال عيونهم. كان جلّ هؤلاء الرجال والنساء قبل الحرب لا يعلم شيئًا يُذكر عن العالم الذي يقع خارج مجتمعاتهم المحلية الصغيرة؛ إذ لم يكن لديهم حينها ولوج لوسائل الاتصال الفوري المتاحة اليوم مثل شبكة الإنترنت أو غيرها من الوسائل. ولمّا انتزعتهم الحرب من الأوساط التي نشؤوا فيها، فقد عرّضتهم لفيضٍ هائل من المواقف والخبرات الجديدة، وامتحنتهم بطرق ما كانوا يتخيّلوها يومًا. وقد وجد كثيرٌ منهم الإثارة في تلك التحديات.
وينسحب ذلك الأمر على "بِيتي ويب" التي كانت حينها في الثامنة عشرة من عمرها عندما استدُعيت للانضمام إلى العملية الأكثر سرّية في بريطانيا لحل الشِفرات، لدى قصر "بليتشلي بارك". وكانت ويب مجرّد ام