في النصف الأول من القرن التاسع عشر، كان من بين أبرز علماء أميركا طبيبٌ يُدعى "صامويل مورتون". عاش هذا الرجل في مدينة فيلادلفيا، وقد كان يجمع الجماجم.
كان مورتون لا يُدقِّق في هوية مورِّديه، إذ كان يقبل الجماجم التي يُؤتى بها من ساحات القتال والتي تُنتشَل من سراديب الموتى. وكانت إحدى أشهر الجماجم التي وضع يده عليها تعود لشخص أيرلندي كان قد رُحِّل إلى جزيرة "تسمانيا" بصفته مُداناً (وشُنق في نهاية المطاف لقتله مُدانين آخرين وأكله جثثهم). وكان مورتون يتبع إجراءً معيناً مع كل جمجمة؛ إذ كان يحشوها ببذور الفلفل الأسود (قبل أن يعمد في وقت لاحق إلى حشوها بخردق الرصاص)، التي ينزعها بعد ذلك للتأكد من حجم القِحْف الذي يحوي الدماغ.
ولقد اعتقد مورتون أنه يمكن تقسيم البشر إلى خمسة أعراق تمثل أنواعاً خلقها الله بشكل منفصل؛ وأن لتلك الأعراق خاصيات مميزة تتطابق مع المرتبة التي تُصنَّف فيها وفق تسلسل هرمي محدد من عند الله. وكان قِياسُ القِحْف -حسب مورتون- يُظهر بأن البِيض، أو "القوقازيين"، هم الأكثر ذكاءً من بين كل تلك الأعراق. أما الشرق آسيويون (كان مورتون يستخدم في وصفهم مصطلح "المنغوليون")، وعلى الرغم من كونهم "أذكياء" و"لديهم قابلية التعلم والتحضر"، فقد كانوا يصنَّفون في المرتبة الثانية ضمن التسلسل الهرمي المذكور. ثم يأتي بعدهم سكان جنوب شرق آسيا، يليهم الأميركيون الأصليون. ويقبع السود أو "الإثيوبيون" في أسفل الهرم. وسرعان ما لاقت أفكار مورتون القبول والاستحسان لدى المدافعين عن الرق خلال العقود التي سبقت الحرب الأهلية الأميركية (1865-1861).
وفي ذلك يقول "بول وولف ميتشل"، عالم الأنثروبولوجيا لدى "جامعة بنسلفانيا" الأميركية، الذي أراني تلك المجموعة من الجماجم التي تُحفظ حالياً في "متحف بنسلفانيا": "لقد أثّرت أفكاره في العديد من الناس، لاسيما في الجنوب الأميركي". عندها كنّا -أنا وميتشل- ننظر إلى قِحف يعود لرجل هولندي ذي رأس كبيرة؛ وقد أسهم هذا القِحف بتعزيز ما وصل إليه مورتون من استنتاجات بشأن قدرات الذكاء لدى القوقازيين. وعندما توفي الرجل عام 1851، أشادت به "دورية تشارلستون الطبية" التي كانت تصدر بولاية كارولينا الجنوبية؛ لكونه "وضع الزنجي في مقامَه الحقيقي بوصفه عِرقاً أدنى".
واليوم يُعرَف صاحبنا ذاك بكونه الأب الروحي للعنصرية العلمية. ويرجع أساس كثير من الأهوال التي شهدتها القرون القليلة الماضية إلى فكرة مؤداها أن عرقاً معيناً أقل شأناً من عرق آخر؛ حتى إن الاطلاع على مجموعة مورتون في المتحف يخلف في نفس الزائر شعوراً بالانزعاج البالغ. بل إن تلك الفكرة بلغت مستويات لا تبعث على الارتياح، إذ لا تزال بصمات التركة التي خلّفها مورتون واضحة للعيان مع ما نشهده اليومَ (في الولايات المتحدة وبعض الأقطار الأخرى) من تمييز عرقي يهيمن على السياسة والأحياء السكنية.. وحتى على وعي الناس بذواتها.
ذاك هو واقع الحال، على أن ما يخبرنا به العلم فعلياً عن العِرق هو عكس ما كان يدعيه مورتون. فلقد كان م
لتتمكن من قرأة بقية المقال، قم بالاشتراك بالمحتوى المتميز