نظام حِفظ ضارب في عمق الحضارة العربية، هدفه الأسمى صون الموارد الطبيعية ورعاية النُّظم البيئية لمصلحة المجتمعات المحلية.
في عام 1984، وفي خضم الحرب الأهلية اللبنانية، عزم شاب يافع على العودة من مهجره بالولايات المتحدة إلى موطنه لبنان.. سعيًا للحفاظ على النُّظم البيئية الفريدة والمهددة بشدة في هذا البلد. كان الهدف الأكبر هو صون التراث الطبيعي اللبناني والحيوانات البرية المهددة بالانقراض، والتي عدّها ذلك الشاب مِلكًا للعالم أجمع وليس لأهل لبنان فقط. كان ذلك الشاب "أسعد سرحال"، وهو اليوم المدير العام لدى "جمعية حماية الطبيعة في لبنان" (SPNL)، التي أسسها في أوج المحنة السياسية التي عصفت ببلده. وُلِد الرجلُ في قرية "كيفون" الواقعة لدى سفوح جبل لبنان حيث نشأ في كنف أب صياد كان حريصًا على أن يرافقه ابنه في رحلات القنص؛ مما أسهم في بداية تشكيل الشخصية "البرية" لسرحال. ولمّا اشتدّ عوده، قرر أن يكرس حياته لصون الطبيعة. هنالك شد الرحال إلى الولايات المتحدة ليَدرس علم البيئة وإدارة الحياة البرية في "جامعة ولاية أوكلاهوما"، وأنفق هناك أعوامًا من عمره لاكتساب الخبرة الميدانية. ثم عاد سرحال إلى حضن الوطن حاملًا معه زادًا معرفيًا زاخرًا، تاركًا وراء ظهره أسلوب الحياة الغربية ومُعانقًا ثقافته المحلية من جديد. فلقد ظلت هذه الأخيرة تَسكن الرجلَ وتؤطر كل تصوراته بشأن المنهج الذي ينبغي اتباعه في صون المشهد الطبيعي المحلي. لذلك أصبح الرهان لديه هو تسخير المعرفة الغربية الحديثة وتطويعها لتتلاءم مع الخصوصية المحلية. هنالك لمعت في ذهنه فكرة أصيلة تَصبّ في جوهر الحفاظ على الأرض ومواردها: الحِمى. يشير مصطلح الحِمَى باللغة العربية إلى "المنطقة المحمية أو المحرمة" والتي تكون مُخصصة للحفاظ على الثروات الطبيعية كالحقول والحيوانات البرية والغابات. لنظام الحِفظ هذا جذور ضاربة في عمق التاريخ وأصول ترتبط بشبه الجزيرة العربية حتى قبل ظهور الإسلام. وورد ذكر المصطلح في مؤلفات كثيرة من الأدب العربي والإسلامي القديم والمعاصر، وظلت ممارسة هذا النوع من صون الثروات الطبيعية تتطور في شبه الجزيرة العربية فاكتسبت مع مرور الزمن وضعًا تشريعيًا وقانونيًا زاد من فعاليتها وعدالتها وتوازنها. يضع نظام الحمى المسؤولية على عاتق الأفراد والمجتمعات المحلية، مما يجسد قوة التلاحم الاجتماعي، ويكرس فلسفة التعاون والتفاهم، حيث يسعى المجتمع لحماية ثرواته الطبيعية وتحقيق توازن حقيقي بين حاجاته وموارد البيئة. ولطالما أغفلت المحميات الغربية هذا المكوّن المحلي ذا المقاربة الشمولية تجاه تدبير المشهد الطبيعي؛ ولم تعد تأخذه في الاعتبار إلا حديثًا، وإنْ على سبيل التجربة هنا أو هناك. درَس سرحال مفهوم الحِمى وتعمّق في حيثياته ومدى إمكانية استيعابه للممارسات الحديثة في تدبير المحميات، حتى صار مرجعًا موثوقًا في هذا المجال. وهكذا أخذ على عاتقه إعادة إحياء الحمى في المنطقة العربية؛ على أن الهدف لم يكن سهلًا وكان يتطلب في البداية تجسيد المفهوم بنجاح على قريته ومن ثم على سائر بقاع وطنه، لا سيما في وجود القلاقل السياسية آنذاك. إلّا أن "حماة الحِمى
لتتمكن من قرأة بقية المقال، قم بالاشتراك بالمحتوى المتميز
هل يمكن استرجاع المعلومات التاريخية الحبيسة في الصفائح الجليدية القطبية قبل أن تذوب بالكامل؟