خللٌ في ساعة الطبيعة!

أمضى العالم "ديفيد إينوي" (أقصى اليمين، مرتديًا قميصًا بلون بنّي فاتح) 50 فصل صيف وهو يتتبع الزهور والطيور الطنانة والحشرات في المروج المرتفعة لدى "مختبر روكي ماونتن البيولوجي" في بلدة "غوثيك" المهجورة بولاية كولورادو. ففي هذا المكان، يَمد إينوي وابنه العالِم "بريان إينوي" شريط قياس في قطعة أرض بحثية، فيما يقوم علماء آخرون بتصنيف وفهرسة حقل من دوّار الشمس الرجراج.

خللٌ في ساعة الطبيعة!

أمسك "ديفيد إينوي" بالآلاف من الطيور الطنانة وطوّقها لتتبع حركات هجراتها وسلوكها. فقد اكتشف أن وصول الطيور الطنانة عريضة الذيل من المكسيك كان يتزامن في السابق مع إزهار الزنابق الجليدية التي تحتاج إلى رحيقها. ففي الوقت الحالي، غالبًا ما تبدأ الزنابق في التفتح قبل ظهور الطيور الطنانة.

خللٌ في ساعة الطبيعة!

تمُوج "جبال إلك"، التي نحتتها الأنهار الجليدية، بكَمّ هائل من الزهور في الصيف، إلى درجة أن هذه المنطقة تُعرف باسم عاصمة الزهور البرية في كولورادو. وقد صارت الأزهار تتفتح قبل أوانها بأربعة أسابيع مقارنة مع ما كانت عليه قبل 30 عامًا.

خللٌ في ساعة الطبيعة!

يعيش "بيلي بار" في غوثيك منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، حيث ظل في معظم ذلك الوقت بلا كهرباء أو مياه جارية، بل كان في بعض الأحيان القاطن الوحيد في الشتاء. ولمّا كان بار مهووسًا بالبيانات، فقد شرع في تدوين قياسات البيئة التي يعيش فيها، بما في ذلك عمق الثلج ودرجة الحرارة. وعلى الرغم من أن كوخه أصبح الآن مجهزًا بالطاقة الشمسية وصارت مُعدّاته أكثر تطورًا، فلا يزال يوثق لعناصر الطبيعة بانتظام.

خللٌ في ساعة الطبيعة!

تنتشر أحراج الحور الرجراج، كتلك الموجودة على طول طريق "روبي أنثراسايت تريل"، على نطاق واسع في أنحاء "جبال روكي" في كولورادو، حتى إنه يمكن للعلماء، من خلال ملاحظات تغير الأوراق، أن يستخلصوا رؤى بشأن تغير المناخ.

خللٌ في ساعة الطبيعة!

يتتبع فريق بقيادة عالمة البيئة "ريبيكا إيروين" (إلى اليسار، مع "جايد ماك لافلين) أوقات طيران الملقِّحات وتركيبة أعدادها المتغيرة في أحد المروج حيث تُصطاد بالشبكة أنواعُ نحل كثيرة لتوضع في قوارير بلاستيكية ويحدَّد صنفها وتُوسَم بالألوان تجنبًا للإمساك بها مرة أخرى.

خللٌ في ساعة الطبيعة!

منحدر ثلجي استمر حتى شهر يوليو في "حوض مارون الغربي" بولاية كولورادو، موطن الحقول المتموجة لنباتات العايق والأنقولية والكاستيلا والسنفية ضيقة الذيل. فقد انقلب توقيت الطبيعة رأسًا على عقب بفعل تغير المناخ؛ ما يتسبب في تقديم وقت ذوبان الثلوج الذي يوجه حركة مواسم الزهور البرية في الصيف، وإعادة ترتيب الحياة بطرق غير متوقعة.

خللٌ في ساعة الطبيعة!

تتفقد "إروين" بمختبرها في غوثيك صناديق النحل التي قام فريقها بجمعها وتثبيتها. فقد ساعدت إروين في التعرف إلى نحو 200 نوع من النحل المحلي؛ وكل نوع منها هو ملقح مهم وله ساعة بيولوجية محددة ونمط موسمي.

خللٌ في ساعة الطبيعة!

صارت خمسة عقود من البيانات التي تَجَشَّم "بيلي بار" مشقة جمعها وحفظها في سلسلة من السجلات المكتوبة بخط اليد، تكتسي أهمية بالغة لفهمنا ما يحدث من تغيرات في كولورادو بفعل تغير المناخ من حيث تساقط الثلوج ودرجة الحرارة. فهي تؤثر في كل شيء، بدءًا من مواسم الزهور البرية إلى الظهور الأول لطيور أبو الحناء الأميركية وحيوانات المرموط صفراء البطن.

خللٌ في ساعة الطبيعة!

تُطل أولى خيوط الشمس على "جبل غوثيك" في أوائل فبراير حين تكون معظم أشكال الحياة في سبات. فماذا سيحدث في المستقبل مع التحول المستمر بالجدول الزمني للطبيعة في كل منظومة برية؟ إننا على وشك معرفة ذلك.

خللٌ في ساعة الطبيعة!

ما الأسرار التي تبوح بها كائنات البراري للعلماء عن ساعة الطبيعة المتغيرة؟ وما تداعيات ذلك على بني البشر؟

قلم: كريغ ويلش

عدسة: إليوت روس

6 ابريل 2023 - تابع لعدد أبريل 2023

ظل حيوان المرموط، المسمّى "أَنْكُور"، هادئًا على نحو مدهش رغم أن شخصًا غريبًا قد أخذ للتّو مسحةً من خده. كان الجو ليلتَها معتدلًا ومنعشًا في غرب وسط كولورادو، وكان هذا المرموط أصفر البطن الذي يبلغ من العمر 11 شهرًا، لا يفتأ عن الحركة داخل فخ قفص معدني. هنالك أخذ عالِمان عيّنات من حمضه النووي لقياس مدى سرعة نموه. عكف العلماء في هذا المرج الجبلي العالي منذ عام 1962 على رسم خرائط للحياة الاجتماعية لحيوانات المرموط. لكن الباحثين في الآونة الأخيرة حوّلوا اهتمامهم أيضًا نحو رصد ما يُحدثه الاحتباس الحراري من تغيير على الجدول الزمني للطبيعة، وربما ما يُلحقه ذلك من تأثيرات في صحة المرموط.

تنهض حيوانات المرموط في كل ربيع من سباتها الشتوي. فتتزاوج وتُنجب وتُمضي سحابة صيفها في التهام الطعام قبل أن تدخل في سبات مرة أخرى. "إمّا أن تسمن أو تنفق"، كما قال لي "كونر فيلسون"، طالب الدكتوراه لدى "جامعة كاليفورنيا"، وهو يحمل أنكور في حقيبة من نوع "كيفلر" داكنة اللون حتى لا يقضم هذا الحيوان إصبع من يمسك به بقواطعه الكبيرة. وبعد أن مرَّرت زميلة فيلسون، "ماك كنزي سكوركا"، طالبة الماجستير لدى "جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس"، مربعًا من الرغوة عبر فم المرموط لأخذ عينات من الخلايا، أمسكت بالفرجار لقياس قدم واحدة صغيرة. ثم شكر فيلسون هذا الحيوان على عدم إغراقنا في برازه؛ إذ قال: "يكون الأمر أفضل بكثير عندما يتبرز داخل الفخ وليس علينا". إن سلوك حيوانات المرموط آخذ في التغير. فبسبب تغير المناخ، صارت تخرج الآن من سباتها الشتوي قبل نحو شهر من أوان خروجها، ممّا يُجبرها على التعجيل بالبحث عن الطعام. ومع ذلك، فإن جل حيوانات المرموط -كما سيكتشف الباحثون أيضًا مع أنكور- تنهي هذه الفترة بجسم مكتنز وصحة جيدة. فالخروج المبكر يمنحها وقتًا إضافيًا لتناول الطعام؛ ممّا يجعلها أكثر بدانة ويساعدها على الإنجاب أكثر. ويبدو أن تقويم الطبيعة المتغير كان حتى الآن عنصرًا نافعًا لحيوانات المرموط. لكن من شبه المؤكد أن ذلك كان استثناءً، لا قاعدة. يكتسي التوقيت أهمية جوهرية في العالم الطبيعي. فبدءًا من النوتات التي يستهل بها الطائر المغرد شدو الربيع، إلى الإيقاع الموسمي لطقطقة الروبيان، تسير كل عملية بيئية مهمة وتنتهي وفق نبضات الساعة: الإزهار، ووضع البيض، والإنسال، والهجرة. وينسحب ذلك على السهوب المنغولية كما في بحر العرب أو إحدى غابات كوستاريكا المطرية. فقد شحذت قرون من التطور هذه الأنماط. أما الآن فإن تغير المناخ يعيد ضبطها.

وهذا بالذات ما يعيد تشكيل الحياة لأغلب الأشياء. فالفصول في كل محيط وعبر كل قارة في حالة تغير مستمر؛ إذ إن الدفء المبكر، والبرد المتأخر، والتغيرات في تواتر الأمطار وشدتها كلها عوامل تغير الإيقاعات الثابتة بطرق يمكن التنبؤ بها وأخرى غير متوقعة. لذلك يبذل الباحثون في جميع أنحاء العالم جهودًا حثيثة للتوثيق لتوقيت أحداث دورة الحياة، وهو فرع علمي يُعرف باسم علم الفينولوجيا أو دراسة الأحداث البيولوجية. وقد تغير هذا التوقيت في الوقت الحالي رأسًا على عقب بفعل ما نطرحه من انبعاثات الوقود الأحفوري. لقد أصبح العلماء يرصدون هذه التغيرات أينما وَلَّوا وجوههم. فقد تغير توقيت ظهور الأوراق وتساقطها تغيرًا كبيرًا عبر أكثر من نصف الكوكب. وأصبحت الحيتان الحدباء في "خليج مين" تتجمع بوقت متأخر عمّا كانت عليه في السابق بـ 19 يومًا، فيما صارت أسماك الماكريل والنازلي وسمك الصخور تضع بيوضها في وقت أبكر من المعتاد في شمال المحيط الهادي. أما في "وادي النهر الأحمر" بولاية داكوتا الشمالية، فقد اكتشف العلماء وفودَ 65 نوعًا من أصل 83 نوعًا من الطيور في وقت مبكر عن المعتاد؛ إذ وصل بعضها قبل 31 يومًا من أوان وصوله. وأضحت أسماك السلمندر القزم في ولاية كارولينا الجنوبية تتأخر في وصولها إلى مناطق التزاوج بـ 76 يومًا. لكن ما يصعب فهمه هو حدة العواقب الناجمة عن ذلك على النبات والحيوان وعلينا. فإذا تغير كل شيء في الاتجاه نفسه وبالمقدار ذاته تقريبًا، فمن الممكن ألّا يكون التحول الذي سيطال تقويمنا الجديد غير ذي بال على المدى الطويل. فكما هو الحال مع التوقيت الصيفي، نستطيع تدبَّر أمرنا معًا. لكن الطبيعة تسير بخلاف ذلك؛ إذ قال "ديفيد إينوي"، الأستاذ الفخري لدى "جامعة ميريلاند" والباحث البارز في علم الفينولوجيا: "لا تستجيب الأنواع الحية على نحو متماثل".

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab

أسرار الدوبامين: لماذا نسعى إلى أداء المهام الصعبة؟

أسرار الدوبامين: لماذا نسعى إلى أداء المهام الصعبة؟

تشير الأبحاث إلى أن الدوبامين هو السبب الحقيقي الذي يجعلنا نفضل مواجهة تحديات كبيرة كسباقات الماراثون أو حل المشاكل الصعبة في بيئة العمل.

من النهر إلى البحر

من النهر إلى البحر

مصب نهر الأمازون ليس مجرد نهاية لأقوى أنهار العالم وأكثرها عنفوانًا، بل هو أيضًا بداية لعالم مدهش يصنعه الماء.

رمـوز، أساطير، محتالة.. وسارقة

رمـوز، أساطير، محتالة.. وسارقة

سواء أَرأينا الدلافين الوردية أشباحًا تُغيّر أشكالها أم لعنةً تؤْذي الصيادين، تبقى هذه الكائنات مهيمنة على مشهد الأمازون ومصباته. ولكن مع تغير المشهد البيئي للمنطقة، بات مستقبل أكبر دلافين المياه...