قُطـــــعان

في شهر فبراير من كل عام، وقبل أن تبدأ ثيران النّو رحلة شاقة صوب الشمال، تتجمع هذه الحيوانات -جنبًا إلى جنب مع كثير من الحمير الوحشية التي ترتحل مع قطعانها- لترعى وتلد عجولها في سهول العشب القصير بالقرب من الحدود الجنوبية لـ "منتزه سيرينغيتي الوطني" في تنزانيا. يولَد هنا نصف مليون من ثيران النّو الصغيرة كل عام، بمعدل 24000 في اليوم. ويمكن للعجول المشي في غضون دقائق بعد الولادة.

قُطـــــعان

تخوض ثيران النّو في ضفة شديدة الانحدار على طول نهر "مارا" أثناء بحثها عن المياه وأراضي العشب الطري. يتبع 1.3 مليون منها كل عام هطول الأمطار الموسمية في شكل حلقي وفقًا لاتجاه حركة عقارب الساعة من تنزانيا إلى كينيا ذهابًا وإيابا.. وهي أكبر هجرة برية على كوكبنا.

قُطـــــعان

تجتاز ثيران النّو نهر "مارا" بصورة متكررة في بقعة أسفل "تلة لوك آوت" في كينيا. يقول المصور تشارلي هاميلتون جيمس: "هذه لقطة كلاسيكية للحظة عبور"، لكنها لا تجسد الصورة بأكملها. فما عليك سوى توجيه عدستك في نواحي التلة وسترى السياح في رحلات السفاري متوقفين في كل مكان.

قُطـــــعان

يوفر النفوق الجماعي لثيران النّو وليمة للتماسيح والنسور في نهر "مارا". ففي يوم واحد، قد تدوس ما بين 6000 إلى 9000 من ثيران النّو -التي لا تجيد السباحة وسرعان ما ترتبك- بعضها بعضًا فتغرق في التيار سريع التدفق.

قُطـــــعان

تكمن المفترسات الجائعة في مكان قريب، لذلك تبقى الحمير الوحشية لصيقة بثيران النّو، والتي تُعد فرائس مفضلة. وما إن تصل قطعان هذين الحيوانين العاشبين إلى السهول الشمالية، حتى تنتشر للرعي في أماكن مختلفة؛ إذ تحتاج الحمير الوحشية إلى طعام أكثر فتفضل أكل الأعشاب الطويلة بأسنانها الأمامية الطويلة.

قُطـــــعان

تُعد هجرة سيرينغيتي أحد أروع المشاهد على كوكبنا، فضلًا عن أهميتها الحيوية للحياة في أرض حبلى بالمناظر المذهلة والثقافات المفعمة بالحياة.

قلم: بـاولا كـاهـومبـو

عدسة: تشارلي هاميلتون جيمس

1 ديسمبر 2021 - تابع لعدد ديسمبر 2021

في المخـيـــال الشعـــبي، تُعــد المنظومة البيئية لسيرينغيتي منظرًا طبيعيًا إفريقيا عتيقًا قِوامه سهول جامحة بلون الذهب، لم تتغير منذ دهور. ههنا تتحرك الزرافات الشاهقة برشاقة في خطوات متناسقة. وتخوض قطعان الفيَلة في أمواج من الحشائش. وتطارد الأسودُ الظباءَ ذات القرون الحلزونية في عمليات صيد دموية. ولا تكف خطوط متعرجة من ثيران النّو والحمير الوحشية عن الارتحال الدائم. أما الناس الذين يعيشون في سيرينغيتي، أهالي "الماساي" وغيرهم، فإنهم -إن انتبه المرءُ إلى وجودهم أصلًا- يُصوَّرون عمومًا بوصفهم شخصيات غرائبية تتشبث حتى النخاع بتقاليد الرعي العريقة.
تحمل هذه التمثيلات بعض الشبه بالمكان الفعلي، لكنها تغفل عن فهم مدى تعقيد منظومة بيئية شاسعة تمتد من شمال تنزانيا إلى جنوب غرب كينيا وتشكل موئلًا لآلاف الأنواع من النبات والوحيش. وحتى اسم سيرينغيتي -الذي يُعتقد أنه اشتُق من كلمة "ما" (Maa) التي تعني "السهل اللامتناهي"- فإنه اسم خادع. ذلك أن سيرينغيتي تشمل العديد من المناظر الطبيعية؛ منها السافانا والأهوار والغابات النهرية.
إنه مكان لا مثيل له على هذا الكوكب، ويحوي آخر تجمعات مزدهرة لبعض الحيوانات. وهو مكان يعيش فيه البشر في توازن مع الحيوانات منذ بدايات نوعنا البشري. لكن بعض الحيوانات التي تعرفنا إليها كثيرًا -وأخرى عديدة لا تزال غامضة- معرضة لخطر الفناء، لأننا نحن البشر ما فتئنا نزحف على موائلها ونتسبب في تسخين المناخ.
وبالنسبة إلى العلماء مثلي، فإن سيرينغيتي كبسولة زمنية لعصر سحيق، ومؤشر دال على مآلنا. وبقدر ما يمكن أن تسرنا رؤيتها من خلال الصور والسطور المألوفة، فإننا نحتاج إلى فهمها بوصفها شبكة حياة معقدة تعتمد على المناظر الطبيعية خارج المنتزهات والمحميات والملاذات التي أنشأنا.
لم أزر سيرينغيتي في طفولتي، شأني كشأن جُل سكان شرق إفريقيا. فلقد كانت مكانًا للسياح.. مكانًا نراه بعيد المنال وغير ذي صلة بحياتنا. ولكني على خلاف كثير من السكان، كنت محظوظة، حتى وأنا طفلة نشأت في نيروبي في سبعينيات القرن الماضي، برؤية بعض الوحيش في براري كينيا. فلمّا كانت أمي حريصة على ترتيب بيتنا، كانت تُخرجني من المنزل أنا وشقيقي وتأمرنا بعدم العودة حتى يحين وقت العشاء. فكنا نستكشف الغابة المجاورة، ونتسلق الأشجار، ونسبح في الأنهار، ونخوض في المستنقعات. في أحد الأيام، اكتشفنا حيوانًا لطيفًا يشبه جرذ غينيا العملاق، على شجرة تين شاهقة. هنالك توقف أحد الجيران، وفتح زجاج النافذة، وأوضح لنا أن ذلك الحيوان هو "الزلم الشجري" وأنه ذو قرابة بعيدة بالفيل؛ فكانت تلك حقيقة أذهلت عقلينا الصغيرين. 
وبعد أن اكتشَف افتتاننا بالحيوانات، طلب إلينا أن نُحضر له أي شيء نتمكن من صيده حيًّا، وقال إنه سيخبرنا بأشياء عنه. أحضرنا له ثعابين وسحالي وطيورا وضفادع وفئران، وذات مرة، جرذًا جرابيًا عملاقا، والذي كنت متأكدة أنه كان اكتشافا جديدا. كان ذلك الرجل ذو الصبر اللامتناهي هو "ريتشارد ليكي"، عالم الأحافير البشرية،




من النهر إلى البحر

من النهر إلى البحر

مصب نهر الأمازون ليس مجرد نهاية لأقوى أنهار العالم وأكثرها عنفوانًا، بل هو أيضًا بداية لعالم مدهش يصنعه الماء.

رمـوز، أساطير، محتالة.. وسارقة

رمـوز، أساطير، محتالة.. وسارقة

سواء أَرأينا الدلافين الوردية أشباحًا تُغيّر أشكالها أم لعنةً تؤْذي الصيادين، تبقى هذه الكائنات مهيمنة على مشهد الأمازون ومصباته. ولكن مع تغير المشهد البيئي للمنطقة، بات مستقبل أكبر دلافين المياه...

غابات تحت الماء

استكشاف

غابات تحت الماء

يراقب عالِمان ضغوط الفيضانات في غابات الأمازون المنخفضة.. ويسابقان الزمن لحمايتها ضد الظروف البيئية الشديدة التي ما فتئت تتزايد على مر السنوات.