في ثلاث مناطق حضرية أميركية تضررت بشدة، يوثق مصورٌ لِقصصِ أشخاص ثكلى فقدوا أحباءهم بسبب جائحة "كورونا" أو مضاعفاتها.
كم رقمًا حاولت استيعابه خلال هذه الشهور التي تلت بداية الجائحة؟ وكم عدد حالات الإصابة، ونسب المخاطر، ومعدلات الإصابة للفرد الواحد، والتحديثات اليومية بشأن تعداد الموتى؟
إن أي جائحة هي قصة تُروى عبر سيول من الأرقام. في غرفة التحرير بصحيفة "ديترويت مترو تايمز"، حيث عملت "بيبا آدامز" كاتبةً، سجلت رقما تلو رقم مع انتشار فيروس "كورونا"؛ من الصين، عبر أوروبا، ومن ثم إلى الولايات المتحدة، حتى بلغ ميشيغان بالولايات المتحدة. وخلال الأسبوع الثاني من مارس 2020، أكدت السلطات الصحية أولى حالات "كوفيد19-" في مدينة ديترويت. وبعد بضعة أيام، أصيبت والدة آدامز بالسعال.
تَمَّ اللقاءُ بين "واين لورانس" و"ببيبا آدامز" في يونيو 2020؛ إذ زار لورانس ثلاث مدن أميركية لتصوير المنكوبين بالوباء: نساء ورجال أخبروه عن فقدان فرد من العائلة بسبب "كوفيد19-" أو مضاعفاته. وبحلول ذلك الوقت، كان الفيروس قد قتل والدة آدامز. وقتل خالتها وجدتها أيضا. استضافت البرامج الإذاعية والتلفزيونية آدامزَ على الهواء، حيث كان حديثها دائما مباشرًا عن حزنها وغضبها. فقد ظلت تقول مرارًا وتكرارًا إنه لو أن القادة السياسيين تصرفوا على نحو مختلف بدءًا من التحذيرات المبكرة، لَكانَ أفرادُ عائلتها -والدتها التي كانت في السبعين من العمر وتعمل في شركة محاماة، ومُحبة للموسيقى الإنجيلية- أحياء يُرزقون اليوم.
قالت لي آدامز خلال محادثة هاتفية في أواخر يوليو 2020، لمّا تجاوز إجمالي الوفيات بسبب الوباء في الولايات المتحدة 150 ألف شخص: "أَنْ يفقد المرء والدتَه، أمْر؛ وأن يفقدها وهي من بين 150 ألف شخص، أمر أشد إيلامًا ومضضًا. لا أريدها أن تكون مجرد رقم. كانت لديها أحلام، أشياء ما زالت تريد أن تفعلها. كانت شخصا. وسأُخلّد اسمها".
"إيلين هيد".. هذا هو اسم والدة بيبا آدمز. جميع الصور الشخصية التي رسمتها لورانس في مراكز الضرر هذه التي خلفها "كوفيد-19"، تُوثق لألم الفقدان الفردي؛ لأن وجوههم -مثل أسماء الموتى- لا تقل أهمية عن الأرقام. الشاب الذي يرتدي ربطة عنق، وذراعه حول خطيبته، هو صانع غلّايات في مصنع كيميائي في لويزيانا، يدعى "ديريك تشاني"؛ يقول إن شقيقه الأكبر، "مارشا تشاني"، كان يبلغ من العمر 35 عامًا عندما توفي بسبب "كوفيد19-" في وحدة العناية المركزة بالمستشفى. بالإضافة إلى مارشا وديريك، كان هناك تسعة أشقاء في منزل العائلة، في بلدة "جرينسبيرغ" الصغيرة. كان مارشا سائق شاحنة. وكان نجم كرة قدم في المدرسة الثانوية، ودرس الهندسة في الكلية. يقول ديريك: "لم يكن لدينا أصدقاء. كنا أصدقاء لبعضنا بعضًا. كان نجم العائلة.. الخيط الناظم للجميع".
أمـا الشـابتـان المطوقتـان بذراعَي أمهـما عند الخصــر، فهـما الشقيقــتان: "موريت" و"كلوي". كـان والدهما، "إيف إيمانويل سيغي"، قد هاجر من ساحل العاج، حيث تلقى تكوينًا في الصيدلة. الحياة اليومية هناك باللغة الفرنسية؛
في نيو جيرسي، أثناء رعايته عائلتَه، ظل سيغي يخفق في امتحان الترخيص الصيدلاني باللغة الإنجليزية. وفي كل مرة فشل فيها، كان يبدأ الدراسة لاجتياز الاختبار مرة أخرى. ولعل سبب اختيار صحيفة "نيويورك تايمز" هذا العنوان لنعيه: "صيدلي برونكس الذي لا يُقهر"، بعد أن قتله "كوفيد19-" في سن الستين؛ هو أنه في محاولته الثامنة، نجح سيغي في الاختبار، وأخيرًا وجد وظيفة في صيدلية، فصار ينتقل إليها ذهابا وإيابا بالحافلة والقطار من "نيوارك"، ثلاث ساعات في كل اتجاه.
وأما المرأة المرتدية سترةً بيضاء ورأسها منتصب وهي تبكي، فهي "إيلين فيلدز"، وكان زوجها "إيدي" يبلغ من العمر 68 عامًا عندما تُوفي في أبريل 2020 بمستشفى في ديترويت. كان عاملًا متقاعدا في مصنع "جنرال موتورز"، ولاعبَ بولينغ بارع، وعاشقًا للسيارات الكلاسيكية. والمرأة التي يحمل قناعُها الوبائي وجهَ فتاة صغيرة جميلة، هي ضابط شرطة في ديترويت تدعى "لافوندريا هربرت"، متزوجة من رجل إطفاء من ديترويت اسمه "إيبي هربرت". وهما والدا "سكايلر هربرت"، لاعبة الجمباز البارعة في الرياضيات. كان يوم 3 يونيو سيكون عيد ميلادها السادس. كانت طفلتهم الوحيدة.
"المآسي شائعة".. هذا مطلع أغنية للفنان الإنجيلي الراحل، "والتر هوكينز"، التي تقول كلماتها التالية: "ههنا جميع أنواع المرض.. الناس يغادرون الحياة تباعًا". عندما جمعت "بيبا آدامز" أغراض والدتها من المستشفى، وجدت كلمات تلك الأغنية مطبوعة في ورقة مطوية داخل محفظة "إلين هيد". كتب هوكينز الأغنية منذ أعوام عديدة؛ وتتناول موضوع الامتنان وليس المرض، والجوقة تمتدح السيد المسيح. لكن الرثاء في أبياتها ينذر بعدوى فيروسية حديثة خبيثة، ونظام صحي متهالك، ومجتمع ضارب في الطبقية، حيث تتظافر هذه العوامل جميعًا لضرب الأقليات العرقية في أميركا والفقراء بشراسة (اُنظر الغرافيك إلى اليمين). نقرأ في الأغنية أيضًا: "لا يستطيع الناس الحصول على رواتب كافية. لا يبدو أن أي مكان آمن".
كلمات الأغنية ليست صحيحة تمامًا، في سياق جائحة عام 2020؛ إذ يمكن لبعض الناس الحصول على راتب كافٍ. وبعض الأماكن آمنة، أو على الأقل أكثر أمانًا من غيرها. وبعض المآسي ليس شائعًا على الإطلاق.
وضعت آدامز ورقة الأغنية في إطار وعلقته على حائط غرفة الأكل. وفي يوليو 2020، كانت تخطط أخيرًا لإحياء ذكرى والدتها؛ أرادتها في فناء منزلها الخلفي، حيث يمكن للضيوف المقنَّعين الاستماع إلى أغنية هوكينز، فيطلقوا العنان لذكرياتهم. وكانت قد طلبت مجموعة من الفراشات الحية لتُطلَق في الهواء؛ إذ كانت والدتها لتحب ذلك، كما اعتقدت. قالت: "أنا بحاجة إلى هذا الحفل.. أنا بحاجة إلى إغلاق هذا الفصل".
تشير الأبحاث إلى أن الدوبامين هو السبب الحقيقي الذي يجعلنا نفضل مواجهة تحديات كبيرة كسباقات الماراثون أو حل المشاكل الصعبة في بيئة العمل.
مصب نهر الأمازون ليس مجرد نهاية لأقوى أنهار العالم وأكثرها عنفوانًا، بل هو أيضًا بداية لعالم مدهش يصنعه الماء.
سواء أَرأينا الدلافين الوردية أشباحًا تُغيّر أشكالها أم لعنةً تؤْذي الصيادين، تبقى هذه الكائنات مهيمنة على مشهد الأمازون ومصباته. ولكن مع تغير المشهد البيئي للمنطقة، بات مستقبل أكبر دلافين المياه...