:عدسة ديفيد كوفنتري
1 سبتمبر 2016
للوهلة الأولى، لا يبدو أن لدى مدينة "هلمول" الأثرية الكثير لتقدمه إلى زائرها. فهي في عين من يلمحها، مجرد سلسلة من التلال المغطاة بالأشجار الكثيفة، التي يغُصُّ بها حوض "بيتين" الممتد على مدى المنطقة من شمال غواتيمالا حتى حدودها مع المكسيك. والأدغال هنا كثيفة ودافئة وشديدة الجفاف لدرجة لا يتحملها المرء، لكنها كذلك شديدة الهدوء.. إلا من صرير حشرات "الزيز" والصيحات العرضية للقرود الأميركية.
أمعِن النظر قليلا، وقد تتنبه إلى أن معظم تلال المنطقة قد رُتِّب على شكل دوائر ضخمة، فبدت مثل رهط من المسافرين المتحلقين حول نار في ليلة باردة. وإذا أمعنت نظرك مرة ثانية، فستلاحظ أن أجزاء من هذه التلال مصنوعٌ من حجارة مقطَّعة، وأن أنفاقاً قد حُفرت على جوانب تلال أخرى. وفي واقع الحال، لا يتعلق الأمر في هلمول بتاتا بأي تلال، وإنما بأهرامات قديمة هُجرت منذ قرون داخل هذه الأجمة وتركت لتواجه عوادي الزمن، في أعقاب انهيار حضارة "المايا" منذ ألف عام.
كان هذا الموقع مستوطنة مزدهرة خلال الحقبة الكلاسيكية لحضارة المايا (250-900 ميلادية)؛ وهي فترة ازدهرت فيها الكتابة والثقافة في سائر ما يعرف اليوم بأميركا الوسطى وجنوب المكسيك. إلا أن هذه الفترة عرفت أيضاً الاضطراب السياسي؛ إذ سقطت اثنتان من "المدن-الدول" في شِركِ صراع سرمدي على السيادة. ولفترة وجيزة من الزمن سادت إحدى هاتين "المدينتين-الدولتين" لتصبح أقرب ما يكون إلى إمبراطورية في تاريخ المايا. وعُرفت النخبة التي أسست هذه الامبراطورية -والتي تعود أصولها إلى سلالة "كانول" ولم يكن أحد يعرف بوجودها إلا منذ بضع عقود خلت- بـاسم "الملوك الأفاعي". وبفضـل المـواقع المحيطـة بمـركز هذه الإمبراطورية، بما في ذلك هولمول، يعكف علماء الآثار اليوم على تركيب الأجزاء المبعثرة لأحجية "الملوك الأفاعي".
ليست هولمول بالموقع الكبير أو الشهير كما هو حال "تيكال" المجاورة؛ فغالبا ما تجاهلها علماء الآثار حتى حلول عام 2000، حين وصل "فرانسيسكو إسترادا-بيلي"، وهو باحث من غواتيمالا إيطالي المولد، يتميز بوسامته وشعره المشعث وطباعه الهادئة. لم يكن إسترادا-بيلي يُنقب عن شيء غريب أو خيالي، مثل اللوحات المكتوبة من الحقبة الكلاسيكية أو المقابر المزخرفة، بل كان جُلُّ ما يبحث عنه، مزيد من التعمق في جذور المايا.