16 مارس 2018
بي بي سي عربي
يؤدي توقف القلب المفاجئ أو السكتة القلبية إلى موت أجزاء من القلب. وإذا ماتت الخلايا، فلا يمكن إعادتها للحياة. لكن علماء ربما يكونون قد توصلوا إلى طريقة لإعادة الحياة إلى الأجزاء الميتة من القلب، وهو ما قد ينقذ حياة آلاف المرضى.
عندما يصاب شخص ما بنوبة قلبية يرى الجراحون أن السرعة في التشخيص والعلاج تزيد من فرص النجاة، وتقلل احتمالات تلف عضلة القلب. ويعتمد القلب على الأوكسجين الذي يحمله الدم المتدفق من الشرايين التاجية، فإذا انسدت الشرايين وتوقف تدفق الدم إلى القلب، تموت خلايا عضلة القلب في غضون دقائق معدودة. وفي كثير من الحالات، إذا لم يتدخل الجراحون لإزالة الانسداد خلال ساعة، تموت أكثر من مليار خلية من الخلايا العضلية القلبية. وكثيراً ما يعاني الناجون من النوبة القلبية من فشل القلب الاحتقاني أو قصور القلب المزمن. ويُقدر عدد المصابين بقصور القلب في المملكة المتحدة بنحو 450 ألف شخص. وبعد خمس سنوات من الإصابة بالنوبة القلبية يفارق 50 في المئة منهم الحياة.
يقول "سانجاي سينها"، طبيب القلب بمستشفى "أدينبروك" في كامبردج: "ستضعف قلوب مرضى قصور القلب بعد حين، ولن تقوى على ضخ الكميات الكافية من الدم لتلبية احتياجات الجسم، ثم تتوقف كليا". لكن في غضون خمس سنوات، قد يقدم لنا الطب التجديدي والخلايا الجذعية بديلا ثوريا جديدا، يتمثل في استنبات أنسجة عضلية قلبية حية نابضة لتحل محل الأنسجة العضلية التالفة من القلب تسمى بـ "رقعات القلب". إذ إن القلب، على عكس بعض أعضاء الجسم الأخرى، مثل الجلد والكبد، يلتئم ببطء شديد. وتتكاثر الخلايا العضلية للقلب بمعدل 0.5 في المئة فقط سنويا، وهذا المعدل لا يكفي لإصلاح أي ضرر كبير يصيب القلب. وتنمو في المقابل طبقات سميكة من النسيج الندبي القاسي، لتحل محل الخلايا الميتة، وهذا يؤدي إلى توقف أجزاء من القلب عن العمل. ولا يزال العلاج الطبي الوحيد لقصور القلب هو عملية زرع القلب. ولكن في ظل نقص أعداد المتبرعين بالأعضاء، لن يتعدى عدد عمليات زرع القلب في المملكة المتحدة مثلا 200 عملية سنويا. ويقول سينها "أزعم أننا لن نحصل أبدا على الأعداد التي نحتاجها من المتبرعين، لأن أعداد الشباب الذين كانت قلوبهم سليمة وقت الوفاة أقل من أعداد المرضى الذين يحتاجون إلى هذه العمليات. لا يوجد إلا عدد قليل للغاية من قتلى حوادث الطرق أو من يموتون بسبب إصابات الدماغ، وهم من تصلح قلوبهم لعمليات زرع القلب".
ولكن الخلايا الجذعية ربما تقدم البديل العلاجي المناسب.. وقد حاول العلماء في تجارب سريرية تجديد الخلايا العضلية القلبية التالفة من خلال الحصول على خلايا جذعية، قد تتطور إلى أنواع عديدة مختلفة من الخلايا، من دم المريض أو نخاعه العظمي وحقنها في القلب مباشرة. وبينما نجحت هذه الطرق في تجديد الأوعية الدموية التالفة، ومن ثم حسنت تدفق الدم إلى القلب، فإن تأثيرها كان محدودا على المشكلة الرئيسة، وهي تجديد خلايا عضلة القلب التالفة. ويعزى العلماء ذلك إلى أن 95 بالمئة من الخلايا الجذعية المحقونة لا تلتصق بالقلب وتضيع في مجرى الدم. وفي "معهد الخلايا الجذعية" بجامعة كامبردج، يعكف "سينها" مع فريق من علماء أحياء الخلايا الجذعية على تطوير فكرة مختلفة إلى حد ما، وهي رقعات للقلب. وتُستنبت هذه الأنسجة العضلية القلبية الصغيرة، التي يقل حجم الواحدة منها عن 2.5 سنتيمتر مربع ولا يتجاوز سمكها نصف سنتيمتر، في أطباق صغيرة في المختبر، وتنمو على مدار شهر. تؤحذ خلايا الدم من الجسم ويعاد برمجتها إلى نوع معين من الخلايا الجذعية قد يتحول إلى أي خلية في الجسم البشري، وفي هذه الحالة يتحول إلى الخلايا العضلية القلبية وخلايا الأوعية الدموية، وما يعرف بـ"النِخاب"، وهو الغشاء الخارجي المحيط بالقلب. ثم تُنقل هذه العناقيد من خلايا القلب إلى بنى خاصة أو "دعائم" للمساعدة في تكوين الأنسجة، تشبه الخلايا المحيطة بالنسيج داخل الجسم، وتنظم هذه البنى الداعمة الخلايا وتربطها ببعضها لتشكل قطعة من الأنسجة شبيهة بأنسجة القلب الحقيقية.
يقول سينها: "نرى أن فرص هذه الرقعات في النمو داخل قلب المريض كنسيج عضلي قلبي طبيعي ستكون أعلى من فرص الطرق السابقة، لأننا نعمل على تطوير أنسجة تقوم بجميع وظائف الأنسجة الطبيعية، وتنبض وتتقلص، من خلال دمج هذه الأنواع المختلفة من الخلايا التي تتفاعل مع بعضها". ويضيف: "تمثل خلايا النِخاب أهمية كبيرة في تنسيق عملية تطوير عضلة القلب، إذ كشفت الأبحاث عن وجود الكثير من الإشارات المتبادلة بين النِخاب والقلب أثناء مرحلة تكوينه لدى الأجنة". ويستعد سينها في الوقت الحالي لتجربة تلك الرقعات على الفئران أولا ثم الخنازير. وإذا سار كل شيء على ما يرام، سيجري أول تجربة على البشر في غضون خمسة أعوام. وبالتزامن مع تجارب سينها وفريقه، يحاول أيضا فريق من العلماء من كل من جامعة "ستانفورد" و"ديوك" و"يسكونسن" بالولايات المتحدة تطوير رقعات مماثلة للقلب. ويأمل هؤلاء العلماء في إجراء جراحة مستقبلا تستخدم فيها الأشعة فوق الصوتية والتصوير بالرنين المغناطيسي لتحديد موقع الندوب في القلب، ثم طباعة شريحة من الخلايا بنفس شكل وحجم الأنسجة التالفة، باستخدام الطباعة الحيوية ثلاثية الأبعاد. ثم يفتح الجراحون القفص الصدري ويخيطون الرقعة على القلب مباشرة بحيث ترتبط بالأوردة والشرايين المحيطة بها في القلب.
ويقول "تيم كامب" -أستاذ علم الأحياء التجديدي بجامعة ويسكونسن، والمشارك مع فريق العلماء الذي يعمل على تطوير هذه الرقعة- إن "المرضى الذين يعانون من قصور شديد في القلب قد يحتاجون إلى أكثر من رقعة في أماكن متعددة من القلب، لأن القلب بأكمله يتضخم عندما يحاول التأقلم مع الإصابة. فإذا كان القلب في حجم الكرة الصغيرة مثل كرة الركبي سيصبح في حجم البالون أو كرة السلة". ولكن التحدي الرئيس الذي يواجه هذا الفريق هو كيف ستنسجم الرقعة الجديدة مع القلب كهربائيا، بحيث تتزامن نبضات القلب مع نبضات الرقعة. فقد يؤدي أي خلل في نظام التوصيل الكهربائي للقلب إلى حدوث اضطراب في نظم القلب. ويقول كامب: "يمكننا أن نضع الرقعة على القلب بأدواتنا الجراحية ولكننا لن نستطيع إرغامها على أن تعمل في تناغم مع سائر أجزاء القلب، رغم أننا نتمنى ذلك. ونتوقع أن تستجيب هذه الرقعة الجديدة للإشارات الكهربائية التي تنبه عضلة القلب للانقباض عندما تمر عبرها كالموجة، بحيث تنقبض هي الأخرى بنفس المعدل".
وفي حالة التغلب على هذه التحديات، يرى سينها أنهم لن ينقذوا أرواحا فقط، بل سيوفرون الكثير من الأموال أيضا؛ إذ تصل تكلفة عملية زرع القلب -وما يعقبها من رعاية بالمريض في المستشفى- في المملكة المتحدة مثلا إلى 500 ألف جنيه إسترليني. أما بالنسبة للآلاف من مرضى قصور القلب، الذين لا يستطيعون إجراء جراحة زرع القلب، فإن تكاليف الرعاية الطبية المتواصلة والدخول المتكرر إلى المستشفى قد تكون أعلى من تكلفة العملية. وفي المقابل، تقدر تكلفة العلاج بتركيب رقعة من الأنسجة العضلية القلبية المطورة في المختبرة بنحو 70 ألف جنيه إسترليني. هذا بالإضافة إلى أن أنسجة الرقعة استنبتت باستخدام خلايا الدم المأخوذة من المريض، ولهذا لن تحدث الآثار الجانبية المقترنة عادة بعمليات زرع القلب، ولن يحتاج المرضى الذين يجرون عملية تركيب الرقعة على سبيل المثال إلى جرعات كبيرة من العقاقير المثبطة للمناعة.
ويقول كامب "القلب المصاب عادة ما يكون ملتهبا ويصبح بيئة رافضة للأنسجة الجديدة، ولكن هذه الرقعات الجديدة تتميز بأنها مطورة من خلايا المريض نفسه، وليس من الوارد أن يرفضها القلب". ويقول الباحثون إن هذه الرقعة الجديدة قد تغير حياة الملايين حول العالم. يقول سينها "قصور القلب من الأمراض التي تسبب إعاقة للمريض. إذ يشعر المريض أنه منهك دائما، ولا يستطيع صعود الدرج. ولكننا نزعم أننا نستطيع الآن للمرة الأولى تطوير أنسجة عضلية قلبية نابضة حقيقية ومطابقة لأنسجة قلب المريض، وتتفاعل خلاياها معا بطرق غامضة ورائعة وتعمل بانسجام كما لو كانت داخل الجسم". ويضيف "لو أجرينا عليها تعديلات بسيطة على مدار السنوات القليلة القادمة، وتأكدنا أنها آمنة تماما، ستساعد هذه الرقعات مرضى قصور القلب في ممارسة حياتهم الطبيعية مرة أخرى".