23 مارس 2018
بي بي سي عربي
سيواجه جيل المستقبل من علماء الفضاء كمية هائلة من المخلفات الفضائية التي تركتها مركبات الفضاء في رحلاتها السابقة. لكن كيف سنتخلص من هذه المخلفات؟
كان ذلك منظراً مدهشاً لسيارة رياضية حمراء اللون وهي تدخل في مدار حول الكرة الأرضية، في مشهد لا يمكن محوه من أذهان العالم. وقد استقبل الشخص المسؤول عن هذا المشهد وهو "إيلون ماسك"، صاحب شركة "سبيس إكس" لرحلات الفضاء، تهنئة خاصة لإطلاق أكبر صاروخ من نوعه، منذ إطلاق صاروخ الفضاء الشهير "ساتورن في" إلى الفضاء، لكن تلك السيارة أصبحت مثار جدل واسع. فقد كانت عنصرا مشوقا في علم الفضاء، وقطعة استمتع رواد الفضاء من خلالها بالتقاط صور السيلفي، لكنها في الوقت ذاته تشكل خطراً كجزء من مخلفات الفضاء المحتملة. فهناك أكثر من نصف مليون قطعة من المخلفات التي لا تزيد عن حجم الكرة الزجاجية الصغيرة التي يلعب بها الأطفال تلوث مدار الأرض، وهناك أكثر من 20 ألف قطعة بحجم كرة الكريكيت أو أكبر قليلاً تسبح في ذلك المدار. أما القطع الأكبر حجما فتتراوح ما بين قفازات لرواد فضاء إلى مركبات فضائية محطمة ومنصات صواريخ لم تعد صالحة للاستعمال. لكن الحجم ليس دائماً المؤشر على مدى خطورة تلك المواد، ففي دخولنا عصر التقدم الفضائي ومع وجود دول مثل الصين والهند ضمن الدول الباحثة عن اكتشاف عوالم فضائية جديدة، سنكون قد زدنا أكثر وأكثر من تلك البقايا داخل مدار كوكب الأرض. وسيواجه جيل العلماء القادم تحدياً كبيراً يتمثل في كيفية ضمان أن الموجة المستقبلية لمركبات الفضائية ستستمر مع وجود هذا الحزام من القمامة المتزايدة باستمرار.
لقد بدأ البحث عن طرق للتفكير مسبقاً في دور وكالات الفضاء في مواجهة خطر ذلك الحطام الذي قد يصبح قاتلاً.
يقول "جير تشيو ليو"، كبير العلماء المختصين في دراسة الحطام المداري في وكالة الفضاء "ناسا": "إن بقايا بحجم ميليمترات قليلة تسبب أكبر خطر، بسبب التأثير الهائل لسرعتها على أغلب المركبات التي تعمل في مدار الأرض الأدنى". هذه الجزيئات الصغيرة تفوق في تأثيرها مجموعة رصاصات في الهواء ذات سرعة تبلغ 30 ألف ميل في الساعة (48 ألف كيلومتر في الساعة). في بداية فبراير 2018 في فيينا -وأثناء جلسة الأمم المتحدة الخامسة والخمسين للجنة الجمعية الفرعية العلمية والتقنية للاستعمالات السلمية للفضاء الخارجي- قدَم ليو ملخصاً عن آخر أخبار بيئة حُطام الفضاء، وأبحاث وعمليات وكالة ناسا. في عام 2017، تسبب إطلاق 86 مهمة حول العالم ببقاء أكثر من 400 مركبة فضائية في مدار الأرض. وحسبما يقول ليو: "الكمية الإجمالية للأجسام المتبقية في مدار الأرض تبلغ أكثر من 7,600 طن، ويتم رصد حوالى 23 ألف قطعة كبيرة من قبل شبكة مراقبة الفضاء التابعة للقوات الأميركية. إضافةً إلى ذلك، هناك عشرات الملايين من قطع المخلفات الصغيرة جداً، التي تحتاج إلى تتبع من قبل الشبكة لكنها كبيرة لدرجة تهدد الرحلات الفضائية البشرية وكذلك البعثات الآلية". وهنالك أيضاً خطر ما يسمى بـ "متلازمة كيسلير" أو "تأثير كيسلير" وهو أن تنكسر قطعة واحدة من ذلك الحطام وتضرب أخرى، فتشكل سيلاً قد يؤثر على محطات البثّ الفضائية.
ولقد تصاعدت كمية المخلفات الفضائية بشكل حاد في عام 2007 عندما دمرت الصين عمداً محطتها الفضائية الخاصة بالطقس "فينغيون-1 سي" في إطار اختبار جهاز يعطل المحطات. وبعدها بعامين، ارتطمت محطة الاتصالات الأميركية "إيريديوم 33" مع مركبة فضائية روسية كانت مهمة وقتها وتحمل اسم "كوزموس 2251". وسيكون لهاتين الحادثتين عواقب وخيمة حتى وقت طويل. وقد خاضت ناسا العام الماضي 21 مناورة لمنع حدوث ارتطام فضائي مع مركبات فضاء دون طاقم، أربع منها كانت لإبعاد بقايا محطة "فينغيون-1 سي"، واثنتان لمنع الارتطام ببقايا محطة "إيريديوم 33". ومن بين الطرق المتبعة لتغيير مسار اصطدام محتمل إبعاد تلك الأجسام عن مواقعها، لكن العدد الكبير لقطع الحُطام يحتاج مراقبة مستمرة، والتكهن بالاحتمالات المختلفة بشتى الوسائل الممكنة. ويقول ليو: "تستخدم ناسا مزيجاً من الرادارات والمناظير وأدوات قياس خاصة للمراقبةِ، ولكن ليس لتتبع القطع التي يقل حجمها عن ميلميتر". ويدور مِجسّ الحُطام الخاص بوكالة ناسا حول الأرض في محطة الفضاء الدولية، وتبلغ مساحته مترا مربعا وسمكه 20 سنتيمتراً، و كان مثبتاً فوق نموذج "كولومبوس الأوروبي" في محطة الفضاء في ديسمبر 2017 لرصد القطع التي لا يزيد حجمها عن بضعة ميلميترات على مدى عامين على الأقل. ويقدم هذا المجس المعلومات حول كل ما يُصطدم به مثل الحجم والكثافة وسرعة الانطلاق والمدار، ويقرر إن كان الجسم المرتطم من الفضاء أو من صنع الإنسان. والولايات المتحدة مسؤولة فقط عن رصد قطعة من ثلاث قطع كبيرة ومعروفة من الحطام الموجود في المدار الأدنى للأرض، لذلك فإن ناسا ليست المنظمة الوحيدة التي تعمل على حل المشكلة. إنه جهد دولي يؤثر على كل الدول التي تستخدم الفضاء، وقد وقعت "وكالة الفضاء الروسية" على اتفاقية لتأسيس منظار جديد في البرازيل لتتبع حطام الفضاء.
هنالك أيضاً سوق للمبادرات الخاصة لمراقبة مخلفات الفضاء وبيع البيانات إلى مشغلي المحطات الفضائية، فهناك شركة "إكسو آنالاتيك سليوشنز" في الولايات المتحدة، و"سبيس إنسايت" في المملكة المتحدة، والأخيرة تشغل نظام مجسات أرضية في قبرص. وفي إسبانيا، تستخدم "ديموس سكاي سيرفي" شبكة مناظير لتتبع الأجسام القريبة من الأرض مثل الأجرام وكذلك حُطام الفضاء، كما أنها التقطت وجود سيارة إيلون ماسك في الفضاء. لكن ليس كل قطعة حطام يمكن التعامل معها بمنع ارتطامها المحتمل، ففي أبريل المقبل، ستنطلق أول "مهمة إزالة مخلفات فضائية أوروبية فاعلة" من صاروخ "فالكون 9" من محطة "سبيس إكس" في طريقها لإعادة تزويد محطة الفضاء الدولية، وتحمل تلك المهمة اسم "ريموف ديبريز"، وستحتوي المحطة على مكعبات ستطلق أجساماً تشابه حطام الفضاء لتتمكن من إيجاد طرق مختلفة لاستعادتها. وسيتم اختبار أربع تقنيات رئيسة حسبما يقول "غوغليلمو أغلييتي"، مدير مركز "سَري للفضاء" في المملكة المتحدة، والذي ينسق لتنفيذ المهمة. وتتضمن هذه التقنيات نظام ملاحة مرئي، وشبكة ورمح لاصطياد قطع الحطام، وشراع من أجل إبطاء حركة تلك المخلفات الفضائية لتسقط في الغلاف الجوي للأرض.
ولا يبدو استخدام رمح في الفضاء أمرا مقنعا، لكنه الأمثل لاصطياد القطع الأكبر حجماً، ولهذه الغاية صُنع هذا الرمح في شركة "إيرباس ديفينس آند سبيس" في المملكة المتحدة بحجم قلم الكتابة. أما شراع السحب التجريبي فهو عبارة عن غشاء بلاستيك يمكن اختباره فقط بعد استخدام التقنيات الأخرى. ويقول أغلييتي: "خلال بعثة حقيقية، يشكل استخدام الشراع المرحلة الأخيرة، عندما تخرج المنصة والحطام الذي تم اصطياده عن المدار معاً". إذا نجحت مهمة "ريموف ديبريز"، ستكون بداية لسلسلة بعثات أخرى، وحسبما يقول أغلييتي: "سنكون قد أثبتنا أن إزالة المخلفات يمكن إجراؤها باستخدام تقنيات رخيصة التكلفة نسبياً، ولهذا نأمل أن تقتدي الشركات الخاصة وتقوم بإزالة المخلفات التي تشكل الخطر الأكبر".
ويُعد اختبار تلك التقنيات على قطع مشابهة للمخلفات الفضائية تخضع للسيطرة خطوة مهمة. أما المرحلة القادمة -وهي استخدام التقنيات للتعامل مع المخلفات الفعلية في الفضاء- فستكون أكثر تعقيداً. وستطرح وكالة الفضاء الأوروبية إرسال بعثة تدعى "إي ديأوربيت" أمام الدول الأعضاء في نهاية عام 2019. ويقول "هولغر كراغ"، رئيس مكتب المخلفات الفضائية في وكالة الفضاء الأوروبية: "ستثبت بعثة إي ديأوربيت أننا نستطيع إزالة الأجسام التي ليست تحت السيطرة بأمان من المدار الأرضي. قد يكون الجسم تابعاً للوكالة، لكنه لم يعد يعمل ولن يستجيب لأي أوامر من الأرض، وسنقوم للمرة الأولى بتطبيق التكنولوجيا على محطة إرسال حقيقة نستهدفها". في أغسطس عام 2016، اصطدم جسم صغير لا يزيد حجمه عن سنتميترات قليلة بإحدى المصفوفات الشمسية فوق محطة إرسال "سانتينيل 1 إي" التابعة للوكالة، وتسببت في انخفاض الطاقة، وتغير طفيف في مدار ومسار المركبة الفضائية. ويؤكد كراغ: "نحن نتعامل مع مخلفات الفضاء بجدية كبيرة، لأننا نشّغِل أسطولاً من 20 محطة إرسال من هنا في مختبر [دارمستات] بألمانيا، عشر محطات منها تدور في منطقة كثيفة التلوث بتلك المخلفات، وعلينا أن نقوم بمناورات لتجنب الاصطدام بها باستمرار". لكن كراغ لديه نظرة واقعية أيضاً حول حجم المشكلة، ويقول: "يمكننا الحد من الخطر لكننا لا نستطيع تجنب الاصطدام كلياً، لكن علينا أن نبذل قصارى جهدنا".