7 نوفمبر 2017
العراق- أ ف ب
يعاين "حمد السلطاني" المارة أمام متجره لبيع السجاد التقليدي العراقي الصنع، في محافظة بابل الأثرية وسط العراق، آملا بعودة الروح لهذه التجارة المهددة بالاندثار. الزائر الوحيد الذي استقبله السلطاني (32 عاما) في هذا اليوم كان الشيخ "حازم الحيالي"، أحد زعماء العشائر. يقول الحيالي الذي يرتدي عباءة سوداء مطرزة بخيوط ذهبية ويضع شالا أخضر حول عنقه، إن السجاد الأجنبي المستورد لا يغني البتة عن السجاد التقليدي العراقي. ويشير إلى أن السجاد الذي يغزو الأسواق المحلية منذ سنوات عدة، رخيص الثمن لكنه ذو نوعية رديئة. يضيف الحيالي أن لا يمكنه أن يتخيل لثانية واحدة أن يكون ديوانه -قاعة استقبال الضيوف التقليدية لدى زعماء العشائر- من دون سجاد طويل مستطيل الشكل ومزخرف بأشكال هندسية، سواء كانت متعددة الألوان أم متدرجة في خليط بين العاجي والبني. ويؤكد زعيم العشيرة لوكالة فرانس برس أنه "يمكننا الحكم على ديوان بجمالية سجاده"، مشيرا بيده التي يرتدي فيها خواتم بأحجار كريمة إلى السجاد المعلق على الجدران والممدد في أرض المتجر. ويستذكر الحيالي بلحيته التي لم يتمكن الشيب بعد من إخفاء سوادها، كيف كانت "أمهاتنا وجداتنا يفرشن البيت" بهذا السجاد الطويل، بعضه على الأرض والبعض الآخر يعلق على الجدران على شكل مستطيل ناقص ضلع.
ويستخدم هذا النوع من السجاد أيضا لصنع سروج للإبل بجيوب كبيرة. يقول السلطاني -الذي ورث تجارة السجاد عن والده- إن بعض قطع السجاد قد قل بيعها اليوم، أو تستخدم للديكور فقط. من جهة ثانية، يتحدث "مهدي صاحب" (70 عاما) والذي يمتهن هذه التجارة منذ نصف قرن، بإسهاب عن السجاد وأنواعه. ويستخدم صاحب خلال حديثه مصطلحات قديمة بعيدة عن فهم الجيل الحالي من الشباب، مكررا أوصافا تركية للأشكال والألوان كانت شائعة في البلاد إبان الاحتلال العثماني. يستذكر صاحب الوجه الأسمر بجلابيته التقليدية داخل منزله الصغير في أحد الأزقة الواقعة في منطقة زراعية "سابقا كان الأجانب يأتون إلينا ليطلبوا السجاد". ويشير التجار في المنطقة إلى أنها كانت تزدحم بالمشترين من السعودية والكويت وأوروبا.
يقول "فلاح الجباوي" المسؤول السابق في دائرة الآثار العراقية: "نقصد بسابقا، أي قبل الغزو الأميركي للعراق عام ٢٠٠٣". ويضيف أنه في تلك الحقبة "كان يأتي يوميا نحو عشرين مجموعة من السياح لزيارة المواقع الأثرية" في بابل والمناطق المحيطة. وتحولت تلك المواقع الأثرية العراقية اليوم إلى مناطق مهجورة تماما وخالية من السياح، نتيجة أعوام من النزاع وعدم الاستقرار. ويتحسر صاحب، الذي أفنى حياته في العمل على نماذج وتصاميم من حضارات مختلفة مرت على المنطقة، قائلا "الآن لا يوجد إلا العراقيين".
لا تنتهي أشكال السجاد وتصاميم السجاد، من الدوائر إلى المربعات، برسوم حيوانات أو زهور، تعود للعهد البابلي والهيمنة الآشورية، فيما تشير تصاميم أخرى إلى نجمة داود أو الصلبان، وأخرى ما زالت مستخدمة حتى الآن في مساجد، تسمى بـ "الطراز الإسلامي". الحال نفسها في المنازل، إذ يحتفظ عدد كبير من الأسر العراقية بسجاد ورثته عن أهلها، كما أن العديد من المسؤولين الحكوميين خصصوا صالات للضيوف مزينة بسجاد عراقي تقليدي. يضاف إلى ذلك الفنادق الكبيرة في بغداد بصالاتها المفروشة بسجاد عراقي تقليدي مماثلة لمضافات زعماء العشائر. لكن أكثر ما يبحث عنه الزبائن اليوم في العراق، هو السجاد الصناعي بألوانه الزاهية، والذي غالبا ما يكون مستوردا من تركيا وإيران وسوريا.
يؤكد السلطاني أن أسعار هذه الأنواع أقل من نصف سعر السجاد العراقي التقليدي، مشيرا إلى أن النساء اليوم يشترين سجادا جديدا ويرمين القديم. ويضيف أنه في الماضي "كان بالإمكان شراء سجادة ثم بيعها بعد سنوات أو استبدالها بأخرى"، لافتا إلى أن بعض السجاد في متجره عمره أكثر من نصف قرن وحصل عليه من بعض العائلات. يوضح السلطاني أنه بات مستعدا اليوم لبيع أي منها بـ 25 ألف دينار عراقي (عشرون دولارا أميركي)؛ بعدما كان يبيع أيا منها وبكل سهولة بـ 125 ألف دينار (100 دولار) قبل بضع سنوات. ويؤكد صاحب أن "لا الدولة ولا القطاع الخاص يدعم النساجين"، ففي حي صاحب ذي الطرقات الترابية المحفورة، حيث تعيش نحو ثلاثين إلى أربعين عائلة امتهنت حياكة السجاد كمصدر عيش، تعيش قلة قليلة منهم على مردود لا يتخطى مئة دولار شهريا. ولذا لم تعد الحرف اليدوية اليوم مصدرا للعيش.