الخليج - إعداد محمد فتحي
في الوقت الذي أصبحت التكنولوجيا عصب الحياة وأداة للملاحة والتجوال في جميع أنحاء العالم، بما فيها الصحارى والجبال والمحيطات، أصبح بإمكاننا إعادة استخدام تقنيات خاصة تقوم بعمل أنظمة تحديد المواقع «جي بي إس»، لأخذ جولات في أعماق الكون والفضاء المفقودة مهتدين بالنجوم النباضة، التي ترشدنا إلى وجهاتنا من على سطح الأرض، حتى لا نفقد ولا نتوه، في جنبات الكون الفسيح. خلق الله النجوم لتكون آية، وكذلك منارات يهتدي بها الإنسان في الأرض وأثناء إبحاره في المياه، ولكن في الواقع لا تتوقف النجوم على ذلك فقط، فقد أصبحت أيضاً أداة لتوجيهنا إلى مواقع الأجرام السماوية داخل الفضاء، ويعد النظام الجديد الذي دأب علماء وكالة «ناسا» الأمريكية على ابتكاره، أداة حديثة ومطورة من نظم «الملاحة الفلكية» التي ترتكز على تموضع الأجرام السماوية وقياس الزوايا بينها «مثل الشمس»، وبين الأفق المرئي لتحديد وجود الإنسان وسفينته أو مركبته على سطح الأرض، وعادة ما كانت تستخدم تلك الأدوات للملاحة العابرة للقارات مثل السفن الاستكشافية والتجارية أو الرحالة في الصحارى منذ قرون، وبعكس ذلك تستخدم التقنية الجديدة أداة «النجوم النباضة»، وهي أجسام نجمية هائلة السرعة في الدوران حول نفسها، وتكون في مراحلها النهائية للفناء وتقع على بعد مليارات السنين الضوئية من الأرض، وفي الآونة الأخيرة استطاع مجموعة من علماء الفلك الراديوي اكتشاف 17 من النجوم النباضة، التي تدور حول نفسها دورة كل جزء على ألف من الثانية، وهو ما حقق نصراً علمياً كبيراً بواسطة مرصد «فيرمي الفضائي لأشعة غاما»، حيث أحدث ذلك الاكتشاف طفرة في مجال رصد المواقع في الفضاء، وأصبحت الطريقة الجديدة بمثابة قفزة علمية في مجال «جي بي إس الفضاء»، من خلال رصد موجات الجاذبية التي تمر بالقرب من الأرض.
ترتكز التقنية الجديدة على النجوم النباضة لما لها من سرعات هائلة للدوران، كما أن بعضها يدور حول نفسه مئات المرات خلال الثانية الواحدة، لتصبح أسرع حتى من شفرة الخلاط المنزلي، وبالإضافة إلى أمواج الجاذبية تساعد الفوتونات والجسيمات التي تنطلق من تلك النجوم على تحديد الكثير من المواقع في الفضاء، بسبب ثبات معيارها والوقت الذي تستغرقه في الدوران حول نفسها، يقول العالم «باول راي»، من مختبر البحرية بالعاصمة الأمريكية واشنطن، إن علماء الفلك الراديوي، اكتشفوا أول النجوم النباضة قبل 28 عاماً، ومنذ ذلك الحين تم اكتشاف نحو 60 نجماً نباضاً باستخدام الماسح الراديوي داخل مجرة درب التبانة فقط، وهو ما استغرق وقتاً وجهداً كبيراً جداً استمر لعقود.
100 هدف
من أجل مزيد من التدقيق أجرى مرصد فيرمي دراسة موسعة بمشاركة العديد من المراصد الراديوية في مختلف دول العالم في كل من الولايات المتحدة وفرنسا واستراليا وألمانيا وبورتوريكو، وبعد دراسة نحو 100 هدف، بمشاركة تلك المراصد، بدأت النتائج تأتي تباعاً. ويقول «راتنسون»: إن عدد النجوم النباضة التي عثروا عليها خلال شهور، أكثر مما تم العثور عليه خلال عقد كامل، وأضاف أن النتيجة الأكبر كانت في اكتشاف 4 من النجوم النباضة التي تسمى بالأرملة السوداء، وهي نجوم نباضة، ولكن إشعاعاتها تساهم في تقلص وتدمير النجم المرافق لها، وهو ما يساهم في دورانها بسرعة كبيرة جداً، كما أن معظم تلك النجوم تتفكك في نهاية عمرها على هيئة كتل وفتات صغير يبلغ الواحدة منها أضعاف كوكب المشتري، تساعد معرفة أعداد تلك النجوم على فهم طبيعة عملها داخل مجرة درب التبانة، وأنماط حياتها لتعظيم الاستفادة من تلك النجوم في العديد من الدراسات المستقبلية، إلى جانب تحديد المواقع والمسافات في الفضاء الخارجي. ومن المتوقع في المستقبل تحويل المراصد الراديوية إلى مراصد فلكية تدور حول الأرض، لتكون بمثابة أقمار صناعية ترصد النجوم النباضة، وترسل بياناتها إلى الأرض لإجراء الحسابات الدقيقة على تلك النجوم، وتوظيفها كأداة بحث عن الأجرام السماوية الأخرى بكل سهولة.
انتهى