22 مارس 2018
أبوظبي- وام
أعادت الأمم المتحدة التحذير من مخاطر مواجهة 5 مليارات شخص حول العالم صعوبة في الوصول إلى المياه الكافية بحلول عام 2050، مؤكدة في تقرير حديث صدر بالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للمياه -22 مارس من كل عام- أن الطلب العالمي على المياه سيتزايد خلال العقدين المقبلين بسبب النمو السكاني والتنمية الاقتصادية وأنماط الاستهلاك المتغير. وتبذل دول العالم جهوداً متفاوتة في التصدي لتلك المعضلة، إلا أن التقرير الأممي يرى أن تلك الجهود لن تحقق المطلوب، مؤكدة أن الوقت قد آن لإعادة النظر في الحلول القائمة على الطبيعة من أجل تحقيق أهداف استدامة المياه. وعلى الرغم من وقوع الإمارات في إحدى أكثر المناطق جفافاً في العالم إلا أنها استطاعت أن تتبوأ مكانة رائدة عالمياً لالتزامها المسؤول بتوفير الحلول المناسبة للتحديات المتعلقة بالحفاظ على المياه وإدارتها وتحقيق الأمن المائي.
وتوجه القيادة الرشيدة بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، كافة المؤسسات الاتحادية والمحلية نحو الوصول إلى تحقيق الأمن المائي في الدولة سعياً منها لبناء مستقبل يقوم على الاستدامة. واعتبرت استراتيجية الابتكار الإماراتية المياه أحد القطاعات التي ينبغي إيجاد حلول مبتكرة للتعامل معها، كما أطلقت استراتيجية الأمن المائي لدولة الإمارات حتى عام 2036 مستهدفات قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، تضع أسس الإدارة المتكاملة للموارد المائية واستدامة الأمن المائي بما يتوافق مع رؤية الإمارات 2021 ومئوية الإمارات 2071 عبر طرح قائمة من الحلول لجميع عناصر سلسلة الإمداد المائي. وتتمثل المستهدفات العليا للاستراتيجية في خفض إجمالي الطلب على الموارد المائية بنسبة 21 بالمئة، وزيادة مؤشر إنتاجية المياه إلى 110 دولارات لكل متر مكعب، وخفض مؤشر ندرة المياه بمقدار 3 درجات، وزيادة نسبة إعادة استخدام المياه المعالجة إلى 95 فالمئة، وتوفير سعة تخزين لمدة يومي تخزين للحالات العادية في النظام المائي.
ولا يتعدى معدل هطول الأمطار في الإمارات 100 ميلمتر سنوياً، وهو ما تعاملت معه الدولة بشكل مبهر أهلها لاحتلال المرتبة الثانية عالمياً بمجال تحلية المياه، وتنتج أكثر من 14 بالمئة من كمية الماء المحلاة في العالم. وتدرك الإمارات أن تحلية مياه البحر تتطلب طاقة تزيد بنحو 10 مرات على ما يطلبه إنتاج المياه السطحية العذبة، لذلك عملت على إيجاد وسائل أكثر استدامة وأقل تكلفة للتعامل مع الزيادات المتوقعة في تكاليف تحلية المياه والمقدرة بنسبة 300 بالمئة مستقبلاً. وفي هذا الإطار طورت "مصدر" برنامجاً تجريبياً لاختبار وتطوير تقنيات متقدمة وذات كفاءة عالية في استهلاك الطاقة لأغراض تحلية مياه البحر بالاعتماد كلياً على مصادر الطاقة المتجددة، فيما تجري وحدات الأبحاث في مدينة مصدر العديد من الأبحاث الهادفة لتسخير الطاقة البديلة لخدمة الأمن المائي. ويمثل مشروع الخزان الاستراتيجي الكبير الذي تم إنجاز معظم أعمال بنائه وتشغيله في "ليوا" بمنطقة الظفرة في أبوظبي، خطوة عملاقة نحو تحقيق الأمن المائي المستدام، إذ يعد أضخم مشروع في العالم لتخزين المياه العذبة، ويضم شبكة تتكون من 315 بئراً، تمتد تحت رمال صحراء ليوا وبقدرة تخزين تتجاوز 5.6 مليار جالون من المياه العذبة، ويمكن المشروع إمارة أبوظبي من احتلال المرتبة الأولى عربياً والثالثة عالمياً من حيث كمية تخزين المياه، والمرتبة الأولى عربياً والثانية عالمياً من حيث سرعة استرداد المياه المخزنة، ما يعزز متانة الأمن المائي للإمارة، ويحول دون أية انقطاعات في حالات الطوارئ.
وتنتهج دولة الإمارات سياسة زراعية تقوم على تحقيق أقصى قدر من التوازن بين الأمنين المائي والغذائي عن طريق التقليل من الزراعات ذات الاستهلاك المائي العالي ودعم الأنظمة الزراعية المقتصدة في استخدام المياه وذات الإنتاجية العالية لوحدة الماء والمساحة، وإحلال نظم الري الحديثة. ولم يقتصر الدور الإماراتي على الإطار المحلي بعد أن أخذت الإمارات على عاتقها المشاركة في مسؤولية حشد الجهود الدولية الرامية إلى البحث عن حلول مستدامة للقضايا ذات الصلة بالأمن المائي العالمي، فأطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة مبادرة لتأسيس قمة عالمية سنوية للمياه تستضيفها العاصمة أبوظبي سنويا ضمن أسبوع أبوظبي للاستدامة. وتسهم "جائزة زايد لطاقة المستقبل" التي تبلغ قيمتها 4 ملايين دولار أميركي، في تشجيع الإنجازات المميزة والحلول المبتكرة على مستوى العالم في مجالات الطاقة المتجددة واستدامة الموارد الطبيعية وفي مقدمتها المياه. وأطلقت دولة الإمارات ممثلة بوزارة شؤون الرئاسة "برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار" الذي يهدف إلى توسيع نطاق خيارات الأمن المائي العالمية من خلال تحفيز ودعم أفضل الممارسات العلمية الدولية والتعاون على صعيد البحوث في مجال علوم الاستمطار. ويتولى البرنامج استكشاف أساليب مثبتة علمياً وقابلة للتنفيذ بشكل مستدام لتعزيز كميات الأمطار في دولة الإمارات وغيرها من المناطق القاحلة وشبه القاحلة في المنطقة.
إلى ذلك، أكدت "علياء المزروعي"، مديرة برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار أن "اليوم العالمي للمياه" يمثل فرصة للتأكيد على أهمية المساهمة في تحقيق الأمن المائي عالميا والعمل سويا للحفاظ على مصادره المتنوعة. وقالت إنه في ظل الاحتفال باليوم العالمي للمياه تظهر دولة الإمارات رؤيتها الملهمة والملتزمة بلعب دور أساسي في إحداث تغيير إيجابي حقيقي يتمثل في قيادة الجهود العالمية المشتركة لمجابهة مخاطر شح المياه كأساس للتنمية المستدامة والأمن للجميع. وقال "جمال عبدالله لوتاه"، الرئيس التنفيذي لمجموعة "إمداد": "الماء هو مصدر الحياة وأحد المقومات الرئيسية ضمن خطط الاستدامة في الدول ولا تستطيع الأمم ضمان مستقبلها إلا بتأمين مواردها المائية وتطوير سبل الحفاظ عليها. وعلى مر السنين، شكلت المياه تحدياً كبيراً بالنسبة لدول المنطقة، إلى أن قام الاتحاد ووضعت الدولة بقيادة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه الاستراتيجيات اللازمة لتوفير الموارد المائية التي تدعم المشاريع الزراعية بما يسهم في تحقيق اكتفائها الذاتي ورفد الجوانب الأخرى لنهضتها وازدهارها. وما تزال القيادة الرشيدة تسير على خطى المؤسس عبر إطلاق المبادرات ووضع الأهداف المثلى لرفع وتيرة العمل وتطوير المشاريع الحيوية وتشجيع البحث والابتكار في مجال إدارة الموارد المائية للوصول بالبلد إلى الاستدامة المائية المنشودة، وتحقيق الأمن الغذائي لها، والارتقاء بمكانتها إلى مصاف الدول الأكثر استدامة على مستوى العالم".