صحيفة الخليج- محمد حمدي شاكر
تقدم الدولة نموذجاً فريداً للحفاظ على البيئة وحمايتها، وتحتل أولوية واضحة ضمن تخطيط السياسات واتخاذ القرارات وآليات العمل، إذ تضع الدولة تحقيق التوازن بين التنمية المستدامة والبيئة أحد المبادئ الأساسية لعملها وبرامجها التنموية، بما يحفظ للأجيال المتعاقبة حقها في التمتع بالحياة في بيئة صحية وآمنة. فهي تعد أول دولة في العالم تخصص مناصب لملحقين دبلوماسيين مواطنين متخصصين في الطاقة والتغير المناخي بعد تدريبهم وتأهيلهم فنياً. شهدت مسيرة العمل البيئي داخل الدولة تطورات مهمة على الصعيد المؤسسي، وجاء إضافة ملف التغير المناخي لمسمى الوزارة لتصبح «وزارة التغير المناخي والبيئة» ليُمثّل محطة مهمة في هذه المسيرة، ويعزز الجهود الوطنية بالتعامل مع قضايا التغير المناخي لحماية مصالح الدولة على المستوى الدولي والحد من تداعياتها على النظم البيئية والاقتصادية على المستوى المحلي، عبر اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات الوقائية والسياسات للحد من المخاطر المرتبطة بالمناخ والتكيف مع آثاره. وعكست هذه التطورات مراحل الاهتمام بالقضايا البيئية محلياً ودولياً من جهة، وتطور النظرة إلى قيمة البُعد البيئي في التنمية الشاملة في الدولة من جهة أخرى. وظاهرة التغير المناخي تشير إلى التغيرات الموسمية التي تجري على مدار فترة زمنية طويلة، والمتعلقة بالتراكم المتزايد لغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وتتسم مواجهة هذه الظاهرة بأهمية بالغة، نظراً للدور المحوري الذي يلعبه المناخ في تكوين الأنظمة البيئية الطبيعية، والاقتصادات والحضارات البشرية التي تقوم عليها.
المهندس فهد الحمادي، مدير إدارة التغير المناخي في وزارة التغير المناخي والبيئة في الدولة، يقول: «بتوجيهات سامية من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، استشرفت القيادة الرشيدة المستقبل واستلهمت بناء الدولة الحديثة والتغيرات العالمية الحاصلة على مختلف الأصعدة وفي مختلف المجالات، وأدركت أهمية التغير المناخي وآثاره المستقبلية ما دعاها إلى تسمية الوزارة بهذا الاسم، إذ تأتي إضافة مسمى التغير المناخي كدليل قوي على مسيرة الدولة لتعزيز الجهود الوطنية الخاصة بالتعامل مع قضايا التغير المناخي للحد من تداعيات النظم البيئية، واتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات الوقائية للحد من المخاطر المرتبطة به والتكيف مع آثاره». ويوضح أن تلك التغيرات تحدث بسبب العمليات الديناميكية للأرض كالبراكين والزلازل، أو بسبب قوى خارجية كالتغير في شدة الأشعة الشمسية أو سقوط النيازك الكبيرة، وإلى جانب نشاطات الإنسان مثل قطع الغابات وحرق الأشجار ما يؤدي إلى اختلال التوازن البيئي واختفاء أنواع من الكائنات الحية، إلى جانب التلوث البري والبحري والجوي. ويضيف: «يتوقع العلماء أن ترتفع درجات الحرارة خلال العقود المقبلة من 1.4 إلى 5.8 درجة مئوية، ويسبب هذا الارتفاع كثيراً من التغيرات البيئية كذوبان الجليد والأعاصير وتغير حركة الرياح ما يؤدي إلى فيضانات في مناطق معينة وجفاف في مناطق أخرى وحدوث ظواهر مناخية كظاهرة تسونامي وغيرها.
تعاون محلي وإقليمي ودولي تتعاون الوزارة مع المؤسسات الخاصة بالدولة ومنها على سبيل المثال مركز «إيكبا» دبي. يقول الحمادي: «لم تقتصر المشاركة الفاعلة للدولة على المؤسسات الإقليمية والعالمية، بل امتدت لتشمل المشاركة الفاعلة في العديد من اللجان الفنية والمشتركة المعنية بقضايا البيئة، علماً بأن الدولة تحتضن عدداً من مقار المنظمات العالمية والإقليمية المعنية بالبيئة، حيث تقوم بالتعاون معها لتنفيذ عدداً من المشاريع المهمة كالمركز الدولي للزراعة الملحية (إيكبا)، وبرنامج شبه الجزيرة العربية للمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا)، والمعهد العالمي للنمو الأخضر، الذي تستضيف الدولة مقره الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا منذ عام 2011، حيث أخذت الدولة على عاتقها مسؤولية حشد الجهود الدولية الرامية إلى إيجاد وتطوير الحلول المستدامة للقضايا البيئية». ويضيف موضحاً: «أبرمت وزارة التغير المناخي والبيئة العديد من الاتفاقيات والمذكرات مع الشركاء الاستراتيجيين المحليين تنفيذاً للأهداف الاستراتيجية للوزارة وتجسيداً لرؤية 2021، أبرزها مذكرة تفاهم مع وزارة التربية والتعليم بهدف تعزيز الوعي البيئي بين طلاب وطالبات المدارس وتثقيفهم لقيادة الدولة نحو مستقبل مستدام لحياة الأجيال الحالية والمستقبلية من خلال الأنشطة المدرسية. كما وقعنا مؤخراً مذكرة تفاهم مع كل من المركز الوطني للأرصاد الجوية والزلازل وهيئة البيئة في أبوظبي وبلدية دبي وهيئة الحماية البيئة والمحميات الطبيعية في الشارقة ودائرة البلدية والتخطيط في عجمان وبلدية أم القيوين والفجيرة وهيئة حماية البيئة والتنمية في رأس الخيمة، حيث يسمح البرنامج بتقديم الدعم الفني وتبادل الخبرات ونقل المعرفة في المجالات ذات الصلة بين جميع الأطراف التنسيق بينهم بشأن إنشاء قاعدة بيانات وطنية للبيئة البحرية والساحلية والمواءمة بين برامج الرصد والمراقبة القائمة ووضع مؤشرات وطنية موحدة لمراقبة اتجاهات تطور حالة البيئة البحرية والساحلية».
الأمن الغذائييؤكد الحمادي أن مسألة الأمن الغذائي محور اهتمام الجميع، وهناك عدة جهات في الدولة تتولى هذا الموضوع، لكن لا بد أن تنصهر جميع هذه الجهود في بوتقة واحدة تنتج سياسة واستراتيجية حكومية اتحادية تكون نبراساً يضيء الدرب الذي يسير عليه الجميع للوصول إلى أمن غذائي مستدام يعتمد على تنمية وخطط وبرامج مستدامة. وبخصوص الأمن الغذائي وما ينطوي عليه يقول: «هناك عدة مضامين ومتغيرات تعتمد اعتماداً كلياً على التغير المناخي من برامج معالجة لتخفيف حدة آثاره، فهو أمر واقع ونتأثر به كغيرنا، ولذلك من المهم أن يكون لدينا سياسات تأخذ بعين الاعتبار التغير المناخي كمحرك أساسي من محركات المستقبل، وهو ما عملنا عليه منذ الأيام الأولى لاستلامنا مهامنا، وحرصنا دائماً على تبني برامج التكيف وتخفيف آثار التغير المناخي، مثل استنباط أصناف جديدة مقاومة للجفاف وملوحة التربة للمساعدة في وضع استراتيجيات جديدة للزراعة، كما نعمل حالياً على إعداد السياسة الوطنية للغذاء، بالإضافة إلى تطوير الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي».
جهود حثيثةتبذل الإمارات جهوداً كبيرة على المستوى العالمي والمحلي فيما يخص التغير المناخي على جميع الأصعدة. ويوضح الحمادي، قائلاً: «الدولة طرف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (UNFCCC) وبروتوكول كيوتو، ورحبت كذلك باتفاق باريس للتغير المناخي الذي عقد العام الماضي، كما تعد أول دولة في العالم تخصص مناصب دبلوماسية لملحقين دبلوماسيين مواطنين متخصصين في الطاقة والتغير المناخي، بعد تدريبهم وتأهيلهم فنياً». ويضيف: «مساهمتنا في محاربة التغير المناخي كثيرة ومهمة في نفس الوقت، وتعتمد على سياسة تنويع مصادر الطاقة مثل الطاقة النظيفة والمتجددة سعياً منها لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ولضمان الاستدامة، كما أن استضافة المقر الرئيسي للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (أيرينا) في أبوظبي يمثل رسالة مهمة على جدية العالم في الاهتمام بمصادر الطاقة المتجددة والعمل من أجل إنقاذ الكرة الأرضية من التلوث البيئي، ومدى اهتمام الدولة بمجالات الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة ومشاريع آلية التنمية النظيفة».
التنمية الخضراء والكربون الأزرقفي إطار السعي الدائم لبناء مستقبل مستدام للجيل الحاضر وأجيال المستقبل، تبنت الدولة «استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء» التي تندرج في إطار «رؤية الإمارات 2021»، إذ يشكل الاقتصاد الأخضر وسيلة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة.
وفيما يخص مجال المحافظة على الطبيعة يقول فهد الحمادي، مدير إدارة التغير المناخي: «أقامت الدولة عدداً كبيراً من السدود، بلغ عددها في 2013 نحو 130 سداً وحاجزاً ساهمت جميعها في تعزيز وتحسين وتنمية الموارد المائية ودرء مخاطر السيول والفيضانات وحصدت تلك السدود والحواجز كميات كبيرة جداً من المياه في بحيراتها منذ بدء إنشائها». ويضيف: «هناك اهتمام كبير أيضاً من الدولة بالمحميات الطبيعية لما لها من أهمية كبرى في استدامة التنوع البيولوجي والمحافظة على الأنواع المهددة بالانقراض، حماية الموائل البحرية والساحلية من أشجار القرم والنباتات البحرية والشعاب المرجانية، تنمية المخزون السمكي لتحقيق الأمن الغذائي وغيرها العديد من الأشياء الأخرى المعرضة للانقراض». أما فيما يخص المشروع الوطني للكربون الأزرق، فيقول الحمادي: «كشفت الدراسات التي أجريت مؤخراً أن بعض الأنظمة البيئية البحرية الساحلية تلعب دوراً في غاية الأهمية للتقليل من آثار التغير المناخي، وتشمل غابات القرم، الأعشاب البحرية، والسبخات الملحية والتي بدورها تحمل مخزوناً هائلاً من الكربون، حيث تخزن الأنظمة البيئية الكربون الجوي في كتلتها الحيوية، وكذلك في أوراقها، جذوعها، والرواسب العضوية الغنية، وتصل في بعض الأحيان إلى معدلات تفوق تخزين الغابات الاستوائية المطرية للكربون».
انتهى