هكذا تبدأ الرحلة.. تخرج من حياة لتلج أخرى.. تمشي عبر شق سياج فتدخل في حالة من العيش بلا وطن، بلا استقرار، كسفينة بلا مرساة، فتكون عرضة لشتى أنواع المحن، فيما معظم البشر لا يتلفت إلى معاناتك وكأنك قد غدوت شفافا لا تُرى، عندها اعلم.. أنك قد أصبحت لاجئا....
هكذا تبدأ الرحلة.. تخرج من حياة لتلج أخرى.. تمشي عبر شق سياج فتدخل في حالة من العيش بلا وطن، بلا استقرار، كسفينة بلا مرساة، فتكون عرضة لشتى أنواع المحن، فيما معظم البشر لا يتلفت إلى معاناتك وكأنك قد غدوت شفافا لا تُرى، عندها اعلم.. أنك قد أصبحت لاجئا. هكذا يصف بول سالوبيك حال لاجئي سورية في تحقيقه المنشور بهذا العدد. ورغم الألم الذي يفيض من تلك الكلمات، كان لعدسة جون ستانماير -المصور الذي رافقه- رأي آخر، عندما التقط صورةً للاجئ سوري وقد أخذ يهذب عشب قطعة أرض صغيرة أمام خيمته بمقص صغير، في لقطة علينا أن نتوقف عندها كثيرا.
المثير أنه وخلال كتابتي لهذه الكلمة، وصلتنا رسالة من القارئ إبراهيم الإسماعيل مرفقة بصورة لطفلة سورية اسمها منى، تعيش مع والدها بعد أن فقدت والدتها التي قتلت بقذيفة على إحدى الطرق المؤدية إلى مكان آمن كانت قد لجأت إليه مع صغارها بعيدا عن القتل والتدمير. تساعد منى الآن والدها في رعاية الأغنام لمواجهة الفقر المدقع الذي يعيشونه. ورغم البؤس الظاهر على هيئتها، يقول ابراهيم في رسالته، إلا أن الطفلة استوقفته وقالت له: "عَمّو صورني".. ولسان حالها يقول: لدي أمل.. سأزرع وأرعى وأعيش.. وسيكون لي مستقبل مختلف.
لا أميل عادة للتطرق إلى المآسي الإنسانية، فهي موجودة في كل وسائل الإيصال حولنا، ولا نحتاج جهدا كي نجدها، كما أني على قناعة تامة بأن الخوض كثيرا في المآسي وإعادة التذكير بها هو نوع من العبودية. فتلك الحالة من الإغراق تجعلنا منغمسين في شراكها، وبالتالي بعيدين عن منافذ الخروج والخلاص. ولذا فرغم أهمية موضوع اللاجئين السوريين وأولويته الإنسانية والسياسية الآن في منطقة الشرق الأوسط، إلا أني لم أحبذ إطلاقا أن تحتل إحدى صوره المأساوية غلاف المجلة. فبالرغم من فداحة المأساة التي يتطرق إليها موضوع "اللاجئين السوريين"، إلا أنه علينا البحث في ذلك الركام الإنساني على ما يستحق أن يُشار إليه كبصيص نور وأمل من بعيد، يخبرنا أن ثمة طريقا آخر يمكننا سلوكه.
als.almenhaly@admedia.ae
alsaadal@