لا أستطيع التعامل مع أي صورة تُلتقَط في زمننا هذا الذي نعاني فيه جائحةَ "كوفيد19-"، إلا بوصفها شاهدًا ينبغي أن يكون "أمينًا" على ما يعيشه نوعنا البشري على هذا الكوكب. يَحْلو لي كثيرًا أن أتخيل مَشهدَ هذه الصور بعد ثلاثة أجيال وهي معروضة بصيغة رقمية...
لا أستطيع التعامل مع أي صورة تُلتقَط في زمننا هذا الذي نعاني فيه جائحةَ "كوفيد19-"، إلا بوصفها شاهدًا ينبغي أن يكون "أمينًا" على ما يعيشه نوعنا البشري على هذا الكوكب. يَحْلو لي كثيرًا أن أتخيل مَشهدَ هذه الصور بعد ثلاثة أجيال وهي معروضة بصيغة رقمية أمام زوار شباب لدى متحف عالمي مخصَّص لتاريخ الجوائح البشرية. إنّي لأكاد أسمعهم يُعلّقون على صور زمن "كورونا" تلكَ بالقول: "ألا تبدو هذه الصور وكأنها التقطت في المدينة نفسها!".
ذلك تمامًـا مـا أشهده الآن. ولولا تلك الإشارات والكلمات القليلة التي توثق للصور، لما عرفنا أين التُقطت. بالتأكيد أتحدث هنا عن الصور التي لا تظهر فيها معالم الوجوه بمختلف أعراقها، ولا المعالم السياحية المعروفة؛ فقط عيون قلقة وأجساد متباعدة وشوارع خاوية.
في الآونة الأخيرة، دأبَت مجلتكم "ناشيونال جيوغرافيـك العربيـة" عـلى تقـديم صور عن أحوال الناس في فترة الحجر المنزلي؛ منها ما يُظهر عائلات من خلف النوافذ والشرفات، وما يكشف تلصص الجيران على بعضهم بعضًا، وما يوثق لنشاطات الناس في كل ركن من أركان بيوتهم أو في عملهم أو أثناء دراستهم من بعد. وفي كل هـذه الصـور، نكتشف كم أننا قريبون جـدا مــن بعضنا بعضًا. فمَهمَا اختلفت أعراقنا ومواقعنـا الجغرافيـة ومستوياتنـا التعليمـية وأوضاعنا الاقتصادية، فإننا جميعًا نتشارك مشاعرَ الخوف والترقب، ونمارس الطقوس ذاتها وبالوتيرة نفسها تقريبا. إننا جميعًا ننظر إلى شوارعنا الخالية بالإحساس نفسه.. إحساس تشوبه الضبابية والقلق.
كم تبدو صور شوارع نيويورك التي تطل عليكم في هذا العدد، شبيهةً بصور التُقطت لشوارع في دبي وسيؤول وباريس! شوارع صاخبة لم تشهد منذ نشأتها لحظة هدوء، فإذا بها تستكين كَرْهًا وتُسكتنا جميعًا لتُذكّرنا بحقيقة مفادها أننا.. جميعًا متشابهون.