منذ فترة ليست بالبعيدة، ذهبتُ للغطس في مياه المحيط الهادي على بعد نحو كيلومتر واحد من الساحل الجنوبي الغربي لجزيرة "أُواهُو". كانت حواف هذه الجزيرة في أرخبيل "هاواي" شديدة الانحدار، وسرعان ما توارى القاع أسفلنا ونحن نمخر عباب البحر نحو الموقع المنشود. نظرتُ إلى الخلف فرأيت منحدرات سلسلة جبال "واياناي" الخضراء شامخة خلف الشاطئ بارتفاع يزيد على كيلومتر. عادة ما تحمي هذه الجبال المياهَ هنا ضد الرياح التجارية، لكن نسمة هبت ذلك اليوم فكادت تحجب ما أتيتُ لرؤيته: بقعة رفيعة من المياه السطحية الزيتية الغنية بالجزيئات العضوية، حيث كانت فراخ السمك تتغذى وتصارع من أجل الحياة في أسابيعها الأولى المحفوفة بالخطر.
غمرتُ وجهي في السطح اللامع فوَجَدْتُني أرى مَفرَخ أسماك: إذ كان الماء يموج بحياة قد يعجز المرء عن وصفها. انساقت بيوض الأسماك مثل فوانيس صغيرة توهجت حويصلات مُحِّها تحت أشعة الشمس، فيما مرقت يرقات أسماك بحجم الدعاسيق في كل اتجاه. هناك ذرَعتِ المكانَ مهتاجةً سمكةُ "رقيب" بحجم قطعة نقدية، لكنها بدت كبيرة مقارنة بصِنواتها. أما أسفل منّا فقد كان سرب من أسماك "الجدب" -طولها 30 سنتيمترا وتشبه الإسقمري لكن عيونها أكبر- تتغذى على كل شيء شاءت الأقدار أن يكون صغير الحجم.
استرشدتُ في ذلك اليوم بكل من عالم المحيطــات، "جاميســون غــوف" وعالم الأسمــاك، "جونـاثان ويتني" من "الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي" في مدينة هونولولو، وكلاهما يشارك منذ نحو ثلاثة أعوام في مشروع يهدف إلى فهم هذا المشهد البحري الفوضوي. يشكل الطور اليرقي "الصندوقَ الأسود" لعلم الأسماك: إذ تدخله البيوض المخصبة وتخرج منه الأسماك اليافعة؛ لكن ما يحدث في أثناء ذلك يظل لغزا. فيرقات الأسماك لها من الهشاشة والصغر ما يجعل دراستها صعبة، وغالبيتها الساحقة لا تصل إلى مرحلة البلوغ. والحال أن عدد الأسماك حول العالم، والحيوانات التي تقتات عليها، رهين بعدد اليرقات التي تظل على قيد الحياة والظروف التي تعيش فيها.
اكتشف غوف وويتني في الآونة الأخيرة أن السمك وطعامَه السمكي الصحي ليسا وحدهما ما يتجمع قبالة سواحل هاواي.. وهو أمرٌ وثَّق "ليتشفاغر" عيناتٍ مائية منه بالصور. فثمة أيضا جزيئات بلاستيكية دقيقة وقطع رفيعة من النفايات البشرية، وهي وفيرة جدا إلى درجة أنها تشكل غذاءً ليرقات الأسماك في أوائل أيام حياتها.
يُعد الأكل لفراخ السمك مرادفًا لعيش يوم إضافي، وحين يكون البلاستيك وجبتَها الأولى فإنها تعدم السعرات الحرارية اللازمة لبلوغ اليوم التالي. يقول غوف: "لقد اجتازت هذه الفراخ صعوبات جمة لبلوغ هذه المرحلة. فالاحتمالات ضئيلة لأن تفقس من البيوض، وتجد بقعة زيتية، وتتغذى وتنمو؛ إذ لا تُشكل اليرقات التي تبلغ هذه المرحلة سوى عُشُرَ واحد بالمئة.. إنها اليرقات المحظوظة. وما يزيد الطين بلة اليومَ هو تزايد قطع البلاستيك الدقيق في بقعة النفايات تلك".
يقول ويتني: "إن ذلك الغذاءَ الأول هو اللحظة الأهم؛ فإذا أكلت اليرقات قطعة بلاستيك فرب
لتتمكن من قرأة بقية المقال، قم بالاشتراك بالمحتوى المتميز