برية لا كالبراري

يقدم المصلون في موقع "تشيمامبو" المقدس قرابين طعام لأسلافهم المتجسدين على هيأة قرَدة بابون. خلال الموسم الجاف، أثناء رحلة حج تستغرق أياما، يصلي الأتباع من جميع أنحاء نياسا وما وراءها تحت شجرة باوباب جوفاء ويتضرعون إلى أسلافهم أن يمنحوهم السعادة والصحة والوفرة.

برية لا كالبراري

يخرج خنزير الأرض المراوغ من جحره بعد حلول الظلام للبحث عن النمل والأرضات. لدى نياسا عدد كبير من مهندسات النظام البيئي هذه، حيث تستخدم قدراتها الكبيرة على التنقيب في حفر حجرات يستخدمها كثيرٌ من الحيوانات الأخرى مأوى له.

برية لا كالبراري

كذَّبت محمية نياسا الأسطورة القائلة إن المناطق المحمية في إفريقيا جنّات عدن لم تمسسها يد البشر. فقد كان الناس هنا على مرّ آلاف السنين يجمعون الطعام من الأرض ويتعايشون مع الحيوانات البرية. لم يُرحَّلوا حين أُنشئت المحمية، ويساعد بعضهم في الحفاظ على هذه البرية المحمية، بأنهارها الملتوية وجبالها البارزة.

برية لا كالبراري

تَعَلم "أوزيبيو وايتي"، المولود في نياسا، مهارات التعقب والعيش في الأدغال بصفته صيادَ كَفاف، ويطبق خبرته الآن في دوره الميداني بمجال صون الطبيعة. يتعقب الذبذبات الراديوية للأجهزة اللاسلكية المثبتة على الأُسود، ويدبر أمر أزيد من مئة كاميرا آلية مخفية، ويعمل على إيجاد حلول لـ"الأسود المُشْكِلة" التي يُبلّغ عنها أهالي القرى.

برية لا كالبراري

عانت فيَلة نياسا خسائر فادحة خلال العقد الأول من القرن الحالي، لمّا استهدفت عصاباتٌ إجرامية أكبرَ قطعان شرق إفريقيا، للحصول عل العاج. ما فتئت الفيلة هنا تتعافى بوتيرة بطيئة منذ عام 2018، على الرغم من تبقّي قلة قليلة فقط من الفيَلة الكبيرة.

برية لا كالبراري

يربط صائد العسل "لويس إيوين" سُلّما بدائيا من الأوتاد الخشبية إلى جذع شجرة باوباب حتى يتمكن من الصعود نحو خلية نحل في الهواء الطلق عند قاعدة تاج الشجرة. يكون النحل أكثر سكونًا في الليل؛ لكن بلا عُدّة وقاية، سيتعرض إيوين للعديد من اللسعات عندما يقطع أجزاء من قرص العسل ليعود بها إلى قريته.

برية لا كالبراري

كلاب برية إفريقية من مجموعة "مبوبو" تتناوش بالقرب من عرينها على قاع النهر الجاف الذي سُميت باسمه. تُعد هذه المحمية ملجأ مهمًا لهذه "الكلاب الملونة" المهددة بالانقراض. ويبدو أن أعداد قطعان "نياسا" من هذا النوع قد استقرت عند حدود 350 كلبًا في 30 إلى 35 مجموعة.

برية لا كالبراري

بعد عملية صيد عسل ناجحة، تتغذى حيوانات أخرى، مثل أنثى غرير العسل هذه وصغيرها، على العسل المتبقي والقرص المهمل. من المعروف أن غرير العسل يستمتع بهذه الغنائم الحلوة، لكن دراسة حديثة لصور كاميرات مخفية أظهرت أن قرَدة البابون والنمس وسنجاب الأدغال المخطط وطيور أبي قرن المتوجة، تأخذ نصيبها أيضا.

برية لا كالبراري

تمنح موزمبيق للأهالي المحليين نصيبًا من ثمار نجاحها في صون أكبر محمية برية بالبلد.

قلم: ليوني جوبيرت

عدسة: توماس بيشاك

2 أكتوبر 2023 - تابع لعدد أكتوبر 2023

وقفت "جوانا ليكوندي" على حاجز رملي لدى أحواض "تشيمامبو" المقدسة، وثوبها الزمردي منقوع وقطرات ماء المطر تتساقط عند قدميها. انتصبَت في وضعية تواجه المذبح، ويتخذ شكل شجرة باوباب يافعة لُفَّ جذعها العريض المقدس بثوب أبيض، لتؤم رفاقها في الصلاة. لمّا قفز هؤلاء المصلون إلى مياه الينابيع قبل لحظات، هاجوا مثل أطفال، والآن دخلوا في فترة سكينة ووقار. خفتَ وقعُ أقدامهم الراقصة وهم يقفون بخشوع. هنالك هدأت الخشخشة الموسيقية احترامًا لهذه اللحظة، فيما كانت الشمس الآفلة تُعِدُّ هذه المجموعةَ لأمسية حافلة بالرقص والغناء والأدعية والصلوات. إذ يشارك هؤلاء المصلون في حفل "تشوندي- تشوندي" في نياسا، المنطقة المحمية بشمال موزمبيق، حيث يقدمون قرابين من طعام ومال عند قاعدة الباوباب ويستجْدون أسلافهم وهم ينشدون التشوندي (الرجاء) طلبًا للسعادة والصحة والوفرة. وتحظى أشجار الباوباب هناك بالتقديس؛ وهي بمنزلة بوّابات إلى عالم ما وراء الطبيعة، حيث يجتمع الناس لاستحضار أرواح أسلافهم. وتحمي المعتقدات المحلية هذه الأشجار ضد الفؤوس.
ليكوندي مُعالجة تقليدية، وهي تدعو بالرخاء والنعمة لمهنتها هذه، كما تشفع لأهالي آخرين في قرية "مبامبا" على ضفاف نهر "لوغوندا" التي يبلغ فيها عدد المتحدثين بلغة "ياو" 2000 نسمة. قلة قليلة فقط قدِمت بعد مسيرة يومين إلى هذا المكان المقدس حيث دأب الناس على التعبد منذ أزمنة غابرة. لدى أهالي "ياو"، على غرار المجموعات العرقية الأخرى التي تعيش في المحمية -بما في ذلك ماكوا ونغوني وماتامبوي وماكوندي- ثقافة تزخر بالروابط مع الطبيعة، مع دمجهم الإسلام في طقوسهم الروحية.

تعيش أرواح أسلافهم هنا على هيأة قرَدة البابون، وتتجول على أربع في كل مكان بين هؤلاء الحجيج. رأيتُ بعض هذه القرَدة يلتقط عطايا من حبّات فول سوداني من الرمل بأصابع جلدية، فيما تقرفصت أخرى في وضع تأملي على صخور أحمتها أشعة الشمس. أما اليافعة منها فكانت تركض صارخة وراء بعضها بعضًا. تقول ليكوندي: "عندما يموت الناس، فإنهم عادةً ما يحّلون بأجسام مخلوقات أخرى كالثعابين أو الأسود أو الفيلة". بعيدًا عن هذا المعبد في الهواء الطلق، لا يعير أهالي "ياو" لقردة البابون أهمية خاصة، بل غالبًا ما يخوضون معارك ضد جحافلها التي تهجم على محاصيلهم الزراعية. لكن هذه القرَدة على وجه الخصوص مختلفة. إذ تقول الأسطورة إنه وقبل زمن بعيد، قبل "أجداد أجداد" ليكوندي، مات "مامبو"، أحد زعماء "ياو"، وعائلته بعدما ألقوا بأنفسهم في تلك الأحواض عقب نزاع في القرية. هنالك دخلت أرواحهم في أجساد قردة البابون تلك الجديرة اليوم بالاحترام والغذاء؛ لذا يقدم لها الناس قرابين الطعام من فول سوداني وذرة مجففة. تقول ليكوندي موضحة: "إنْ لم نفعل فإن الأرواح ستجوع. وهذا تقليد متوارث وسيبقى كذلك". استوطن الناسُ -من صيادين وملتقطي ثمار ومزارعين وحُكام- هذه المنطقة منذ آلاف السنين. لكن قرونا من الاحتلال وحربًا أهلية في زمن أَحدث، تركت أهالي نياسا في فقر مدقع. وإنْ كان لهذه البرية الرائعة (وهي أرض متوارَثة على مرّ أجيال) أن تُشمل بالحماية والرعاية حتى تدوم مستقبلًا، فمن الواجب منح أهاليها نصيبًا مباشرًا من جهود الحفظ والسياحة.

تبلغ مساحة نياسا 42 ألف كيلومتر مربع، وأُعلنت محميةً للصيد في عام 1954 ثم منطقةً وطنية محمية في عام 1999. إنها واحدة من أكبر البراري الإفريقية التي لم يسمع بها العالم من قبل، انحبست في الزمن بفعل بعدها الجغرافي وما زالت تتعافى من تداعيات حرب أهلية دامية استمرت 16 عامًا ووضعت أوزارها في عام 1992. وهي موطن لنجوم شرق إفريقيا -فيَلة وجواميس وأسود وكلاب إفريقية برية- فضلًا عن كائنات مثيرة مثل الحمار الوحشي وبوم إمبالا "جونستون" وظباء "نُوّ" نياسا البرية. سهولها مترامية الأطراف مطرزة بأراض حرجية وغابات وسهول فيضية، وتنتشر فيها جبال غرانيتية داخلية؛ وهي نتوءات صخرية تشبه سفنًا شراعية تُبحر في المحيط. منذ عصور ما قبل التاريخ، كان الناس يعيشون ويتاجرون في المنطقة، وتُوثق لوجودهم المبكر قطعٌ أثرية ونقوش على صخور الغرانيت تعود إلى العصر الحجري. لقد عاشوا في الغابات وعلى ضفاف الأنهار، يجمعون اللحوم البرية والفواكه والعسل والمكسرات والحطب والنباتات الطبية ويصطادون الأسماك. ثم أضافوا زراعة المحاصيل إلى نشاطهم اليومي، فزرعوا الذرة والفول السوداني والفاصوليا والسمسم والذرة الرفيعة والمحاصيل التجارية كالتبغ. واليوم، يواصل أزيد من 60 ألف شخص في قرى صغيرة بأرجاء نياسا العيش على الأرض، رغم أن الجهتين المشرفتين على التدبير المشترك لهذه المحمية (وهما الإدارة الوطنية للمناطق المحمية في موزمبيق، وجمعية صون الحياة البرية ومقرها بالولايات المتحدة) تراقبان نشاط الصيد والقنص. إذ يحدد نظامٌ ترخيصَ زمن صيد الأسماك ومكانه وكيفيته. وأصبح محظورًا صيدُ الوحيش لأجل الغذاء أو البيع للتجار المحليين. وثمة تشجيع للناس على تربية البط والدجاج والأرانب لتكون مصادر بروتين بديلة.

في صبيحة أحد أيام نوفمبر، على الطريق القريبة من قرية مبامبا، رُحتُ أَرقُب الصيادين وهم يدفعون دراجاتهم نحو السوق على طول المسار الترابي نفسه الذي دأب أهالي القرية على تقاسمه مع مختلف المشاة على أربع -الفيلة والأسود والظباء- بعد قضاء أسابيع في مخيم صيد على بعد 15 كيلومترًا باتجاه مجرى نهر لوغوندا. سلال الخيزران المعلقة على دراجاتهم تعج بأسماك "نيينغو" و"مادساكر" و"كمبانغو"، وهو سمك سنور يعيش في المياه العذبة يُصاد بالشباك. تم سلفًا تجفيف الأسماك وتدخينها على نار في الهواء الطلق لدى المخيم، وهي طريقة تمنح هذه الأسماك صلاحية تدوم أسابيع. إن الأسماك لدى أهالي "ياو" أكثر من مجرد مصدر للبروتين الشحيح؛ فهي بقيمة عملات معدنية سُكَّت حديثًا. ويقابض أهالي القرى الأسماك بزيت الطهي والأرز والملابس في السوق المحلية. وما تزال مبامبا مرتبطة أيضا بالطرق التجارية القديمة التي تتقاطع مع المنطقة؛ مما يتيح للصيادين بيع حصة من صيدهم للتجار من أماكن أخرى بالمحمية وخارجها. يقول "بينفيندو نابوانها"، المدير المحلي لـ"مشروع نياسا للحيوانات اللاحمة"، وهو مبادرة حِفظ تأسست في عام 2003: "يأتي الناس لشراء الأسماك من إقليم كابو ديلغادو الواقع شرقًا، بل حتى من تنزانيا أيضا".

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab

درب  البَرَكات

درب البَرَكات

تمر طريق الحج الأشهر في اليابان بـ88 معبدًا على خطى راهب مشهور وُلد قبل 1250 عامًا.

شرائط المشتري  العاصفة

استكشاف

شرائط المشتري العاصفة

أمضت المركبة الفضائية "جونو" التابعة لوكالة "ناسا" أكثر من سبعة أعوام وهي تدور حول أكبر كواكب المجموعة الشمسية. ويستعين العلماء بالصور التفصيلية التي التقطتها للغلاف الجوي المضطرب لكوكب المشتري،...

انبعاث وجه

استكشاف

انبعاث وجه

بعد مرور أكثر من 500 عام على وفاة "عذراء الجليد" أو "سيدة أمباتو" في جبال الأنديز وزُهاء ثلاثة عقود على اكتشافها، أصبحنا قادرين على إنشاء ملامح وجهها.