من منصات الحفر البترولية إلى مواجهة جبابرة المحيط.. سعيًا لاستكشاف عجائب الأعماق.
في كل مرة أتامل مشهد حوت، تتداعى إلى ذاكرتي بعض المشاهد المثيرة والمفزعة أيضًا من فيلم "In the heart of the Sea" (في قلب البحر). يوثق هذا الفيلم للحظات عصيبة عاشها طاقم سفينة لصيد الحيتان في عرض المحيط الهادي عام 1820؛ إذ تَحَيَّن حوتٌ ضخم الفرصةَ للفتك بهؤلاء المتطفلين الساعين لتحقيق الثروة من شحومه وزعانفه. اقتُبست أحداث هذا الفيلم الدرامي من كتاب "في قلب البحر: مأساة سفينة الحيتان إسكيس"، لمؤلفه "ناثانيل فيلبريك" الذي أعاد سرد محنة ذاك الطاقم المنكوب استنادًا إلى يوميات أحد الناجين. تتيح لنا مثل هذه المشاهد المصورة قدرًا يسيرًا من المعرفة بحال أهل البحر، كما أنها قد تصور كائناته بوصفها مفترسات تلتهم كل ما يعترض طريقها.
قبل فترة قصيرة، التقيتُ "عزام عبد العزيز المناعي" الذي كان قد أنهى للتو رحلة غوص في المحيط الهندي بحثًا عن حوت العنبر. راح المناعي يتحدث بحماس بالغ عن رحلته تلك التي يصفها بأنها إعادة توازن لعلاقته بالبحر. فعلى مرّ عقدين من الزمن، أمضى المناعي، وهو مهندس إداري في قطاع النفط والغاز، جُل وقته مشتغلًا فوق المنصات الجاثمة في الساحل الشمالي لقطر. آنذاك، كثيرًا ما جلس يتفكر فيما يحدث تحت المسطح المتلألئ أمام عينيه. يقول: "كنت أشعر أن هناك عالمًا مثيرًا يتوجب عليّ الغوص في باطنه، وكذا نيل شرف السباحة مع كائناته المسالمة". نشأ الرجل على ضفاف منطقة "الدفنة" ويتحدر من عائلة اتخذت البحر مصدرًا لرزقها وكفاف عيشها، كحال جُلّ العائلات في أرجاء الخليج العربي. في عام 2019، سافر المناعي إلى آيسلندا التي سحرته طبيعتها الخلابة ومناظرها المذهلة. وعلى الرغم من حرصه البالغ على ترتيب جدول يومه، إلا أنه تعمد في رحلة الجليد تلك ألّا يصطحب معه سوى مُعدّات خفيفة الوزن، ورواية "موت صغير" للروائي "محمد حسن علوان". وحينما سألته عن أسباب ذلك، أجاب أنه رَغِب في عيش حالة من العزلة، وكسر روتين يومه المعتاد؛ إذ قال: "كنت أودّ فحسب تأمل الأرض.. بكل بساطة". لذا كانت تلك الرحلة أشبه بانغماس روحي؛ على أن غايتها في الأساس كانت التصوير الفوتوغرافي.
خلال جائحة "كوفيد-19" لم يكن السفر متاحًا، لذا جال المناعي في أرجاء بلده باحثًا ومستكشفًا في براريها وبحرها؛ وكأنه يشاهدها أول مرة. وقد شَكَلت الصور التي التقطها لأسماك قرش الحوت وهي تجوب السواحل الشمالية في قطر، نقطة تحول كبرى في مسيرته. إذ أسهمت تلك الصور، المنشورة عبر المنصات الرقمية لمجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية، في لفت الأنظار إلى هذه الكائنات المهددة بالانقراض؛ وكذلك التفكر في هيأتها العملاقة والاطلاع أكثر على نُظمها البيئية المعقدة. هنالك قرر مصوّرنا أن يكرس جهوده لتتبع الأسماك الضخمة والتوثيق لأنواعها المختلفة، من قبيل حوت العنبر، أكبر كائنات المحيط المفترسة المُسنَّنة. يرى المناعي أن هذا الحوت كائن "أنموذج"؛ إذ يظل مثالًا حقيقيًا على الصمود والقدرة على البقاء، رغم مأساته المحزنة في القرون الماضية. فبفضل الأساليب الذكية التي طورها حوت العنبر، تمكن من الإفلات من بطش البحارة وحِراب الصيادين.
سافر المناعي إلى موريشيوس ستة أيام، والأمل يحدوه بلقاء هذا الحوت؛ ظل خلالها برفقة مرشد محلي وآخر مقيم في لحظات سكون تام بانتظار إشارةٍ ما قد ترشدهم إلى موقع أسراب الحوت عبر جهاز المسماع المائي. فشل الثلاثة في تحقيق مرادهم في اليوم الأول، وأصيبوا بالإحباط بسبب إبحارهم المتواصل زُهاء سبع ساعات منذ الخامسة فجرًا. إلا أنهم أعادوا الكَرة في اليوم التالي؛ إذ بعد ساعات من الهدوء، التقط الجهاز تنبيهًا يبلغهم بالمكان المنشود. يستذكر المناعي تلك اللحظة بسعادة غامرة قائلًا: "قفزت من مكاني مثل طفل يدخل مدينة الألعاب أول مرة. حينئذ لم أفكر سوى بالنزول إلى مياه المحيط".
تنفس الصعداء قبل أن يغوص في مياه المحيط الهندي لينضم إلى موكب حوت العنبر. يستذكر قائلًا: "دُهشت أمام هذا الكائن البحري ومدى ضخامته المرعبة. أدركت حينها أننا ولجنا منطقة نفوذه ويجب علينا أن نتواضع في حضرته كُلَّ تواضع". لم يتسلل الخوف والارتباك إلى قلب المناعي، بل سيطر عليه إحساس آخر: الهدوء وعدم إزعاج موكب الحوت. فهو في مَهمة سريعة وعليه أن يسبح بانسيابية تامة مع الحيتان، وينجز ما أتى لأجله: أكبر قدر ممكن من الصور لمشاركتها مع حُماة البحار والباحثين في شؤونها. ومن شأن هذه اللقطات أن تُسهم في صون الحياة البحرية وتقدم خير مثال على نوع جديد من العلاقة بين الإنسان والحيتان.
تم إطلاق مشروع "متحف دبي للتصوير"، الأول من نوعه في الإمارات، بهدف تعزيز مكانة دبي كمركز عالمي للفنون البصرية. سيجمع المبدعين المحليين والدوليين من خلال توفير مساحات لعرض الأعمال في معارض دائمة...
تَملَّكَ أحد المصورين اليأسُ بعد أن تلقى أنباء مفجعة خلال أدائه إحدى المَهمات الصعبة. ثم اتخذ البابا "فرنسيس" منعطفًا منحَه باب أمل لتدارك ما فات.
مَهمة محفوفة بالمصاعب في خبايا صناعة الببور الأسيرة في أميركا تُفضي إلى بصيص من الأمل.