حين تلتقي الذاكرةُ التغييرَ

من أماكن يَعرفانها حق المعرفة، مصوران فوتوغرافيان يجمعان صورًا وأفكارًا لتحقيقين عن بلوغ ساكنة الأرض ثمانية مليارات نسمة.

حين تلتقي الذاكرةُ التغييرَ

من أماكن يَعرفانها حق المعرفة، مصوران فوتوغرافيان يجمعان صورًا وأفكارًا لتحقيقين عن بلوغ ساكنة الأرض ثمانية مليارات نسمة.

قلم: جاستن جين و ياغازي إميزي

10 ابريل 2023 - تابع لعدد أبريل 2023

الصين: رأى المصور أن سياسة "كوفيد" تَنشد "المنفعة العامة" تمامًا كما فعلت سياسة تحديد النسل في الماضي.

عادةً ما أشعرُ بالحماس عندما أركب الطائرة إلى الصين انطلاقًا من أوروبا، حيث أعيش. لكن في رحلتي لأجل إنجاز مَهمة تصوير صحافي في عام 2022، أحسست ببعض الرهبة وأنا أمُرُّ بكتائب أطقم مطارات مدجّجة بمُعدّات الوقاية الشخصية.  صارت مقصورة الطائرة معزلًا هوائيا يفصل الصين الخالية من وباء "كوفيد-19" إلى حد كبير عن بقية العالم الموبوءة والمُعدية، حسب قول مسؤولي هذا البلد.

في عام 2022، عندما بدأتُ رحلة من خمسة أسابيع لالتقاط صور لموضوع "ثمانية مليارات" المنشور بهذا العدد، سمحت قواعد "صفر إصابة بكوفيد" الصارمة للحكومة إغلاق مدن بالكامل وعزل أي شخص مصاب. نتيجة لذلك، تم تحويل مسار رحلتي من العاصمة بكين إلى مدينة شيان، الأقل أهمية من الناحية الاستراتيجية والبعيدة مسافة 1200 كيلومتر، حيث بدأتُ عزلتي مدة 10 أيام في غرفة مزودة بكاميرا تراقب الباب ومُكبِّر صوت يُطلق تحذيرًا كلما فتحت الباب. بعد إنهائي مدة الحجر، تجولتُ بحرية ولكن مع الحرص على إبقاء الرمز الصحي على هاتفي بلون أخضر ينبغي الحفاظ عليه كذلك بإجراء فحوصات (PCR) شبه يومية، مع تطبيقات إلكترونية تسجل ما إذا كان المرءُ قريبًا من شخص مصاب. كنت أسافر بسرعة عبر أرجاء الصين ما إنْ أسمع أي خبر عن تفشي الوباء، مخافةَ تقييد حريتي.

في تسعينيات القرن العشرين، لمّا بدأت عملي في الصحافة، كان الحصول على تذاكر القطار يستغرق ساعات من الانتظار في طوابير، وكانت الرحلة الرابطة بين بكين وشنغهاي تدوم 24 ساعة؛ واليوم يمكن طلب التذكرة في ثوان على الهاتف، وقلص القطار فائق السرعة الرحلة إلى نحو أربع ساعات. لكن قيود الجائحة تسببت في اضطرابات وتأخيرات كثيرة. عندما كنت أصل إلى وِجهاتي المحددة، غالبًا ما كنت أكتشف أن حصص التصوير قد أُلغيت بسبب عمليات إغلاق مفاجئة.  خلال رحلة من تشونغتشينغ إلى هانجو، كان بعض أصدقائي وزملائي يرسلون إلي أنباءً فورية عن الأحياء التي تفشى فيها الوباء حتى لا أَعلق فيها. كانت نتيجة فحصي دائما سلبية؛ لكن ذات مرة، تحول رمز الهاتف إلى اللون الأحمر لسبب غير مفهوم، فلم أستطع الذهاب إلى أي مكان أو أُنجز أي شيء؛ ثم ما لبث الرمز أن تغير إلى اللون الأخضر بلا سبب يُذكر. عاش نحو 1.4 مليار صيني في هذه القيود كل يوم. ومع ذلك، كان معظم الذين قابلتهم متفهمين للوضع، اعتقادًا منهم أن هذه التضحية لأجل المصلحة العامة. قد لا يختلف الأمر عن التقبل الرصين من لدن الجيل السابق لسياسة الطفل الواحد في سبيل دفع عجلة النمو الاقتصادي. أتممتُ عملي وعدت إلى أوروبا. في غضون أسابيع، كان واضحا أن صبر الناس قد نفد. واستجابت الصين لاستياء واسع النطاق إزاء التدابير المتعلقة بالجائحة من خلال التخلص من أكشاك الفحص ورموز الألوان ومراكز الحجر الصحي. بعد ثلاثة أعوام من العزلة الوطنية، تحولت بكين إلى أسلوب "المناعة الجماعية". لمّا اتصلت بالأشخاص الذين التقطتُ لهم  صورًا، لتحديث حكاياتهم، وجدت العديد منهم مرضى أو يعتنون بأقارب مرضى. عانيتُ لجعل والدي كبير السن في شنغهاي بعيدًا عن الإصابة لكن الأوان كان قد فات: فلقد أصيب بالفيروس. لحسن الحظ أنه تعافى منذ ذلك الحين. – جاستن جين

  • حين تلتقي الذاكرةُ التغييرَ
    وُلد المصور الصحافي المخضرم "جاستن جين" في هونغ كونغ ويقيم حاليًا في بروكسل. ذهب إلى الصين في مَهمة ليلتقط صور موضوع "ثمانية مليارات" في عدد أبريل 2023 من مجلة ناشيونال جيوغرافيك. في الصين، يختار عدد متزايد من الأزواج الشباب المقيمين في المدن، تربية حيوانات أنيسة بدلًا من الإنجاب؛ كهذه المرأة في وسط شنغهاي التي التقط جين لها صورة مع كلبها وهو يسبح في منتجع راق للحيوانات الأنيسة. الصورة: Gong Yihan

 

نيجيريا: عادت المصورة لتكتشف أن بلدتها "لم تتوقف قَط عن النمو".
إنه لَشعور مرير أن يدرك المرء أن بيتَه لا يبقى دائما في مكان واحد. تركنا البيتَ وعُمري أصغَر من أنْ أُدرك أنّ والديَّ كانا مستأجرين. كان في اعتقادي أنه سيظل بيتنا إلى الأبد. ما زلت أحلم أني في مدينة "أبا" لدى كوخنا المؤلف من ثلاث غرف نوم، حيث تلامس الستائر البيضاء فتحات التهوية الزجاجية الخارجية. أحلم بباحتنا: شجرة البابايا التي لم تنتج قط ما يكفي من الثمار، وشجرة المانجو التي كنا نركض عندها في موسم الأمطار ونحمل ثمارها المتساقطة في قمصاننا. في تلك الأحلام، أرى فسحة الأرض الزراعية، الكسافا والذرة التي كنا نزرع؛ وفي وسط كل ذلك، شجرة الياسمين الهندي الضخمة دائمة الإزهار. كانت مدينة أبا، حيث ترعرعتُ، في جنوب شرق نيجيريا، مركزًا تجاريا يضج بالأسواق المزدحمة والطرق الرديئة والناس الذين يصرخون ويبتسمون في الوقت نفسه. كانت عنيفة أيضًا.. لكن المرء حين يكون في ماء يغلي ببطء لا يشعر بالحرارة في البداية. أَذكر يومَ تعرض رجلٌ للضرب على أيدي آخرين في الشارع حيث كنّا نسكن، وذهب صراخه أدراج الرياح. كان والدي يطلب إلي المكوث بالمنزل حين انتشار أعمال الشغب. كانت الروائح النتنة تتصاعد من الجثث المحترقة المتروكة في العراء، والفِتيان اليافعون يتدلون من شاحنات وهم يلوحون بسواطير ويتعهدون بمحاربة الجريمة. كانت تلك ملامح نيجيريا التي لم أستوعبها. في ثنايا تلك الكآبة كانت ثمة شوارع هادئة حيث أكشاك خشبية لبيع الصابون والحلوى؛ وحيث كان باعة الفول السوداني والزبادي المجمد يأتون حاملين بضاعتهم وهم يجتذبون الزبائن بترانيم رنانة؛ وحيث تحل المساءات على مهل كما لو كان الزمن يسعى لترضية الجميع. في شارع على هذه الشاكلة.. أمضيت طفولتي.

  • حين تلتقي الذاكرةُ التغييرَ
    التقطت المصورة الصحافية "ياغازي إميزي"، المقيمة في لاغوس، صورًا لنيجيريا ضمن موضوع "ثمانية مليارات". تَظهر في هذه الصورة الملتقطة في أوائل تسعينيات القرن العشرين، (من اليسار) الطفلةُ ياغازي رفقة شقيقتها "أكوايكي" وشقيقها "جاميكي" مرتدينَ ملابس خاصة لحضور فعالية في قريتهم الواقعة بولاية أبيا النيجيرية. الصورة: إهداء من عائلة إميزي

إنْ نظرتُ إلى ذكرياتي بعين إيجابية، أرى طفولة مريحة ورائعة. في العديد من الأيام كان اللعب في الخارج آمنا، مثل المطاردات على متن الدراجات الهوائية وسباقات عربات اليد. ذات ليلة، كان القمر ساطعا وأزرق إلى درجة أننا ركضنا جميعا إلى الخارج، فصحنا بفرح إزاء جرأة هذا الجرم السماوي والكِبار يضحكون ونحن نطارد بعضنا بعضا ونطارد ظلالنا. أذكر أني نظرت حوالي إلى جيراني الراقصين، وأنا أعلم أني لن أنسى الحدثَ أبدا. قُبيل مغادرتي المنزل في عام 2005، وأنا بِعُمر الـ 15، مرَّرتُ أناملي على الجدران فأحسستُ بكل تفاصيله المألوفة لدي. قبَّلت قططي قبلة الوداع، وهمست لكلبي أني عائدة قريبًا. عدت إلى المنزل عام 2012. كانت حيواناتي الأنيسة قد نفقت، وكان كوخي الجميل يتهاوى، ولم تكن شجرة الياسمين الهندي الضخمة مزهرة. كان مالك البيت يمنّي النفسَ بأن يضطر والدي في نهاية المطاف لترك البيت بسبب تردّي أركانه، فيهدم الجدران ويبني غرفا أصغر لإيواء مؤجرين أكثر. فمدينة "أبا" لم تتوقف قَط عن النمو الديموغرافي، ممّا زاد من الطلب على مساحات سكنية وتجارية. خلال أحدث زيارة إلى أبا، عام 2020، رأيتُ أن العديد من منازل جيراننا حُوِّلت إلى كنائس ومدارس وفنادق وملاهٍ ليلية. كانت السيارات تمر باستمرار جيئة وذهابا في الشارع الذي كان بالأمس هادئًا. أمهل المالكُ والدي عامًا آخر ليبقى في الكوخ. وفي الفناء، قُطعت شجرة الياسمين الهندي. – ياغازي إميزي

اقرأ التفاصيل الكاملة في النسخة الورقية من مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية"
أو عبر النسخة الرقمية من خلال الرابط التالي: https://linktr.ee/natgeomagarab

 

استكشاف

هدية ... في الوقت المناسب

هدية ... في الوقت المناسب

تَملَّكَ أحد المصورين اليأسُ بعد أن تلقى أنباء مفجعة خلال أدائه إحدى المَهمات الصعبة. ثم اتخذ البابا "فرنسيس" منعطفًا منحَه باب أمل لتدارك ما فات.

سنّوريات تتنفس الصعداء

استكشاف ما وراء الصورة

سنّوريات تتنفس الصعداء

مَهمة محفوفة بالمصاعب في خبايا صناعة الببور الأسيرة في أميركا تُفضي إلى بصيص من الأمل.

تشارلستون.. بصيغة أخرى

استكشاف ما وراء الصورة

تشارلستون.. بصيغة أخرى

مع افتتاح المتحف الذي طال انتظاره على رصيف ميناء تاريخي، تعيد هذه المدينة الواقعة جنوب الولايات المتحدة الوصل بساحلها.. وتعيد حساباتها مع ماضيها المأساوي.