هنا تصدح حناجر الفظ شدوًا

"مارغريت أرشيبالد" (إلى اليمين) و"ماثيو لوهرستورفر"، خبيران فنيان لدى "هيئة الأسماك والصيد الترفيهي" في ألاسكا، يراقبان وحيش البرية في الجزيرة؛ ومنه حيوانات الفظ التي تستريح على شواطئها.

هنا تصدح حناجر الفظ شدوًا

تسبح حيوانات الفظ في مياه المحيط الهادي الضحلة قبالة جزيرة "راوند آيلند"، وهي مفتوحة للزوار المغامرين في بضعة أشهر كل عام.

هنا تصدح حناجر الفظ شدوًا

تصدح أنغام لا تُنسى على جزيرة نائية في ألاسكا، من مصدر غير متوقع.

قلم: أكاسيا جونسون

عدسة: أكاسيا جونسون

1 ابريل 2022 - تابع لعدد أبريل 2022

تتكسر أشعة الشمس الأولى منعكسةً فوق أجراف التندرا؛ ومن فضاء البحر المفتوح، تقترب حيوانات الفظ من الشاطئ في الأسفل. ترتفع أنفاسها على شكل رذاذ ذهبي بفعل ضوء الشمس، وهي تشدو بأغنية يرن صداها فتشد الآذان مثل رنين أجراس هادئ. تسمعه بجسمك كله، كما لو كنت تحت الماء. هذه هي "راوند آيلاند"، وهي واحدة من سبع جزر صخرية في "خليج بريستول" تُشكّل "محمية جزر والروس للصيد الترفيهي" بولاية ألاسكا. ظل هذا المكان يُشكل منذ آلاف السنين موقع استراحة مهم لذكور حيوانات فظ المحيط الهادي (Odobenus rosmarus)، حيث تتجمع على شواطئه بالآلاف كل صيف لتستجم بعد موسم التزاوج. وأطلق شعب "يوبيك" الأصلي، الذي لطالما اصطاد حيوانات الفظ على نحو مستدام في "راوند آيلاند"، على هذه الاستراحة اسم "كاياسيك"، وتعني "المكان الذي يمكن بلوغه بقوارب الكاياك".

في مطلع القرن العشرين، قضى الصيد التجاري على جماعات الفظ. وبحلول الوقت الذي تم فيه إنشاء المحمية وحظر جميع عمليات الصيد، وذلك في عام 1960، كانت "راوند آيلاند" أحد آخر مواقع استراحة حيوانات الفظ بأميركا الشمالية في منطقة المحيط الهادي. وعلى الرغم من أن وزن الفظ يتجاوز الطن، إلا أنه حساس جدًا للإزعاج. فقد تتسبب حركة القوارب والضوضاء الشديدة باندفاع جماعاته بقوة نحو الماء، ما يؤدي أحيانًا إلى حدوث جروح خطيرة لديها أو حتى نفوقها أثناء الجلبة والتدافع. أما إذا حدث إزعاج واضطراب على نحو متكرر في أحد ملاذاتها تلك، فقد تهجره بلا رجعة. وتظل "راوند آيلاند" موطنًا موسميًا لحيوانات الفظ بفضل المحمية، التي يشرف على إدارتها اليوم كلٌّ من "لجنة كاياسيك المعنية بالفظ" مع ممثلين من تسعة مجتمعات في "يوبيك" وظيفتهم ضمان مراعاة الثقافة التقليدية. ومع تعافي حيوانات الفظ وتكاثر أعدادها، نجح زعماء القبائل في تقديم التماس لإعادة العمل بصيد الكفاف (أي غير التجاري). ومنذ عام 1985، يسمـح برنامــج تُديره حكومة ألاسكا للزوار بالقدوم إلى الجزيرة من شهر مايو وحتى أغسطس. لكن الزوار قليلون، ويُعزى سبب ذلك جزئيًا إلى أن بلوغ الجزيرة يتطلب ركوب قارب مسافة 30 كيلومترًا على الأقل في بحر "بيرينغ".

أتيتُ إلى "راوند آيلاند" مع أخي، عالم الأحياء البرية، لمشاهدة حيوانات الفظ. وبينما كنا نقترب ونحن على متن قارب، بدت الجزيرة كأنها تنتمي إلى عوالم الحكايات الأسطورية: قبة من الخُضرة تبرز من سطح البحر لتعانق بقمتها السديم. حيَّتنا "مارغريت أرشيبالد"، وهي واحدة من خبيرين فنيين اثنين من "هيئة الأسماك والصيد الترفيهي" في ألاسكا يعملان بالجزيرة كل صيف. قالت: "أعتذر مقدمًا إن كنت ثرثارة بعض الشيء. فأنتما أول زوار لنا منذ أسابيع".

كان الشاطئ الذي نزلنا فيه يعج بحيوانات فظ نائمة. ولنتجنب إزعاجها، أفرغنا حمولتنا في مكان يبعد قليلًا، مُبقينَ على أصواتنا منخفضة. بعد نصب خيمتنا في مكان التخييم، انضممنا إلى أرشيبالد في جولاتها اليومية. إذ تتمثل مهمتها في الحفاظ على الدروب، والإشراف على برنامج الزوار، ومراقبة منطقة الحظر الممتدة على مسافة نحو خمسة كيلومترات لحماية الجزيرة ضد حركة القوارب والصيد التجاري. لكنها ترى أن أهم مهمة لها هي التعداد اليومي لحيوانات الفظ والطيور البحرية وأسود البحر من نوع "ستيلر". ويُعدّ خليج بريستول ومناطق صيد الأسماك فيه نظامًا بيئيًا حيويًا لاقتصاد ألاسكا، والبيانات التي تُجمَع حول الكائنات التي تقطن "راوند آيلاند" من الأكثر اتساقًا في المنطقة. وتقول أرشيبالد إنه مع ارتفاع درجات الحرارة، باتت التأثيرات في هذه الجزيرة تقدم رؤية متبصّرة قيّمة عن النظام البيئي البحري الأوسع.

قادتنا أرشيبالد إلى مكان يطل على شاطئ "فيرست بيتش". عندما ألقينا نظرة من على الحافة، رأينا المئات من حيوانات الفظ في الأسفل. كنا نشم رائحتها أيضًا: كانت مالحة وبحرية ومفعمة بالخصوبة. كنا نتجول -أنا وأخي- بين الإطلالات ساعات كل يوم، لنشاهد الفظ.. حيوانات اجتماعية تصطف على الشاطئ في فسيفساء من شحم وأنياب. في الماء، هي سبّاحة رشيقة. في أثناء حديثنا إلى أرشيبالد في أصيل أحد الأيام، شرحت لنا أن حيوان الفظ نوع أساسي في المنظومة البيئية ويسهم في تشكيل المجتمع الحيوي بأكمله. لكنها على الرغم من كل ذلك، وفضلا عن ضعفها أمام ذوبان الجليد البحري، لا تحظى بالأولوية في جهود صون الطبيعة. إذ يصعب تتبع حيوانات الفظ، وما زالت البيانات الموجودة بشأنها غير كافية لإدراجها على قائمة الكائنات المهددة بالانقراض.

استكشاف

مواقع التراث العالمي في مواجهة التغير المناخي.. والبتراء في الواجهة

البتراء في مواجهة التغير المناخي

شَكّلت المدينة الأثرية بجدرانها الأيقونية خلفية مثالية لمشاهد فيلم "إنديانا جونز" الكلاسيكي. لكنها اليوم تُعاني من الجفاف والفيضانات والعواصف الرملية. فهل تنقذها تقنيات الأنباط القديمة؟ 

فوتوغرافيا

استكشاف

فوتوغرافيا

بعدسات ناشيونال جيوغرافيك

تشكيلات مرجانية

استكشاف

تشكيلات مرجانية

تقدم مصورةٌ فوتوغرافية رؤية جديدة إلى الشعاب المرجانية من خلال تحويل صورها لهذه النظم البيئية الحيوية إلى تشكيلات معقدة.