تشكل رحلات البحث عن العسل بين ثنايا جبال ووديان الإمارات تجربة فريدة ضمن تجارب السياحة الجبلية.
21 يناير 2022
العسل في الإمارات وأنواعه وطرق جمعه"قطافه" رحلة تعكس أسلوب العيش المستدام المتكامل مع الطبيعة. فمع تنوع بيئة الإمارات وثروتها الطبيعية تنوع إنتاجها من العسل وتحولت المناحل - وخاصة في المناطق الجبلية – إلى مورد للدخل وعامل جذب سياحي يقوم على خيرات الأرض وأصالة التراث في قلب أجمل شتاء في العالم. وتنتشر على امتداد دولة الإمارات بتضاريسها المتنوعة موائل طبيعية عديدة لتربية النحل وجني العسل بمختلف أنواعه بما يعكس غنى طبيعية هذه الأرض الطيبة ومساهمتها في استدامة الحياة لجميع البشر، إذ بحسب برنامج الأمم المتحددة للبيئة، فإن 71 محصولاً زراعيًا من أصل 100 نوع من المحاصيل المسؤولة عن توفير 90% من الغذاء عالميًا يعتمد وجوده بشكل شبه كامل على تلقيح النحل.
وتزخر بيئة الإمارات الفطرية بالكثير من الثروات التي تعكس فرادة وتنوع طبيعتها الغنية، فمن الجبال الشاهقة إلى السواحل الممتدة من الخليج العربي وحتى المحيط الهندي، وصولا إلى الواحات التي تتوسط صحاريها الواسعة، تتنوع أشكال الغطاء النباتي الذي تعززه المحميات الطبيعية المنتشرة في مختلف أنحاء الدولة، ومعه تتنوع عطاءات الطبيعة من أنواع العسل الإماراتي بخصائصه الصحية الفريدة والإضافة المميزة التي يقدمها للسياحة البيئية والجبلية في الدولة.
فمنذ قديم الزمان، يُعرف العسل الإماراتي بخصائصه الطبيعية الممتازة وجودته العالية التي تستفيد من بيئة الدولة الطبيعية المتنوعة ومن القوانين الصارمة التي تحمي الموائل الطبيعية للكائنات الفطرية والتوسع الكبير في إنشاء المحميات. ويرتبط إنتاج العسل في دولة الإمارات بثلاثة مواسم رئيسية هي السمر والسدر والغاف وهي على صلة بسقوط الأمطار.
وتبدأ عملية جني عسل السمر المعروفة بـ"قص العسل" في شهر أبريل وتستمر حتى يونيو، وتشتهر المناطق الجبلية الوعرة في الدولة بإنتاج هذا النوع من العسل الذي احترف أبناء الجبال معرفة مخابئه عبر تتبع طرق النحل بين شعب الجبال في مناطق انتشار أشجار السمر.
وتشتهر جبال إمارة الفجيرة بإنتاج هذا النوع من العسل البري الذي عادة ما يجمعه النحل في خلايا مخبأة بين الكهوف والصخور أو على قمم الجبال وفي الوديان السحيقة وبين أغصان الأشجار البرية. ويعتبر "عسل السمر" من ألذ وأغلى أنواع العسل المحلي ويمتاز برائحته الزكية وفوائده الطبية، ويميل لونه عند حصاده إلى الأحمر أو الذهبي قبل أن يتبدل بعد تخزينه لاحقًا ليصبح أقرب إلى الألوان الداكنة مع احتفاظه بخصائصه الطبيعية كاملة. أما عسل الغاف فيكون حصاده بين أشهر مايو ويوليو، ويرتبط اسم هذا العسل بشجرة الغاف المعروفة في الدولة، والتي تنتشر بكثرة في المناطق الصحراوية وعلى جوانب الطرق، وويتميز عسل الغاف بنسبة السكريات العالية التي تمنح متناولها طاقة وقوة لفترات طويلة.
أما عسل السدر الذي يستخلص من زهرة "اليبياب"، فيكون موسم قصه بين أكتوبر ونوفمبر، ويكثر هذا النوع من العسل في جبال وسهول الإمارات وأوديتها، لاسيما في المناطق الشمالية الشرقية، ويعد أفخر أنواع العسل وأجودها، ويمتاز بمذاقه ورائحته العطرة ولونه الذهبي المميز، ولعسل السدر فوائده الصحية إذ يٌستخدم في العلاجات الشعبية لأمراض الصدر والسعال. وإلى جانب هذه المواسم الثلاثة الرئيسة للعسل في المناطق الجبلية في الدولة، توجد مواسم أخرى لأنواع أقل انتشارًا من العسل مثل العسل الربيعي بين منتصف فبراير ومنتصف أبريل، والذي ينتج عن تغذي النحل بالنباتات المزهرة، إلى جانب عسل أشجار القرم وعسل السنط العربي وعسل القتاد، ولكل منها مذاقة ولونه ورائحته المميزة.
يمكن للمتجول في جبال الإمارات مشاهدة النحل المحلي الذي يتميز بحجمه الصغير وألوانه الخاصة، ويعرف باسم نحلة "أبو طويق" وهي نحلة ذات خصائص فيزيولوجية فريدة بين سائر فصائل النحل، وتنتمي إلى عائلة "النحل القزم" الذي يعيش في المناطق الحارة جنوب وجنوب شرق آسيا والخليج، ويمتاز بقدرة الكبيرة على تحمل الحرارة المرتفعة بعكس سائر فصائل النحل.
وتعمل السلطات في دولة الإمارات على تطوير سلالات النحل المحلية نظرًا لدورها الحيوي في تطوير المناطق الخضراء وتخصيب المزروعات والحفاظ على التوازن البيئي، ومنذ عام 2015، تعمل هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية على تطوير سلالة نحل إماراتية، وتم إنتاج عدد من الأجيال لملكات عالية الجودة وتثبيت الصفات الوراثية وتقييم الأداء لملكات سلالة النحل الإماراتية، حيث يقوم قطاع التطوير في الهيئة بإنتاج ملكات النحل خلال موسمين في العام يبدأ الموسم الأول من منتصف فبراير حتى منتصف أبريل، في حين يبدأ الموسم الثاني في منتصف سبتمبر ويستمر حتى نهاية نوفمبر، ما يتيح استمرارية طوائف النحل ذات الملكات الإماراتية صغيرة السن والخصبة مما يعزز من نشاطها في وضع البيض بكثافة.
وتشكل رحلات البحث عن العسل بين ثنايا جبال ووديان الإمارات تجربة فريدة ضمن تجارب السياحة الجبلية، ويبدأ البحث عن خلايا العسل البري عند الفجر، وينطلق النحالون والمهتمون بهذه الرحلات نحو المرتفعات بتجهيزات بسيطة، منها عبوة ماء مخصصة للرحلات، وإناء مخصص لحصد العسل وأدوات محلية مصنوعة من موارد طبيعية مثل الـ"المقفلية" وقطع من جريد النخل.
ويتتبع الفريق الخارج للبحث عن العسل مسيرة النحل المتوافقة مع الشمس أو يستدلون على وجود العسل في موقع قريب من خلال تتبع نقط العسل على الصخور، وبعدها تبدأ عملية "قص العسل" أي قطافه، وذلك من خلال اقتطاع أجزاء من الخلية تكون غنية بالعسل مع إبقاء بعض العسل إلى جانب الأجزاء السفلية من الخلية التي تحتوي على اليرقات والحضنة ولكي يعود النحل إليها ويعيد بناء خلية جديدة خلال الموسم التالي.
تحرص مختلف الجهات الحكومية والخاصة في دولة الإمارات على الاعتناء بالنحل وتمكين العاملين في هذا القطاع كجزء أساسي من الاقتصاد المستدام فخلال فعاليات معرض دبي للطيران 2021، عقدت مطارات دبي اتفاقية تعاون مع "OneHive" للمحافظة على النحل في الإمارات وترسيخ مكانة منطقة حتا مركزاً ناشئاً للسياحة البيئية. وتعد "OneHive" أكبر منتج للعسل في دولة الإمارات ولديها أكثر من 3500 خلية نحل في الدولة تستخدم لإنتاج منتجات عسل وخلايا طبيعية ومحلية بالكامل بالاعتماد على ممارسات مستدامة. وتوفر الشراكة معها فرصة تعليمية تفاعلية لملايين المسافرين في مطار دبي الدولي لتعريفهم بالدور الحيوي الذي يسهم به النحل في النظم البيئية المتنوعة إلى جانب تعزيز المنتجات الصحية والطبيعية مع الإسهام في تأكيد التزام دولة الإمارات تجاه المبادرة الاستراتيجية للحياد المناخي 2050.
ومن المبادرات أيضا، إعلان المدينة المستدامة، أول مجمع مستدام بالكامل في الشرق الأوسط، عن التوصل إلى علاقة شراكة مع شركة "ANHB"، إحدى كبرى شركات توريد وإنتاج معدات تربية النحل في منطقة الخليج. وتتيح المبادرة للأفراد والشركات تبني خلايا خاصة بهم مع حصولهم على 10 كيلوغرامات من العسل العالي الجودة.
وتعمل وزارة التغير المناخي والبيئة في دولة الإمارات على تطوير قطاع النحل المحلي من خلال بناء قاعدة بيانات إلكترونية للنحل والنحالين تحقيقا لهدفين استراتيجيين يتمثلان في تعزيز التنوع الغذائي وضمان استدامته واستدامة النظم الطبيعية، وإدراكاً منها للدور الذي يلعبه نحل العسل في تحقيق عوائد اقتصادية واجتماعية وبيئية. وبحسب أرقام الجمعية العربية لتربية النحل يوجد ما يزيد عن مليون و200 ألف خلية نحل في إمارات الدولة، ويتم إنتاج آلاف الأطنان من عسل النحل سنويًا للاستهلاك المحلي والتصدير، وتقام سنوياً العديد من المعارض والمهرجانات الخاصة بهذا المجال والتي تعمل على تطويره وتنميته وضمان استدامته.
تنتشر في مختلف بقاع دولة الإمارات محميات مخصصة للنحل والعسل، أبرزها "حديقة النحل" التي تقع بين جبال حتا وتحيط بها أروع النباتات والحيوانات كما تساهم في تسليط الضوء على دور النحل وأهميته للبيئة. ويمكن للزوار الاقتراب من خلايا النحل واكتشاف سلالاتها الرائعة بينما يستمتع الأطفال بالنشاطات الترفيهية المتنوعة. كما يضم الموقع حديقة خارجية ومقهى يقدم المأكولات العضوية، كما توفر الحديقة فرصة شراء العسل الطبيعي الشهي أو منتجات التجميل المصنوعة من العسل.
وتشهد مدينة حتا أيضا مهرجانا سنويا للعسل تترافق فعالياته مع حملة أجمل شتاء في العالم، وقد جذب في فعاليته الأخيرة أكثر من 20 ألف زائر من جميع أنحاء الدولة ونجح في استقطاب الزوار لتعريفهم بجماليات مدينة حتا التي تتنوع فيها الطبيعة والتضاريس، وتشكّل بيئة مثالية لممارسة العديد من الأنشطة الترفيهية والاقتصادية التي يعد تربية العسل أحد أشكالها. وفي منطقة دبا الفجيرة، يمكن زيارة "محمية الظنحاني للعسل" والاطلاع على متحف علي سالم سليمان الظنحاني الشخصي الذي يحوي أدوات تراثية وأزياء شعبية والأدوات والآلات الخاصة بتنقية العسل وتعبئته، ليصبح جاهزاً لتصديره إلى السوق المحلي.ويضم هذا البيت متحفاً يجمع فيه الظنحاني نماذج من الأدوات التراثية، والعملات القديمة، والأزياء الشعبية التي كان الآباء والأجداد يستخدمونها في الإمارات قديماً.
أما في مشروع وادي الحلو وسد الغيل بمدينة كلباء في المنطقة الشرقية من الدولة والتابعة لإمارة الشارقة، فيستمر العمل على مشروع جبل الكتاب الذي يقع على ارتفاع 950 متراً ويستهدف تطوير 5 قمم جبلية متصلة ببعضها عبر مجموعة من الطرق والمسارات التي تتيح للمستخدمين تجربة فريدة ومميزة بالإضافة إلى غابات ظليلة على الجبال بمساحة 80 هكتارا. ويضم المشروع محمية وادي الشوع للعسل التي تتخللها مساحات على شكل برك ماء تتجمع بها مياه الأمطار بشكل دائم.
النحل شريك الاستدامة في إكسبو وباعتبار الاستدامة أحد أبرز مرتكزات معرض إكسبو 2020 دبي الذي يحتفي بتواصل العقول وصنع المستقبل، فقد كشفت إدارة المعرض عن نجاح تجربتها لجني عسل مستعمرة نحل أنقذها العاملون في الموقع أثناء عمليات البناء ونجحوا بنقلها من الموقع إلى مكان آمن في خليتها الجديدة في المدينة المستدامة في دبي. وقد نفّذ الفريق البيئي العامل على تطوير الموقع عام 2016 عملية النقل من موقع إكسبو إلى حديقة نحل "جمعية مربي النحل" ضمن المدينة المستدامة في دبي، ومنذ ذلك الحين، يزور فريق إكسبو الخلية لجني العسل وتعبئته في عبوات خاصة موسومة بعلامة إكسبو 2020.
المصدر: وكالة أنباء الإمارات
تصميم معماري قديم وبوابة ذات طراز عربي أصيل.. يُعد "مسجد المطوع" واحدًا من أقدم المساجد بمدينة "خورفكان" في الإمارات، إذ يبلغ عمره حوالى 500 عام.
وجهة علاجية عالمية في مصر.. تشتهر "واحة سيوة" بوصفها إحدى الوجهات السياحية الشهيرة، حيث الراحة والعزلة وسط الآثار الفرعونية، وبساتين النخيل العامرة، فضلًا عن برك المياه المالحة.
أشبه ما تكون بأغصان شجرة تشق طريقها إلى السماء.. لقطة في غاية الروعة تُظهر جمال التفرعات النهرية لدى "خور الزبير" في مدينة البصرة.